بمجرد أن تقرأ العنوان أعلاه، سيتبادر إلى ذهنك على الفور عدد من الأسماء التي يتم تداولها عادة في قوائم النفوذ والتأثير المرموقة، والتي لن تخرج عادة عن أسماء مثل بوتين، أو ترمب، أو شي جينبينغ. ولم لا، ألا يمتلك هؤلاء القادة سلطات واسعة، ويقودون دولاً عظمى، ويؤثرون بقراراتهم في حياة مئات الملايين حول العالم؟ ألا يتحكمون في ترسانات نووية، وأساطيل ضخمة، وآلاف الطائرات والصواريخ عابرة القارات؟
من جانبي، لا أجد أن أياً منهم امتلك القدر المكافئ للقوة التي يمتلكها شاب سيبلغ عمره غداً 35 سنة، وقد استهل وجوده الطاغي على المسرح الدولي عام 2004، حين طوّر فكرة، ستصبح لاحقاً ديوان العالم الأهم والأشهر... «فيسبوك».
لم يرشح عن مارك زوكربيرغ، مؤسس «فيسبوك»، وكبير مديريه التنفيذيين، ما يفيد بأنه خطط لأن يكون أقوى رجل في العالم؛ لكن الوقائع تتوالى بوتيرة متصاعدة، لكي ترسخ قوته ونفوذه يوماً بعد يوم.
يقول زوكربيرغ إنه لا يبيع سوى «الألفة والتسرية»؛ وهي بضاعة تبدو أبسط بكثير من أن تغري زبائن بلغ عددهم أكثر من 2.7 مليار نسمة، تضافروا جميعاً مع خططه المحكمة الشرهة للنفاذ والثراء، لكي يجعلوا من فكرته البسيطة شركة تتخطى قيمتها 541 مليار دولار أميركي.
يستثمر زوكربيرغ في سلعة لا تنضب، مرتكزها الأساسي حاجات إنسانية حيوية ومتجددة باطراد، أما سوقه فلا يحدها سقف؛ إذ وصل عدد من يتصلون بـ«الإنترنت» في العالم إلى 4.34 مليار شخص، بنحو 58 في المائة من مجموع سكانه البالغ 7.5 مليار نسمة.
ينفق كل عميل من عملاء أقوى رجل في العالم أكثر من ست ساعات ونصف ساعة يومياً من وقته على الشبكة، مشكلين مجتمعاً رقمياً ضخماً، سيقضي أفراده أكثر من مليارين و200 مليون سنة على «الإنترنت» في عام 2019.
45 في المائة من سكان العالم ينشطون على وسائط التواصل الاجتماعي، التي تمثل ملعبه الأثير، وهم يزدادون بنسبة كبيرة، وفي عام 2018 فقط زاد عدد مستهدفيه بأكثر من 280 مليون مستخدم.
إذا كتبت عبارة «(فيسبوك) يستحوذ»، على محرك البحث الشهير «غوغل»، ستظهر لك عشرات النقرات، التي تشير إلى صفقات استحواذ واندماج ضخمة وشديدة التنوع.
لا يشبع هذا الفتى من الاستحواذ؛ حتى إنه أنجز، على مر السنوات المحدودة التي خلت منذ أطل على مسرح الأعمال العالمي، أكثر من 70 استحواذاً، بقيمة يصعب تعيينها بدقة؛ إذ لا تتضح دائماً المعلومات الكافية عن تلك الصفقات، التي لا تفضي عادة سوى إلى منحى وحيد: تكريس قوة زوكربيرغ.
في عام 2018 وحده، استحوذ «فيسبوك» على أربع شركات مختلفة؛ بينها تطبيق التواصل «ريديكس» الإسرائيلي، وشركة «بلومزبري إيه آي» اللندنية، التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي.
عندما ازدهرت أعمال تطبيق المحادثة الشهير «واتساب»، سارع زوكربيرغ إلى شرائه بمبلغ 19 مليار دولار، في صفقة مشابهة لتلك التي عقدها حين استحوذ على تطبيق «إنستغرام».
يشتري زوكربيرغ شركات تعمل في مجالات تقنية المعلومات، أو الطائرات «الدرون»، أو تطبيقات التراسل، أو تقنيات التعرف إلى الوجوه، أو تطبيقات الهاتف النقال، أو الواقع الافتراضي؛ وهي شركات قد تكون صغيرة بحجم أعمال لا يتخطى 200 ألف دولار، أو كبيرة يبلغ ثمنها نحو 20 ملياراً؛ لكن ما يجمعها جميعاً أنها توطد دعائم قوته، وتجهض إرهاصات منافسته، وتُصلب وضعه الاحتكاري.
لقد انتبه زوكربيرغ مبكراً إلى تراجع ثقة الجمهور في المؤسسات والدول، بموازاة ارتفاع ثقته في الأفراد، وقد استغل هذه الثقة أبشع استغلال ممكن، حين أقر أولاً بأن «عهد الخصوصية انتهى»، وحين اعترف تالياً بأن شركته لا تحمي المعلومات الحساسة للمستخدمين كما ينبغي، وأنها قد تبيعها لمن يدفع، بصرف النظر عن الطريقة التي سيستخدمها بها، والتداعيات التي ستحدث جراء ذلك.
تتغول سلطة زوكربيرغ، ويزداد نفوذه بشراسة، وتتعملق شركته، وتتضخم لعبته، لتبلع ألعاب الآخرين، بعدما بات يحتل المرتبة الرابعة بين أثرى أثرياء العالم.
زوكربيرغ هو أقوى رجل في العالم؛ ليس فقط لأن أسرار الناس معه، و«الألفة والتسرية» التي يبحثون عنها لديه، ولكن أيضاً لأنه يحتكر تلك السلعة، ويبتلع منافسيه، ويجور على حقوق زبائنه، بينما القوانين وحقوق الإنسان ومليارات من سكان العالم عاجزون عن ردعه، أو تقويم سلوكه، ومستمرون في شراء بضاعته، وتمويل أحلامه، وتعزيز سلطته.
أقوى رجل في العالم
أقوى رجل في العالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة