تمدد أحزاب اليمين يثير القلق على المشروع الأوروبي

ترفع شعارات التفوق العرقي وكره الأجانب والعداء للمسلمين

نائب رئيس الحكومة الإيطالي ماتيو سالفيني (الثاني من اليمين) وإلى يمينه فيكتور أوربان رئيس حكومة هنغاريا  عند سياج أقيم على حدود هنغاريا مع صربيا لمنع اللاجئين من العبور (أ.ف.ب)
نائب رئيس الحكومة الإيطالي ماتيو سالفيني (الثاني من اليمين) وإلى يمينه فيكتور أوربان رئيس حكومة هنغاريا عند سياج أقيم على حدود هنغاريا مع صربيا لمنع اللاجئين من العبور (أ.ف.ب)
TT

تمدد أحزاب اليمين يثير القلق على المشروع الأوروبي

نائب رئيس الحكومة الإيطالي ماتيو سالفيني (الثاني من اليمين) وإلى يمينه فيكتور أوربان رئيس حكومة هنغاريا  عند سياج أقيم على حدود هنغاريا مع صربيا لمنع اللاجئين من العبور (أ.ف.ب)
نائب رئيس الحكومة الإيطالي ماتيو سالفيني (الثاني من اليمين) وإلى يمينه فيكتور أوربان رئيس حكومة هنغاريا عند سياج أقيم على حدود هنغاريا مع صربيا لمنع اللاجئين من العبور (أ.ف.ب)

بينما تستعد دول الاتحاد الأوروبي لانتخابات مفصلية لاختيار أعضاء البرلمان الأوروبي، تتعزز المخاوف من نمو التيارات اليمينية في هذه الدول، التي باتت تشكل في عدد منها قوة وازنة، لقادتها نفوذ متصاعد على القرار السياسي. ومبعث المخاوف يعود إلى اصطدام الأفكار التي تحملها هذه التيارات الشعبوية، والقائمة على نزعة الانفصال، والرافعة شعار «بلادي أولاً»، مع المشروع الأوروبي، وهو في أساسه مشروع اندماجي. وفي مقدمة الأسماء التي تتبنى هذه الأفكار كل من فيكتور أوربان، رئيس حكومة هنغاريا، وماتيو سالفيني نائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية الإيطالي، وقد قامت شعبية الرجلين على موجة عداء للمهاجرين، وحملات عنصرية للدفاع عما يسمونها «الهوية الأوروبية». تضاف إلى ذلك حملات الداعين إلى «بريكست» في بريطانيا، وهذه قصة لها مجال آخر.
هنا رصد لأبرز التيارات اليمينية من بلدان أساسية في الاتحاد الأوروبي: إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا.

في مثل هذا الأيام منذ أربعين عاماً، بالضبط، توجّه الأوروبيّون لأول مرة في تاريخهم لانتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي، الذي يحدّد توزيعُ المقاعد فيه معادلة التوازن بين العائلات السياسية في المؤسسات التنفيذية للاتحاد. منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، استقرّت هذه المعادلة على توازن ثنائي بين المحافظين والتقدّميين، بأطيافهما، ترجح كفّته بين الحين والآخر، في هذا الاتجاه أو ذاك، حسب التحالفات الظرفيّة مع الليبراليين و«الخُضر» وبعض الكتل الأخرى الصغيرة.
لكن الانتخابات التي ستُجرى بين 23 و26 من شهر مايو (أيار) الحالي من شأنها أن تقوّض هذه المعادلة بتشكيل كتلة ثالثة وازنة، للمرة الأولى، في الهيئة التشريعية للاتحاد الأوروبي، هي كتلة الأحزاب والقوى الشعبويّة واليمينية المتطرفة التي تجاهر علناً بعزمها تفريغ المشروع الأوروبي من مضمونه الاجتماعي والسياسي، وإعادة القرارات السياديّة إلى الحكومات الوطنية. وهو المضمون الذي جعل من الاتحاد الأوروبي، رغم عثراته في السنوات الأخيرة، أنجح مشروع اندماجي في التاريخ، ومن بلدانه الأعضاء المنطقة الأكثر تقدّماً على الصعيدين السياسي والاقتصادي في العالم.
التمدّد اليميني المتطرّف لم يعد مجرّد فكرة تحوم من بعيد في فضاء التاريخ الأوروبي الحديث، بل حقبة تعود بقوّة إلى المشهد السياسي لتوقظ الأشباح والكوابيس التي قام المشروع الأوروبي أساساً لوأدها. ولا يقتصر هذا التمدّد على القارة الأوروبية فحسب، بل يظهر بقوّة أيضاً في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، يرفع شعارات التفوّق العرقي وكره الأجانب ومعاداة المسلمين، رافضاً التمازج الثقافي والتعددية، ومتمرّداً على منظومة القواعد والاتفاقات والتشريعات التي يقوم عليها القانون الدولي، وتندرج في إطارها العلاقات بين الدول منذ منتصف القرن الماضي.
إنها «الوجوه الجديدة لليمين»، كما سماها المؤرخ الإيطالي إنزو ترافرسو، في مؤلف بالعنوان نفسه صادر عن جامعة هارفرد، يستعرض فيه المشارب المتعددة لهذه القوى التي تخلّى معظمها عن صفة الحزب، ويبيّن التباينات العميقة أحياناً في جذورها وظروف نشأتها. لكنه يجزم في خلاصة مؤلفه الطويل أن القواسم المشتركة بينها هي التي ستمدّها في نهاية المطاف بمحفزّات التقارب والنسغ اللازم للتحالف من أجل رسم معالم نظام دولي جديد؛ يؤكد أنه في طور التشكّل.
وتفيد آخر الاستطلاعات بأن القوى اليمينية المتطرفة، مجتمعة، يمكن أن تشكّل الكتلة الثالثة في البرلمان الأوروبي على مسافة قصيرة جداً من الكتلة التقدميّة التي ستحتفظ بالمركز الثاني بعد الكتلة الشعبية المحافظة التي تبقى «الديمقراطية المسيحية في ألمانيا» نواتها الأساسية. لكن أحزاب اليمين المتشدد في بلدان الشرق الأوروبي، خصوصاً في المجر وبولندا، لم تكشف بعد عن أوراق تحالفاتها المحتملة بعد الانتخابات، وثمّة شكوك في أنها قد تنشقّ عن الكتلة الشعبية لتشكيل الجبهة اليمينية المتطرفة التي تتطلّع إليها كل الأحزاب «السياديّة» لتغيير مسار المشروع الأوروبي ومضمونه السياسي والاجتماعي.
رأس الحربة للمشروع اليميني المتطرف في الاتحاد الأوروبي، الذي يحظى بدعم علني وتمويل من المحافظين المتشددين في الولايات المتحدة وروسيا، هو حزب «الرابطة» الإيطالي الذي يتزعمه نائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية ماتّيو سالفيني، الذي يرجّح أن يصبح القوة السياسية الأولى في إيطاليا بنسبة تأييد تزيد عن 30 في المائة، بعد أن كانت شعبيته لا تتجاوز 9 في المائة، قبل الانتخابات العامة الأخيرة التي حصل فيها على 17 في المائة من الأصوات تأييداً لبرنامجه المتطرف في مكافحة الهجرة.
لكن المخاوف من هذا الصعود السريع لليمين المتطرف في إيطاليا ليست مقصورة على تأثيره في توازن القوى داخل البرلمان الأوروبي وتداعياته السياسية المحتملة على الاتحاد، في حال وصول سالفيني إلى رئاسة الحكومة، وهو أمر بات شبه محتوم في ضوء الاستطلاعات ونتائج الانتخابات الأخيرة. لا ينسى أحد أن إيطاليا كانت مهد العقيدة الفاشيّة التي سبقت الفكر النازي، وأسّست لحركات نهلت من مبادئها في المحيط الأوروبي بقي بعضها نشطاً وحاكماً، كما في إسبانيا والبرتغال، حتى سبعينيات القرن الماضي. وليس من باب الصدفة أن يكون المنظّر اليميني المتطرف ستيف بانون، الذي كان المستشار الاستراتيجي لدونالد ترمب خلال حملته الانتخابية والأشهر الأولى من ولايته، يعتبر أن «إيطاليا اليوم هي مركز العالم»، وأن سالفيني هو «رائد المشروع التحوّلي في الغرب» الذي أقام لأجله، في دير إيطالي من القرن الثاني عشر، مركزاً عالمياً لتأهيل القيادات ومساعدة الأحزاب اليمينية المتطرفة في نشاطها وحملاتها الانتخابية.
الانتخابات الإسبانية الأخيرة التي حملت اليمين المتطرف إلى البرلمان، للمرة الأولى منذ وفاة الجنرال فرنكو، كانت واعدة جداً بالنسبة لمشروع سالفيني واستراتيجية بانون. فالنتيجة التي حصل عليها حزب «فوكس» قد لا تخوّله أن يلعب دوراً وازناً في تشكيل الحكومة الإسبانية الجديدة، لكن حصوله على 2.6 مليون من الأصوات تشكّل 11 في المائة من مجموع الناخبين في أوّل ظهور له على المشهد السياسي الوطني في إسبانيا، هو مؤشر واضح على أن الرياح تجري بما تشتهي سفن الفكر السياسي الذي يستيقظ من جديد على القارة الأوروبية، والذي بدأ يخرج عن إطار المختبرات الاجتماعية الضيّقة والمتفرّقة، ليصبح شريكاً أساسياً في الحوار مع النخب الصناعية والمالية والمراكز الاقتصادية والكبرى.
في فبراير (شباط) من عام 1933، بعد أن ترسّخ حضور الحزب النازي في برلمان ألمانيا، التي كانت تعاني من أزمة اقتصادية وسياسية حادة، اجتمع هتلر في مبنى «الرايشتاغ» برؤساء الشركات الألمانية الكبرى الذين تعهدوا بدعمه ومدّه بمساعدات مالية ضخمة من أجل «قيام نظام جديد يعيد الاستقرار، ويوفّر الهدوء والانضباط لتسيير العجلة الاقتصادية نحو النمو»، كما جاء في مذكّرات مدير شركة «سيمنس». وما حصل بعد ذلك، نعرفه جميعاً.



مستقبل إردوغان والحزب الحاكم... سؤال تركيا الكبير

عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
TT

مستقبل إردوغان والحزب الحاكم... سؤال تركيا الكبير

عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)

أمضت تركيا أكثر من 22 عاماً تحت حكم حزب «العدالة والتنمية» الذي شهدت مسيرته محطات حرجة وتحديات سياسية واقتصادية، بين صعود وهبوط، وانعكست على السياسة الخارجية على وجه الخصوص.

الحزب ذو الجذور الإسلامية الذي أسسه الرئيس رجب طيب إردوغان ومجموعة من رفاقه أبرزهم الرئيس السابق عبد الله غل، والسياسي المخضرم بولنت أرينتش، ظهر في 14 أغسطس (آب) 2001، وفاز منفرداً بحكم تركيا في أول انتخابات تشريعية خاضها في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2002، وبقي في الحكم حتى الآن.

وخاض الحزب في البداية صدامات مع النخبة العلمانية والجيش والقضاء وصلت ذروتها عند ترشيح عبد الله غل، الذي كان وزيراً للخارجية، للرئاسة عام 2007 خلفاً للرئيس الأسبق أحمد نجدت سيزر.

أزمات ومعارك

أحدث ترشيح غل أزمة كبيرة في تركيا التي شهدت تجمعات مليونية في أنقرة وإسطنبول رفضاً له. وأفلت الحزب أيضاً من الحل في دعوى أقيمت ضده أمام المحكمة الدستورية التي قضت بالغرامة المالية دون الإغلاق في عام 2008، بسبب انتهاكه «مبادئ العلمانية».

ومنذ عام 2010، بدأ الحزب حملة تغييرات واسعة، عبر تعديل الدستور، بعدما استفاد من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي التي انطلقت رسمياً عام 2005 في إرساء العديد من حزم الإصلاحات في النظام القضائي والقوانين.

وخاص الحزب العديد من المعارك، كما نزع فتيل محاولات استهدفته على غرار قضايا «أرجنكون» و«المطرقة» و«القفص» التي حاول فيها عسكريون الإطاحة بحكومة إردوغان.

وعد إردوغان، الرجل القوي الذي لا يزال قابضاً بقوة على السلطة في تركيا، أن احتجاجات «غيزي بارك» في مايو (أيار) 2013، وما أعقبها من تحقيقات «الفساد والرشوة» التي جرت في 17 و25 ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته، كانت محاولات للإطاحة بحكومته.

ونُسبت تحقيقات في تهم فساد ورشوة طالت أبناء وزراء في حكومة إردوغان ورجال أعمال مقربين منه، وامتدت إلى أفراد عائلته، إلى حركة «الخدمة» التي تزعمها حليفه الوثيق السابق، فتح الله غولن، الذي توفي منذ أشهر.

حشد من الأتراك يحتفلون وسط إسطنبول فوق دبابة هجرها ضباط من الجيش بعد محاولة انقلاب فاشلة في 16 يوليو 2016 (غيتي)

مواجهة أخيرة

كانت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، التي نفذتها مجموعة من الجيش، نُسب إليها الانتماء إلى حركة غولن، هي آخر المواجهات التي مكنت إردوغان من إخضاع المؤسسة الحامية للعلمانية في البلاد (الجيش) بعدما تمكن من السيطرة على أجهزة الأمن والقضاء عقب تحقيقات الفساد والرشوة، وقام بتطهيرها من أنصار غولن، الذي كان حليفاً لحزب «العدالة والتنمية» منذ ظهوره.

ووسط هذه المعارك التي مكنت إردوغان وحزبه من السيطرة على جميع مفاصل الدولة وإزالة مشكلة حظر الحجاب من أجندة تركيا، كان الحزب يخوض مسار صعود اقتصادي أزال أثر الأزمة الحادة التي عاشتها البلاد في 2001، وكانت العامل الأساسي في فوزه الكاسح بأول انتخابات يخوضها.

صعود اقتصادي وتقلبات سياسية

استمر الصعود الاقتصادي، وساعد في ذلك اعتماد حزب «العدالة والتنمية» سياسة «صفر مشاكل» مع دول الجوار التي أسس لها وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي تولى لاحقاً رئاسة الحكومة، التي كان لها الفضل في إذابة الجليد في علاقات تركيا مع محيطها في الشرق الأوسط والعالم العربي، فضلاً عن توسيع علاقات تركيا بالشرق والغرب.

ولم تخف توجهات السياسة التركية في هذه الفترة اعتمادها على نظرية «العثمانية الجديدة»، واستعادة مناطق النفوذ، التي انطلقت من نظرية «العمق الاستراتيجي» لـ«داود أوغلو»، وبعدما بدأت تركيا التمدد من الدول العربية إلى أفريقيا اعتماداً على أدوات الدبلوماسية الناعمة والمساعدات الإنسانية وعامل الدين والتاريخ المشترك، جاء ما عرف بـ«الربيع العربي» ليقلب سياسة تركيا إلى التدخل المباشر والخشن عبر أدوار عسكرية امتدت من سوريا وليبيا إلى القرن الأفريقي، وفتحت لها باب التوسع بإقامة القواعد العسكرية في الخارج.

وتسبب انحياز تركيا إلى جماعة «الإخوان المسلمين» وجماعات متشددة، ودعمها في تونس ومصر وسوريا وليبيا، في حصارها في المنطقة، وهو ما حاول سياسيوها تبريره بشعار «العزلة القيمة».

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان... ربع قرن عاصف بالتحولات (غيتي)

بين الكرد والقوميين

جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016 لتضيف مزيداً من التوتر إلى علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين بسبب ما عدّته أوروبا وأميركا، استغلالاً لها في سحق معارضي إردوغان على اختلاف انتماءاتهم وليس أنصار غولن فقط، والتوسع في انتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير عبر الاعتقالات الواسعة، وإغلاق المنصات الإعلامية، وهو ما أدى إلى «دفن» مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، التي كانت مجمدة بالفعل منذ عام 2012.

الحال، أن الانسداد في العلاقات مع أوروبا كان قد تأجج في فترة الانتخابات البرلمانية في تركيا عام 2015 التي شهدت مصادمات مع الكرد، وخسر فيها حزب «العدالة والتنمية» الأغلبية للمرة الأولى في الانتخابات التي أجريت في 7 يونيو (حزيران) من ذلك العام للمرة الأولى في مسيرته، قبل أن يلجأ إردوغان إلى الانتخابات المبكرة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته، ليفوز بها حزبه.

وفي هذه الفترة كان «العدالة والتنمية» أطلق في عام 2013 مبادرة للسلام الداخلي وحل المشكلة الكردية، قبل أن يعلن إردوغان إنهاءها في 2015 قائلاً إنه لا توجد مشكلة كردية في تركيا.

وأثبتت القضية الكردية أنها الورقة التي يلجأ إليها إردوغان في لحظات الضعف التي يمر بها حزبه وتتراجع شعبيته، فقد عاد الحديث في الأسابيع الماضية عن مبادرة جديدة للحل، أطلقها رئيس حزب «الحركة القومية»، الحليف لإردوغان، دولت بهشلي، ودعا من خلالها إلى حوار مباشر مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» المحكوم بالسجن مدى الحياة في تركيا، عبد الله أوجلان، بل دعوته للحديث في البرلمان، والنظر في العفو عنه.

وجاءت هذه الخطوة، كما يرى مراقبون، محاولة من إردوغان لجذب كتلة أصوات الكرد بعد الهزيمة التي تلقاها حزبه في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس (آذار) الماضي، بعدما فاز بصعوبة بالغة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو 2023، والحصول على دعم نواب حزب «الديمقراطية المساواة للشعوب»، المؤيد للكرد لفتح الطريق أمام إردوغان للترشح للرئاسة للمرة الرابعة في انتخابات مبكرة تُجرى قبل عام 2028 بطلب من 360 نائباً، وهو ما لا يملكه «تحالف الشعب»، الذي تأسس مع تحول البلاد إلى النظام الرئاسي عام 2018، ليضم حزب «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، وأحزاب قومية وإسلامية أخرى صغيرة مثل «الوحدة الكبرى»، و«هدى بار».

وتسبب التحالف مع القوميين في انتقال «العدالة والتنمية» من حزب وسطي إصلاحي يخدم الشعب بلا تمييز ويعمل على دفع الاقتصاد والانضمام للاتحاد الأوروبي، إلى حزب يرفع شعارات الفكر القومي والأمة، ويبشر بالعثمانية الجديدة و«الوطن الأزرق» في ظل نظام يصفه معارضوه في الداخل وحلفاؤه في الغرب بأنه يكرس الديكتاتورية وحكم الفرد منذ إقرار النظام الرئاسي من خلال تعديلات دستورية تم الاستفتاء عليها عام 2017.

إردوغان (يمين) ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني في ديار بكر جنوب تركيا نوفمبر 2013 (غيتي)

ألغاز السياسة الخارجية

ربما تكون السياسة الخارجية لتركيا تحت حكم إردوغان و«العدالة والتنمية» هي أكبر الألغاز المحيرة، فبعدما أريد لها الانفتاح وتصفير المشاكل، انتقلت منذ 2011 إلى التدخل في أزمات المنطقة، ثم رفعت شعار «العزلة القيمة»، بعدما حدثت شروخ عميقة في العلاقات مع محيط تركيا الإقليمي من مصر إلى دول الخليج إلى سوريا والعراق، في مرحلة ما، ثم محاولة العودة بعد 10 سنوات ضائعة إلى مسعى «تصفير المشاكل» مرة أخرى.

وهكذا عملت تركيا على إصلاح العلاقات مع دول الخليج ومصر، وعدم التمادي في تدمير العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من إدانتها الصارخة لحربها في غزة ولبنان وهجماتها في سوريا، وصولاً إلى الحوار الإيجابي مع اليونان وأرمينيا.

واتسمت هذه السياسة أيضاً بتبديل غير مستقر للمحاور بين الشرق والغرب، عبر محاولة توظيف ورقة العلاقات مع روسيا والصين وإيران، وتقديم طلب عضوية في مجموعة «بريكس»، والحضور في قمة منظمة شنغهاي للتعاون على المستوى الرئاسي، للضغط من أجل تحريك مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكسر فتور العلاقات مع أميركا.

وشكل التذبذب في العلاقات بين تركيا وروسيا ملمحاً مميزاً، وكذلك مع إيران، لكن بصورة أقل علانية، إلى أن دخلت العلاقات معهما منعطفاً حاداً بسبب التطورات الأخيرة التي أطاحت بحكم بشار الأسد في سوريا، فضلاً عن عدم الرضا من جانب روسيا عن نهج تركيا في التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية.

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة منظمة شنغهاي في سمرقند سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)

هواجس المستقبل

الآن، وبعد نحو ربع قرن ساد فيها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، يبدو أن إردوغان يجد صعوبة كبيرة في تنفيذ وعده لناخبيه عقب فوزه بالرئاسة في مايو 2023 بتأسيس «قرن تركيا».

يواجه إردوغان الآن معارضة عرفت طريقها إلى الشارع بعد أكثر من 22 عاماً من التشتت، وركاماً اقتصادياً أجهض ما تحقق من مكاسب في الحقبة الذهبية لحزبه، الذي أتى بالاقتصاد، والذي قد يرحل بسببه، بعدما بدأ رحلة تراجع منذ تطبيق النظام الرئاسي في 2018، مع صعوبة التغلب على المشاكل الهيكلية، وكسر حلقة التضخم الجامح وغلاء الأسعار وتآكل الدخل.

كما يدخل الحزب عام 2025 مع سؤال كبير وملحّ: «هل يضعف (العدالة والتنمية) أو يتلاشى إذا غابت عنه قيادة إردوغان القوية؟»، ومع هذا السؤال يبدو أن سيناريوهات مقبلة في الطريق لإبقاء الرجل على رأس الحزب والسلطة في تركيا.