سفرة الصائمين في الحرم المكي... مزيج ثقافي وعادات متوارثة

تمتد لأكثر من 5 كيلومترات وأرقام قياسية في رفعها وتنظيفها

أكثر من مليون شخص يتم تهيئة الإفطار لهم خلال دقائق  -  لقطة جوية للحرم المكي حيث تنظم سفرة الصائمين
أكثر من مليون شخص يتم تهيئة الإفطار لهم خلال دقائق - لقطة جوية للحرم المكي حيث تنظم سفرة الصائمين
TT

سفرة الصائمين في الحرم المكي... مزيج ثقافي وعادات متوارثة

أكثر من مليون شخص يتم تهيئة الإفطار لهم خلال دقائق  -  لقطة جوية للحرم المكي حيث تنظم سفرة الصائمين
أكثر من مليون شخص يتم تهيئة الإفطار لهم خلال دقائق - لقطة جوية للحرم المكي حيث تنظم سفرة الصائمين

تسن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، أنظمتها وشروطها الدقيقة للمتطوعين وكذا للمتعهدين في تقديم خدمات الإفطار لزوار المسجد الحرام على وجه الدقة، بتوظيف القدرات البشرية في الاهتمام بكل ثانية قبيل أذان صلاة المغرب وأثنائه وبعده بكل احترافية.
أطوال ومساحات محددة ومناطق جغرافية مرقمة يتحرك فيها القائمون على مشروع إفطار الصائم، وهي معنية بتفاصيل دقيقة لها اشتراطات قائمة بعينها منها الالتزام بأطوال ومواقع السفر وأعداد العمالة وكمية التمور، وقبل ذلك أن تكون الشهادات الصحية للعاملين بارزة وأن يتم ارتداء القفازات الطبية أثناء تقديم الخدمات من قهوة وتمر وماء.
الدقائق التي تصحب الإفطار تكون الملامح، متحلقين حول سفر الإفطار مع اقتراب وقت صلاة المغرب خلال أيام شهر رمضان في ساحات الحرم.
وتعد سفرة الإفطار بالمسجد الحرام من أكبر الموائد عالمياً، من حيث الطول والمستفيدين وتحظى برقابة في الطعام المقدم وتكون هذه السفر تحت شروط معينة حرصاً من الرئاسة على كل ما يقدم لقاصدي البيت الحرام ومحافظة على بيئة المكان ليقدم كل قاصد مناسكه بكل راحة واطمئنان.
وتعتبر سفر رمضان في الحرم المكي وساحاته عادات متوارثة لدى أهالي مكة، جيلاً بعد جيل فهناك من امتدت خدمة ضيافتهم لسفر الحرم المكي عشرات السنين، حيث يتسابق الصغار والكبار لتفطير الصائمين في سفرة جماعية هي الأطول في العالم تحت إشراف إمارة منطقة مكة المكرمة وبتصاريح رسمية لضمان الجودة والاطمئنان على سلامة الزوار والمعتمرين.
وما إن يصدح المؤذنون بأذان المغرب حتى يفتتح الصائمون إفطارهم بالتمر وماء زمزم ليسابق بعدها القائمون على الإفطار الزمن، حيث ترفع السفر في زمن قياسي استعداداً للصلاة.
بدوره قال أحد المتعهدين بمشروع إفطار الصائمين بالمسجد الحرام عبد الرحيم أنديجاني إنه مشروع يعكس القيم الإنسانية الأصيلة للسعوديين واحتفائهم بضيوف وزوار الحرم.
وأضاف أنديجاني أن هذا المشروع يتنافس فيه المتنافسون من أهل الخير ويتغير المكان في كل عام، مشيراً إلى أنه في عادات أسرية متوارثة يقوم في كل عام بإحضار وجبات الإفطار وتقديمها للزوار والمعتمرين.
وأهاب أنديجاني بالإجراءات التي تقدمها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، مفيداً أنها ساهمت في عملية التنظيم وقدمت المشروع بشكل حضاري يعكس مكانة السعودية.
ويتنافس المتطوعون في توفير وجبات الإفطار للصائمين والقادمين من جميع أنحاء العالم يجمعهم دين واحد وسفرة واحدة في أجواء إيمانية وروحانية وسط هدوء وطمأنينة، وسط منظومة خدمات حكومية متكاملة وفرتها الدولة، والمعنية بخدمة المعتمرين وزوار البيت العتيق.
ويتجاوز طول سفرة الحرم المكي أكثر من أربعة كيلومترات تحوي وجبات متنوعة وفرق مداني موزعة داخل الحرم وساحاته في همة يظهر عليها روح العطاء والبذل دون مقابل، وسط ابتسامات يملأها المكان احتفاء بشرف البيت والمكانة.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
TT

المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)

حافظ السعوديون على مظاهر عيد الفطر السعيد التي كانت سائدة في الماضي، كما حرص المقيمون في البلاد من المسلمين على الاحتفال بهذه المناسبة السنوية وفق عاداتهم وتقاليدهم في بلدانهم، أو مشاركة السكان في احتفالاتهم بهذه المناسبة السنوية، علماً بأن السعودية تحتضن مقيمين من نحو 100 جنسية مختلفة.
ويستعد السكان لهذه المناسبة قبل أيام من حلول عيد الفطر، من خلال تجهيز «زكاة الفطر»، وهي شعيرة يستحب استخراجها قبل حلول العيد بيوم أو يومين، ويتم ذلك بشرائها مباشرة من محال بيع المواد الغذائية أو الباعة الجائلين، الذين ينتشرون في الأسواق أو على الطرقات ويفترشون الأرض أمام أكياس معبئة من الحبوب من قوت البلد بمقياس الصاع النبوي، والذي كان لا يتعدى القمح والزبيب، ولكن في العصر الحالي دخل الأرز كقوت وحيد لاستخراج الزكاة.
وفي كل عام يتكرر المشهد السائد ذاته منذ عقود في الاحتفال بعيد الفطر السعيد ومع حلوله اليوم في السعودية تستعيد ذاكرة السكان، وخصوصاً من كبار السن ذكريات عن هذه الفرائحية السنوية أيام زمان، وفق استعدادات ومتطلبات خاصة وبعض المظاهر الاحتفالية التي تسبق المناسبة.

السعوديون يحرصون على الإفطار الجماعي يوم العيد (أرشيفية - واس)

وحافظت بعض المدن والمحافظات والقرى والهجر في السعودية على مظاهر العيد التي كانت سائدة في الماضي؛ إذ حرص السكان على إبقاء هذه المظاهر ومحاولة توريثها للأبناء. ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي، وتمثلت هذه المظاهر في تخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بُعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد، ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والأكلات الشعبية الأخرى المصنوعة من القمح المحلي، وأبرزها الجريش والمرقوق والمطازيز، علماً بأن ربات البيوت يحرصن على التنسيق فيما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.
ويحرص السكان على المشاركة في احتفالية العيد التي تبدأ بتناول إفطار العيد في ساعة مبكرة بعد أن يؤدي سكان الحي صلاة العيد في المسجد يتوجه السكان إلى المكان المخصص للإفطار، الذي يفرش عادة بالسجاد (الزوالي) مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية، كما تقيم إمارات المناطق والمحافظات إفطاراً في مقراتها في ساعة مبكرة من الصباح يشارك بها السكان من مواطنين ومقيمين.

الأطفال أكثر فرحاً بحلول العيد (أرشيفية - واس)

وبعد انتهاء إفطار العيد يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم، فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيّم الهدوء على المنازل، ويحرص المشاركون في الإفطار على تذوق جميع الأطباق التي غالباً ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحياناً القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصاً في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.
وفي الوقت الذي اختفت فيه بعض مظاهر العيد القديمة عادت هذه الأجواء التي تسبق يوم عيد الفطر المبارك بيوم أو يومين للظهور مجدداً في بعض المدن والقرى بعد أن اختفت منذ خمسة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرحية المعروفة باسم العيدية، التي تحمل مسميات مختلفة في مناطق السعودية، منها «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» أو «القرقيعان» في المنطقة الشرقية ودول الخليج، كما تم إحياء هذا التراث الذي اندثر منذ سنوات الطفرة وانتقال السكان من منازلهم الطينية إلى منازل حديثة، وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد. يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عقود عدة تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصاً القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب، وحلّت محلها هدايا كألعاب الأطفال أو أجهزة الهاتف المحمول أو النقود.