بينالي البندقية... تخمة وسائط التقنية الحديثة وغلبة العنصر النسائي

عودة اللوحة التقليدية والتركيب يطغى على أغلب المشاركات العربية

جناح السعودية قدم عملا للفنانة زهرة الغامدي بعنوان «بعد توهم» (أ.ب)
جناح السعودية قدم عملا للفنانة زهرة الغامدي بعنوان «بعد توهم» (أ.ب)
TT

بينالي البندقية... تخمة وسائط التقنية الحديثة وغلبة العنصر النسائي

جناح السعودية قدم عملا للفنانة زهرة الغامدي بعنوان «بعد توهم» (أ.ب)
جناح السعودية قدم عملا للفنانة زهرة الغامدي بعنوان «بعد توهم» (أ.ب)

فتح بينالي البندقية (فينيسيا) العريق بابه للجمهور أمس السبت، وهو يسعى بعد 122 عاما على تأسيسه إلى أن يبقى متناغماً مع عصره الزاخر بالإبداع في صناعة الفن المعاصر التي ارتهنت في السنوات الأخيرة بسياقات العولمة، التي سيطرت على المعرفة والمعلومة عبر التقنيات الاتصالية الحديثة مجتاحة المجالات الثقافية، داخل واقع الهيكلة النظرية لقريتنا الكونية التي ألغت الحدود والفواصل. وفي هذه الأجواء تراجعت القيم الجمالية للعمل الفني بشكل كبير في السنوات الأخيرة لتترك المجال فسيحا أمام قيم برغماتية متوجهه بكل سياقاتها نحو الأسواق العالمية ومزادات البيع المنتشرة في كل أنحاء العالم.
هذا الحدث الذي ينظّم في نسخته الثامنة والخمسين هذا العام ويستمر حتى 24 نوفمبر (تشرين الثاني)، هو من أكبر معارض الفن المعاصر في العالم، يعتبر الأقدم والأشهر في العالم في مجال العروض الدولية للفنون المعاصرة، وكان يقام كل عامين، وأصبح يقام الآن كل عام بتخصصين مختلفين بالتناوب، عام للفنون التشكيلية الجميلة ثم عام لفن العمارة، ويعتبر سوقا كبيرا منفتحا لألوان وأشكال، تبدو كأنما تتحرك في فضاء ناطق من الكتل والرموز والإيحاءات. فالمساحة الكبيرة المخصصة للعروض، على شكل سرادق، ليست جدارا، ولا هي مرتكز تستند إليه هذه العوالم والصروح والمنصات الفنية المتفاوتة الأبعاد والنماذج المعمارية والبلاستيكية، الثابت منها والمتحرك، بل هي، تشكيلة من فضاءات مبدعة تمنح الرؤية طابع الثراء الفني والخصوبة الثقافية والحضارية الإنسانية، إنها حوارات فنية تمزج بين الواقعي وبين الخيالي في ترسيخ قيم الهوية الفنية المبدعة. إنها عرض لما وصلت إليه سيرورة الفن التاريخية والتطويرية باعتبار الفن انفعالا باطنيا يتأثر نفسيا وذهنيا ضمن حيز الوجود الإنساني. وتحت عنوان «عسى أن تعيش في أزمنة شيقة»، يجمع الناقد الأميركي «رالف روكوف»، الذي اختير ليكون المشرف العام «القيّم» على هذا الحدث الفني، 79 فناناً من 57 بلداً على سطح إحدى جزر هذه المدينة العائمة، حيث يشتمل البينالي على أربع وأربعين فعالية موزعة في أنحاء البندقية. من جهة أخرى منح الفنان الألماني من أصول هندية «جيميا دورهام» جائزة الأسد الذهبي الأولى تقديرا لإنجازاته الفنية النحتية المتميزة، وهو يعتبر واحدا من أشهر الفنانين الغربيين، إذ تميزت أعماله التركيبية التي يختار أجزاءها ويرّكبها لتحمل رؤوس جماجم حيوانات، بالغرابة في تأويلاته، منحته ميزة الولوج إلى أسرار فنه.
والعنوان الرئيسي هو «القيام بمقاربة جديدة عن العلاقة بين الفن والفنانين والمسار الحالي للأحداث» مع الأخذ في الاعتبار «التغيّرات الجذرية التي حصلت في العقدين الأخيرين» على الصعيد الاجتماعي والتكنولوجي والاقتصادي والبيئي. وأشار رئيس البينالي، الإيطالي باولو باراتا إلى أن «العالم الذي نعيش فيه اليوم، يظهر انقسامات وجروحاً عميقة» قائمة على «عدم المساواة» ما ينبئ بـ«مستقبل غامض». وعلى رغم التقدم الكبير المسجل على صعيد المعارف والتكنولوجيا، يرى رئيس البينالي الإيطالي، أننا لا نزال منخرطين في «عصر من القلق» نجح الفنانون المشاركون في هذا الحدث بتجسيده.
الزائر لأجنحة الدول المشاركة، سيفاجأ بازدحام الوسائل التقنية الحديثة التي أكثر من استخدامها فنانو الحداثة من المدرسة المفاهيمية، وما حملته من مدارس متفرعة وأساليب عديدة تمثلت في الفن الاعتدالي، وفنون الأرض، وفنون الجسد، والفيديو، إلا أن هذا المشاهد سيفاجأ أيضا بعودة اللوحة التقليدية بكل عوالمها، لتعيد كرامتها بافتتان وإبداع كبيرين، بعد أن أصابت التخمة التعددية للوسائط التقنية الجديدة في معظم المحترفات الفنية الغربية، والتي أصابت عدواها محترفات العالم الثالث. تميزت تظاهرة هذه الدورة بغلبة العنصر النسائي المشارك، والاقتصار على التجارب الجديدة للفنانين الأحياء.
بعد أن ابتكر الفن لنفسه وظيفة أخرى، من الصورة الافتراضية إلى الصورة الرقمية في واقع محكوم بالتكنولوجيا التي يتزايد تصرفها في صناعـة «العمل الفني»، وهي الصورة الفوتوغرافية والمجسمات الملونة، من الأعمال التجهيزية وأعمال التركيب والمشغولة على ركائز فكرية مركبة تستدعي لتنفيذها المناداة على عدة أشكال وأدوات ومواد مدمجة في بناء واحد متماسك يدل عليه بالعمل التركيبي ويطلق عليه بالللاتينية تسمية (استيلاسيون) وهو الطاغي في العديد من المنصات المشاركة في البينالي. ويطغى التركيب على أغلب المشاركات العربية، التي اتسعت مساحتها في هذه الدورة الجديدة، حيث يقوم العمل على جمع مواد عديدة لتوظيفها في غير موضعها في بناء «تركيب» ذي ملامح بين النحتية والمعمارية ومشغول بعين تشكيلية وزخرفية في آن واحد. ويفترض العمل التركيبي أولا أن يرتبط بتصور الفنان لتجهيزه بالجغرافيا المعمارية للموقع الذي يعتزم إشغاله في عمله، وبالفضاء المحيط لتعزيز فكرة العمل وما يفصح عنه، وهذا ما فعله الجناح الإيطالي من متطلبات المكان من خلال توفير الموقع المواتي لإقامته.
وشكلت مشاركة الفنان السويسري الآيسلندي، كريستوف بوشيل، بعمل فني لمركب ضخم، حدثا غير مسبوق. وقفت مجموعة من قيّمي المعارض والفنانين المشاركين في بينالي البندقية 2019. يتابعون مشهدا مهيبا لإنزال جسم قارب فخم محطم إلى شاطئ آرسنال القديم بمدينة البندقية، بحيث تصبح البندقية أول محطة لعرض هذا العمل. لم يكن ذلك القارب سوى عمل فني لمركب للفنان السويسري، وهو القارب ذاته الذي حمل على متنه مئات البشر ممن كان لديهم أمل في حياة أفضل، هربا من الحروب والصراعات، فاستقر بهم المقام في قاع البحر الأبيض المتوسط، ما بين ليبيا وجزيرة لامبيدوسا الإيطالية، عقب اصطدام «قارب أحلامهم» بالسفينة التي جاءت استجابة لنداء استغاثته. نجا من ذلك الحادث المأساوي 28 شخصا فقط، بينما غرق مع القارب ما بين 700 و1100 إنسان، لم يتمكنوا من الخروج من القارب الغارق.
جاءت الفكرة لبوشيل، أثناء زيارته لجمعية شعبية إيطالية في مدينة باليرمو، في إطار مشروع مانيفيستا الفني عام 2017. ورغم وضوح الفكرة الفنية، وكيفية تنفيذها، إلا أن عراقيل تنفيذها كانت كبيرة للغاية، فقد تم انتشال القارب عام 2016. ونقل إلى قاعدة «ميليلي» البحرية في صقلية، حين تم آنذاك استخراج الجثث من القارب، والتعرف عليها، وأجريت عملية ضخمة بمشاركة فرق كبيرة للبحث الجنائي والأطباء الشرعيين وغيرهم.
وفي التفاتة هامة قدم البينالي معرضا للفنان الأرميني الراحل الشهير «آشيل جوركي 1904 - 1948» الذي ارتبطت باسمه المدرسة التعبيرية التجريدية في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، والذي عكس بفنه أزمة المغترب لما عاشته أميركا عام 1939. على ثلاثة مستويات: كفنان، في وسط عقلية سائدة ومحافظة ضد كل ما هو جديد وحديث، ثم كإنسان، في بيئة مادية تفتقد التواصل الإنساني، وكمهاجر «شرقي» في مجتمع عدائي تجاه هويته الوطنية. لم يكتف آرشيل جوركي طوال حياته بأسلوب فني وحيد، بل ترك المجال وبشكل موضوعي للتأثيرات الآتية من فناني الماضي البعيد والماضي القريب، والكلاسيكيين والمعاصرين، مظهرا حرصه على التعلم بعمق وإمعان، مقتنعا بأنه ليس هنالك حدود تفصل بين العصور فيما يخص الإحساس الفني الأصيل وتعبيره الذي يقوم على أسس كونية غير محدودة أو مقيدة بالزمن.
نظرة على الأجنحة العربية
يتكون العمل الفني السعودي، الذي تقدمه الفنانة الدكتورة زهرة الغامدي، من 50 ألف قطعة، ويحمل عنوانه «بعد توهم» الاحتمالات اللانهائية للوصول إلى الهدف ومعرفة الذات، بعد مراحل الشك وعدم اليقين، في محاولة لاستعادة الثقة والتفاؤل. كما افتتحت وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة في دولة الإمارات نورة بنت محمد الكعبي، جناح الإمارات العربية المتحدة. ومثل العراق بمجموعة من اللوحات الفنية، الفنان العراقي سيروان باران، والتي عكست أعماله واقع العنف في بلاده. فأشكاله وكائناته المقهورة، المحطمة، تشكل أجسادا هشة غير قابلة للالتئام وغير قادرة على الدفاع عن نفسها.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».