ترمب «فُوجئ» لاستدعاء الكونغرس ابنه

على خلفية التحقيق في «الصلات الروسية»

ترمب يرد على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض أمس (رويترز)
ترمب يرد على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض أمس (رويترز)
TT

ترمب «فُوجئ» لاستدعاء الكونغرس ابنه

ترمب يرد على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض أمس (رويترز)
ترمب يرد على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض أمس (رويترز)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، إنه فوجئ من استدعاء مجلس الشيوخ ابنه البكر، دونالد ترمب جونيور، للاستماع لإفادته بشأن التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مصادر لم تسمّها أنّ لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، تريد الاستماع للمرة الثانية لدونالد ترمب جونيور، في إطار هذا التحقيق الذي انتهى في مارس (آذار)، ولم يخلص إلى أدلّة على حصول تآمر بين موسكو وفريق المرشح الجمهوري خلال حملة الانتخابات الرئاسية.
وهذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الكونغرس صلاحياته لاستدعاء أحد أفراد عائلة ترمب، الذين أدلى بعضهم بمحض إرادتهم بإفاداتهم في إطار هذا التحقيق. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الشيوخ يسيطر عليه الجمهوريون، خلافا لمجلس النواب الذي يشكل فيه الديمقراطيون أغلبية.
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن دونالد ترمب الابن رفض الحضور طوعا إلى مجلس الشيوخ للإدلاء بإفادته أمام لجنة الاستخبارات، وعرض بدلاً من ذلك الردّ على أسئلة اللجنة خطيا وهو الأمر الذي رفضته اللجنة.
وفي تقريره الواقع في نحو 450 صفحة، برأ المدعي الخاص الذي أنهى مهمته روبرت مولر ترمب من الشبهات بالتواطؤ مع موسكو، لكنه تحدث عن ضغوط مارسها الرئيس على التحقيق. وبعدما اعتبر أن التقرير برأه بالكامل، لا يكف ترمب عن إدانة «حملة اضطهاد» مكلفة.
في المقابل، يريد الديمقراطيون المقتنعون بأن الرئيس «عرقل عمل القضاء» مواصلة التحقيق على أساس التقرير الكامل من أجل تحديد ما إذا كانت الوقائع الواردة فيه تبرر بدء إجراءات لعزل دونالد ترمب. وردت وزارة العدل بالقول إن الأمر غير وارد، بينما رفض الديمقراطيون عرضها الاطلاع، في إطار لجنة مصغرة، على نسخة أقل تنقيحا من تلك التي وزعت في 18 أبريل (نيسان)، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وفي مواجهة «تهديد» الديمقراطيين لبيل بار، طلبت الوزارة من دونالد ترمب أن يستخدم صلاحياته الرئاسية لرفض تسليم الوثائق حتى بموجب أمر من الكونغرس. وهذا ما فعله ترمب الأربعاء للمرة الأولى منذ وصوله إلى البيت الأبيض. وقال جيري نادلر رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب، تعليقا على ذلك «إنه هجوم على جوهر ديمقراطيتنا».
لكن الناطقة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز قالت إن «الأميركيين يرون بوضوح أن المناورات اليائسة» للديمقراطيين «تهدف إلى إشغالهم عن النجاحات التاريخية للرئيس».
واعتبر مجلس النواب في تصويته النهائي أن بيل بار عرقل صلاحيات التحقيق، التي يملكها الكونغرس وهذا يؤدي إلى إعداد ملف اتهام.
وسيكون على القضاء بعد ذلك أن يبت في مسألة التحقيق على هذا الأساس.
وبمعزل عن قضية التدخل الروسي، يتواجه البيت الأبيض والمعارضة في حرب مفتوحة على جبهات أخرى في الكونغرس، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى معارك قضائية شرسة. ويطالب الديمقراطيون بالبيانات الضريبية للرئيس ترمب ووثائق أخرى عديدة. لكن الإدارة ترفض ذلك منذ أسابيع، معتبرة أنها طلبات غير مبررة.
وقالت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي إن ترمب يمكن أن يسعى بذلك إلى «استفزاز» الديمقراطيين، لبدء إجراءات عزل لا تلقى شعبية ضده. وتعتمد بيلوسي على حسابات انتخابية دقيقة. فإطلاق هذه الإجراءات مع العلم أن مجلس الشيوخ سيبرئه على الأرجح، يمكن أن يلحق ضررا بالديمقراطيين مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2020. لكن ديمقراطيين آخرين بينهم عدد من المرشحين لانتخابات الرئاسة، يرون أنه بعد تقرير مولر لم يعد لديهم خيار آخر.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟