«تجمع المهنيين السودانيين»... كيف نشأ في الخفاء وقاد ثورة شعبية

نقيب الأطباء حكى لـ«الشرق الأوسط» قصة الاجتماع الأول في عيادته الخاصة

«تجمع المهنيين السودانيين»... كيف نشأ في الخفاء وقاد ثورة شعبية
TT

«تجمع المهنيين السودانيين»... كيف نشأ في الخفاء وقاد ثورة شعبية

«تجمع المهنيين السودانيين»... كيف نشأ في الخفاء وقاد ثورة شعبية

لم تكن غالبية السودانيين قد سمعت باسم «تجمع المهنيين» قبل 6 أشهر، ثم فجأة أصبح الاسم الأكثر تداولاً في الحياة السياسية السودانية بعد أن قاد هذا الكيان «الخفي» أضخم ثورة شعبية في تاريخ السودان منذ أكثر من قرن، ولتي أطاحت بأطول حكم في البلاد امتد 30 عاماً.
وعلى مدى 4 أشهر خرج مئات الآلاف خلف هذا التنظيم، رغم أن أحداً في السودان لم يكن يعرف من هم قادته، وكيف ومتى نشأ، ومن هو المسؤول عنه. ولكن لماذا وثق فيه الشعب وسار خلفه رغم غموض هويته؟
التقت «الشرق الأوسط» نقيب الأطباء، الدكتور أحمد عبد الله الشيخ، الذي حكى قصة نشأة «تجمع المهنيين» في ظروف العمل السري إبان حكم «الإخوان المسلمين» العسكري برئاسة عمر البشير. وقال الشيخ، الذي كان معتقلاً لأربعة أشهر وخرج بعد إطاحة البشير، إن فكرة «تجمع المهنيين» نشأت في عيادته الطبية الخاصة في أكتوبر (تشرين الأول) 2012 حين عُقد اجتماع صغير حضره عدد محدود من الأطباء بغرض تكوين نقابة في السر لتبدأ مقاومة نظام البشير.
وبالفعل انتهى الاجتماع إلى تكوين تنظيم محدود باسم نقابة أطباء السودان «الشرعية» لتميّزها عن نقابة الأطباء «المزورة» التي كانت الحكومة تديرها. وأضاف الشيخ: «وعندما رأينا أن الفكرة لاقت قبولاً، دعونا نقابات أخرى للانضمام إلينا، فتكونت نقابة لأساتذة جامعة الخرطوم، وأخرى للمعلمين، ثم المهندسين والصيارفة، وأصبحناً عملياً تجمعاً للمهنيين، وظل نشاطنا سرياً للغاية».
وبعد عام تقريباً وقعت أحداث سبتمبر (أيلول) 2013 الدموية التي قتلت خلالها أجهزة الأمن بالرصاص نحو 300 شخص ضمن موجة احتجاجات شعبية سلمية، واعتقلت الآلاف. ورغم أن «تجمع المهنيين» لم يكون خلف الدعوة إلى تلك الاحتجاجات، لكنه دعمها. وأوضح الشيخ أن جهاز الأمن والاستخبارات علم منذ تلك الفترة بوجود نشاط لبعض نقابات المهنيين، ومن ثم شدّد رقابته على أعضائه المكشوفين واعتقل بعضهم، مثل دكتور الشيخ نفسه، بل شدّد قبضته الأمنية على البلاد عامة بسبب الأحداث التي خشي أن تكون امتداداً للربيع العربي الذي بدأ في 2011.
وفي 2014 قرر «التجمع» الإعلان عن وجوده (دون الكشف عن عضويته) على أمل أن يشجّع ذلك بقية النقابات والمهنيين على تشكيل لجانهم والانضمام إلى «تجمع المهنيين» الذي كان حتى ذلك الوقت يضم 5 نقابات فقط. ولكن، يقول الشيخ، إن «الهجمة الأمنية بعد أحداث 2013 كانت قوية وعنيفة واستمرت لفترة طويلة، مما قلل نشاط المهنيين وحد من حركتهم».
واستمر هذا الوضع حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2018، حين قرر «تجمع المهنيين» تقديم مذكرة لـ«اتحاد العمال» تتحدث عن رفع الحد الأدنى للأجور. لكن اتحاد العمال، التابع للحكومة، رفض تسلم المذكرة، «فقررنا تسليمها إلى البرلمان». وفي غضون ذلك كانت الأزمات الاقتصادية قد تفاقمت بدرجة كبيرة تمثلت في شح المواد الغذائية والبترولية، ومعدل تضخم يرتفع يومياً، فضلاً عن شح السيولة الذي أدى خلال وقت قصير إلى انهيار شبه كامل للنظام المصرفي.
وفي ظل تلك التطورات المتسارعة قال الشيخ: «اجتمعنا في بدايات ديسمبر (كانون الأول) 2018 وقررنا أن نغيّر مضمون المذكرة من مطالب اقتصادية محدودة تتعلق بالأجور إلى مطالبة صريحة بإسقاط النظام برمته، ودعونا مجموعات مهنية أخرى لكي تنظم نقاباتها ولجانها ثم تنضم إلينا في تجمع المهنيين، وهذا ما حدث فعلاً بوتيرة سريعة في ظل التدهور السريع للأحوال المعيشية في البلاد». وأضاف الشيخ أن «تجمع المهنيين ليس له رئيس أو قائد حتى هذه اللحظة لأن العمل فيه جماعي».
وكانت الشرارة التي بدأت موجة الاحتجاجات الأخيرة هي أحداث مدينة عطبرة (شمال شرقي السودان) حين خرج طلاب إحدى المدارس في مظاهرة عفوية يوم 19 من الشهر بعد أن أبلغتهم إدارة المدرسة بأنه لا يوجد خبز لوجبة الإفطار في ذلك اليوم. وتعاطف سكان المدينة مع الطلاب وانضموا إليهم في مظاهراتهم، التي توسعت وانتشرت في بوتسودان ومدن أخرى.
أما في الخرطوم فقد انتهز «تجمع المهنيين» هذه الفرصة لتصعيد معارضته للنظام الذي بدا ضعيفاً ومهزوزاً رغم استخدامه العنف لتفريق المتظاهرين. وقال الشيخ: «جعلتنا أحداث عطبرة أن نغيّر خططنا مرة أخرى، وقررنا أن نسيّر موكباً حاشداً من وسط الخرطوم ليسلم المذكرة إلى القصر الجمهوري بدلاً من البرلمان، في 25 من ذلك الشهر». وأضاف أن تلك المسيرة الحاشدة كانت بداية المظاهرات المتواصلة في الخرطوم حتى انتهت بسقوط البشير بعد 4 أشهر في 11 أبريل (نيسان).
ومع تواصل المظاهرات تواصل انضمام نقابات أخرى إلى تجمع المهنيين حتى فاق العدد 20 نقابة شملت غالبية قطاعات المهنيين في السودان، وأصبح للتجمع فروع في غالبية مدن السودان التي قادت بدورها حراكاً شعبياً في تلك المدن. وأوضح الشيخ أن غالبية الصف الأول من قيادات المهنيين، بمن فيهم هو نفسه، تم اعتقالهم ولم يخرجوا من السجون إلا بعد سقوط النظام، «ولكن تولت قيادات بديلة، أو تلك التي لم تكن معروفة للأجهزة الأمنية، قيادة الاحتجاجات الشعبية حتى بلغت منتهاها»، موضحاً أن «تجمع المهنيين كان صغيراً حتى موكب 25 ديسمبر (كانون الأول)، لكن الحشود التي استجابة للمسيرة فاقت توقعاتنا، لذلك نعتبر أن الشعب هو الذي قوّى تجمع المهنيين، ثم راحت أعدادهم تتزايد بوتيرة متزايدة منذ ذلك التاريخ حتى سقوط النظام».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.