«مهرجان ربيع بيروت» في دورته الـ11... أعمال فنية تعرض للمرة الأولى

يفتح أبوابه مجاناً أمام الجميع مع ثلاثة عروض عالمية

مسرحية «الشقف» تتناول معاناة المهاجرين هرباً من القمع والفقر في بلدانهم
مسرحية «الشقف» تتناول معاناة المهاجرين هرباً من القمع والفقر في بلدانهم
TT

«مهرجان ربيع بيروت» في دورته الـ11... أعمال فنية تعرض للمرة الأولى

مسرحية «الشقف» تتناول معاناة المهاجرين هرباً من القمع والفقر في بلدانهم
مسرحية «الشقف» تتناول معاناة المهاجرين هرباً من القمع والفقر في بلدانهم

عروض فنية من المستوى الرفيع بعضها يقدّم لأول مرة على خشبة المسرح تشهدها الدورة الـ11 من «مهرجان ربيع بيروت» الذي تنطلق فعالياته في 9 يونيو (حزيران) المقبل.
هذا الحدث الذي تنظمه مؤسسة سمير قصير يستمر لأيام متتالية فاتحا أبوابه مجانا أمام الجميع. «يتميّز المهرجان هذه السنة بعروض لم يسبق أن تم مشاهدتها في بيروت وحتى في العالم». يقول جاد شحرور المسؤول الإعلامي في المهرجان. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد بذلت مديرة المهرجان رندة الأسمر جهدا مشكورة عليه لتنتقي أعمالا فنية من المستوى الرفيع، بعد أن جالت على عدد من المعارض والمهرجانات الفنية في العالم».
ويؤكد شحرور أن بعض هذه الأعمال يقدم للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، وأن أحدها يرتكز على عرض عصري وحديث ثلاثي الأبعاد ستحتضنه جدران آثارات الحمامات الرومانية في وسط بيروت.
ويفتتح المهرجان في 9 يونيو المقبل مع عرض بريطاني الهوية بعنوان «أنا وكسارة البندق» وذلك على خشبة مسرح المدينة. وتتنوع عروضه على ثلاثة مستويات بحيث تعزف خلاله الموسيقية العالمية ألكسندرا دارسو على البيانو لمدة 50 دقيقة وترافقها على المسرح راقصة باليه. فيما يجري في الوقت نفسه عرض حيوي على شاشة عملاقة لشخصيات من الرسوم المتحركة. فتتفاعل مع اللوحات الموسيقية الراقصة لتتنقل وبتقنية بصرية متطورة بين العازفة وراقصة الباليه. فتغطيهما أحيانا وتمر بينهما أحيانا أخرى لتؤلّف لوحة فنية تجريدية وبصرية مباشرة على الخشبة وهي من أنواع الفنون المنتشرة جدا في الآونة الأخيرة في الأعمال الغربية.
أما العرض الثاني الذي يتضمنه برنامج المهرجان فهو يحمل عنوان «الشقف» (The Raft) ويقدم على مسرح «دوار الشمس» في بيروت في 11 يونيو المقبل. «إنها قصة تدور حول مهاجرين من عدة بلدان وبينها لبنان وتونس وسوريا وبنين الأفريقية وكندا». يوضح جاد شحرور في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط». ويتابع: «لقد جال هذا العرض في بلدان مختلفة كما حصل على نحو 10 جوائز عالمية». وتحكي هذه المسرحية التي يشارك فيها فنانون أجانب وعرب معاناة مهاجرين فينقلون تجربتهم من خلال باخرة كانوا يستقلونها للوصول إلى شاطئ الأمان في أحد البلدان الأوروبية بعيدا عن القمع والفقر في بلادهم. ويخرج هذا العمل كل من التونسية الأصل سيرين غانون والمخرج اللبناني الكندي مجدي بو مطر.
أما العرض الثالث الذي يختتم معه برنامج فعاليات هذا المهرجان ويعد من أبرزها فهو «بيروت حبيبة البحر». ويقدم هذا العمل في موقع آثارات الحمامات الرومانية في بيروت في 14 يونيو المقبل. ويرتكز على تقنية بصرية ثلاثية الأبعاد وهو من إخراج ميلاد طوق بإشراف موسيقي من قبل إيلي براك ومدته نحو 50 دقيقة. «إنه يتضمن مشهدية سينمائية وموسيقية أعدت خصيصا لـ(ست الدنيا) بيروت»، يوضح جاد شحرور ويضيف: «وهو يحكي عن تاريخ بيروت العمراني العريق فيتفاعل بمشاهده ولوحاته مع موسيقى أوركسترالية تعزف مباشرة على خشبة المسرح أغاني لبنانية معروفة وغيرها من المقطوعات المركب عليها أغان جديدة».
ويأتي هذا المهرجان لإحياء ذكرى رحيل الصحافي سمير قصير، الذي أطلقته المؤسسة التي تحمل اسمه في عام 2009. واختارت اسم (مهرجان ربيع بيروت) من عنوان مقالٍ كتبه الصحافي الراحل قبل أيامٍ من اغتياله في يونيو من العام نفسه. وأشارت رئيسة مؤسسة سمير قصير جيزيل الخوري خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في دار النمر الثقافي في بيروت للإعلان عن برنامج المهرجان، إلى وجود مشكلة هذا العام وهو الافتقاد لرعاة للمهرجانات، مما سيساهم في تدني مستوى عروضها وتوقفها نهائيا عن العمل في المستقبل.
وطالبت رجال الأعمال والمصارف بمدّ أيديهم إلى الفنانين كي لا ينتهي الدور الفني والإبداعي للبنان.
ويحمل المهرجان أهدافاً مميزة وطابعاً خاصاً، ليتفاعل معه الجمهور على أكمل وجه. وتدور عروضه حول مفاهيم التلاقي والتنوّع الثقافي، وبخاصّة في مجتمعات تواجه الظلم والنزاعات. يساهم في تعزيز الحياة الثقافية والفنية في لبنان، منطلقاً من إيمان راسخ بأن الفن هو السبيل الأفضل لقبول الآخر. واحتضن هذا الحدث منذ تأسيسه حتى اليوم نحو 35 حفلة، قدّمت كل منها لليلة واحدة في أمكنة متعددة ببيروت.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».