شاشة الناقد: The House That Jack Built

مات ديلون: «المنزل الذي بناه جاك»
مات ديلون: «المنزل الذي بناه جاك»
TT

شاشة الناقد: The House That Jack Built

مات ديلون: «المنزل الذي بناه جاك»
مات ديلون: «المنزل الذي بناه جاك»

The House That Jack Built
> إخراج: لارش فون ترايير
> دور أول: مات ديلون
> تقييم: (وسط)
بيت من أحلام قاتلة
كأي قاتل متسلسل (Serial Killer) لدى المدعو جاك (مات دامون) دوافعه الخاصة ومبرراته التي تعود إلى أيام الطفولة عندما اصطاد بطة صغيرة وقضم قدمها بمقص ثم راح ينظر إليها وهي تحاول الحفاظ على توازنها في الماء. لكن الحقيقة هي أنه من النادر أن تجد فيلماً من هذا النوع يقوم على استرجاع حكاية أسطورة فوست ورسومات ديلاكروكس الفرنسية و«جحيم دانتي» الإيطالية ومزجها مع مؤثرات أدبية وثقافية وفنية أوروبية كثيرة للخروج بنسخة «مُفكِرة» لحكاية مجرم يربو على عنف داخلي متأصل ويمارس قتل النساء (على الأخص) في ستة فصول.
موقف المخرج الدنماركي لارش ڤون ترايير من المرأة ليس مشهوداً له بالمودة والاحترام، حتى عندما كانت تقود بعض أفلامه السابقة («ضد المسيح»، «نيفومانياك» الخ...). نظرته إليها تبعده عنها مسافات طويلة باردة، وبالتالي تبعدها عنا المقدار نفسه من التعاطف. لكن شخصياته الرجالية لا تتمتع بأي قدر من التعاطف أيضاً.
ڤون ترايير (الذي يضعه البعض في مصاف العباقرة) شخصية باردة تنفذ أفلاماً بلا موقف ذاتي أو حرارة إنسانية. يعرف لغته الفنية جيداً ويمارسها بالقدر ذاته من المعرفة. لكن هذا هو كل شيء (بديع؟) في أفلامه. «المنزل الذي بناه جاك» هو مثال آخر.
إنه الرجل الذي نراه، في الحكاية الأولى، يقتل امرأة كان ينقلها ليساعدها في إيجاد حل لسيارتها المعطلة. عادة ما يقتل عن تخطيط، لكن هذا القتل تم عن انفعال؛ فهي لم تتوقف عن السخرية منه والتساؤل مع إذا كان قاتلاً متسلسلاً. الباقيات من الضحايا يثرن كذلك القدر ذاته من الإزعاج إن لم يكن له مباشرة، فللمشاهد نظراً لتقديمهن كما لو كن يستحققن ما يحدث لهن. وكلهن مختارات بعناية من لا يريد أن يرى جمالاً لا الظاهر منه ولا الخفي.
إذ يبقى جاك في الصورة على الدوام منتقلاً من موقع إلى آخر، فإن الموقع الوحيد الذي يعود إليه هو مخبأه، حيث يتولى تجميد الجثث في برادات ليحولها لاحقاً إلى مواد لبناء المنزل الذي يحلم به. في الحضور كذلك صوت (ولاحقاً صورة) الممثل السويسري الراحل برونو غانز في دور فيرجل الذي يتداول وجاك الجوانب كلها: التاريخ الشخصي، الموازي الفني والوجودي للحالات التي يمر بها جاك مع التطرق إلى محاولة نصف منجزة لفهم دوافع جاك. هنا يوضح فيرجل أكثر من مرة أنه لا يحاكم جاك ولا يحكم له أو عليه، بل يستنطقه ونسمع صوت جاك وهو يجيب عما يطرحه عليه فيرجل من أسئلة.
كون الفيلم من صنع ذهن المخرج كاتباً ومخرجاً، فإن المشاهد له الحق في الخروج بانطباع مفاده أن الدَكانة التي صبغت أعمال ڤون ترايير السابقة أصبحت أكثر دَكانة وإن ليس للمرة الأولى. أفلامه من «ضد المسيح» على الأقل، تتمحور حول تمجيد الموت (مشهد موت الطفل الزاحف لحتفه في ذلك الفيلم) على اعتبار أن الضعفاء يستحقونه... وأحزر من مارس هذا المبدأ سابقاً.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.