متحف جديد للجاسوسية في واشنطن يطمح لجذب السياح

عروض تفاعلية تمنح الزائر فرصة اختبار مهاراته في التجسس

مبنى متحف الجاسوسية الدولي بواشنطن الذي وصلت تكلفته إلى 162 مليون دولار (نيويورك تايمز)
مبنى متحف الجاسوسية الدولي بواشنطن الذي وصلت تكلفته إلى 162 مليون دولار (نيويورك تايمز)
TT

متحف جديد للجاسوسية في واشنطن يطمح لجذب السياح

مبنى متحف الجاسوسية الدولي بواشنطن الذي وصلت تكلفته إلى 162 مليون دولار (نيويورك تايمز)
مبنى متحف الجاسوسية الدولي بواشنطن الذي وصلت تكلفته إلى 162 مليون دولار (نيويورك تايمز)

تعد مهنة الاستخبارات عبر التاريخ والثقافة الأميركية من الملفات المفعمة بالأوراق المختلطة. فلقد كانت في خدمة المؤامرات، والعبقرية، والبطولة، والعمليات السرية الذكية، والأدوات المبهرة للعقول، الأمر الذي يجعلها من محاور الترفيه ذات الشعبية الكبيرة. ومع ذلك، فمهنة الجاسوسية لها جانبها المظلم القاتم: فهي عرضة دوماً للفشل الذريع القاسي والعثرات الأخلاقية الكثيرة، فضلاً عن الفضائح الكبيرة التي هزت مختلف وكالات الاستخبارات في السنوات الأخيرة التي تنطوي على وقائع التعذيب الوحشي وعمليات المراقبة السرية.
ولنتصور شخصية جيمس بوند وجايسون بورن في مواجهة التعذيب بالإيهام بالغرق وأوامر التنصت من دون رقابة.
والتحدي الذي يضطلع به «متحف الجاسوسية الدولي» الجديد، المقرر افتتاحه الأحد المقبل في مبنى مميز من الصلب والزجاج بالقرب من «ناشيونال مول»، يكمن في جمع كل تلك الموضوعات المختلفة والمتباينة تحت سقف واحد. كان على أمناء المتحف أن يضعوا في اعتبارهم زيارة الأطفال من أبناء 8 سنوات فقط، وكذلك كبار السن من المتقاعدين المتجهمين، والسائحين الذين يتلقون مفهومهم الخاص عن عالم الاستخبارات من فيلم «الجاسوس الذي أحبني» لشخصية جيمس بوند، فضلاً عن الزيارات النقدية لأعضاء مجتمع الاستخبارات الأميركية من وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي، وكل الزوايا المظلمة لأسرار أمن الدولة. وعلى وجه الإجمال، فإن المتحف الجديد، الذي بلغت تكلفة إنشائه 162 مليون دولار من التبرعات الخاصة وسندات البلدية، يضطلع فعلاً بوظيفة رائعة. فهو يحمل صبغة أكثر في جديتها وواقعيتها من «متحف التجسس» الأصلي، الواقع على مسافة ميل واحد وتأسس على أيدي الشخص نفسه الذي غطى بأمواله معظم تكاليف المتحف الجديد، وهو ميلتون مالتز، رجل الأعمال الرائدة في الإذاعة والتلفزيون. وأثناء عمله في الفترة بين عامي 2002 وحتى 2018، حاز المتحف القديم على شعبية كبيرة، وتحول إلى ما يشبه التجمع المركزي للمؤلفين، والمتحدثين حول شؤون التجسس، ولكن بعض المعروضات كانت عادية وربما سطحية.
أما معروضات المتحف الجديد فإنها تستخدم كل خدعة تكنولوجية ممكنة في مجال المتاحف الحديثة للتفاعل المباشر مع الزائرين. وهي مصممة أيضاً لإبراز الموضوعات المعقدة بطريقة تجذب وتشجع التفكير النقدي والمناقشة على نحو مدروس. والمتحف الجديد غني بالقطع الأثرية والفنية التاريخية، والاختبارات التفاعلية، والأفلام القصيرة الأصلية.
وما يثير الإعجاب، أن «متحف الجاسوسية الدولي» الجديد يعبر عن أكثر الحلقات إيلاماً وحزناً في تاريخ التجسس الأميركي الحديث. فهناك غرفة مخصصة بالكامل لعرض أساليب الاستجواب والتعذيب الحديثة وبعض من ملامحها التاريخية (جورج واشنطن اتخذ موقفاً صلباً من إساءة معاملة الأسرى البريطانيين)، والعرض الفعلي للإيهام بالغرق، وسيلة التعذيب سيئة السمعة التي استخدمت لدى محاكم التفتيش، ولدى نظام «بول بوت» في كامبوديا، وبواسطة ضباط الاستخبارات الأميركية ضد الإرهابيين المشتبه بهم من أعضاء تنظيم القاعدة بين عامي 2002 و2003. ومن خلال مقاطع الفيديو المصاحبة، يدافع اثنان من مهندسي «أساليب الاستجواب المحسنة» لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عن تلك الأساليب ويصفونها بالضرورية والفعالة، في حين يرفضها محامٍ عسكري، ومدرب بالقوات البحرية الأميركية وغيرهما، ويصفانها بأنها عديمة الفائدة وتعتدي بشكل فج وصارخ على القيم الأميركية المتحضرة.
وفي غرفة أخرى، مخصصة للسرية والانفتاح، كان توماس دريك من بين المتحدثين في لقطات سريعة، وهو الضابط السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية الذي حوكم لأجل تسريبه معلومات بشأن أحد برامج الوكالة الفاشلة. وكذلك بن ويزنر، المحامي الأميركي المختص في الحريات المدنية الذي يعتبر المستشار الخاص لإدوارد سنودن، المقاول الأميركي الأسبق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية، الذي أفصح للصحافيين عن مئات الآلاف من الوثائق السرية. وهناك آراء معروضة لكبار مسؤولي الاستخبارات، غير أنهم لا يهيمنون على المناقشات. ويلقي المتحف نظرة صريحة كذلك على إخفاقات أجهزة الاستخبارات، ويفسر التقديرات الخاطئة ذات الآثار الكارثية بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق، ويقارن بين الهجوم على ميناء بيرل هاربور وهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بطريقة واعية مستنيرة. وهناك مجموعة مريعة من الغرف التي تصور برلين الشرقية باعتبارها مجتمعاً خاضعاً للمراقبة والرصد خارجاً عن السيطرة.
تقول آنا سلافر، نائبة رئيس المتحف لشؤون المعروضات والبرامج: «نغطي هنا الجانب المظلم. ففي المتحف القديم، لم نكن نتصدى لما يثير الجدل. بل كان متحفاً خفيفاً. وباعتبار الجدال الشرس والمآزق الأخلاقية التي خرجت إلى الملأ منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فإن مثل تلك المقاربة اللطيفة إلى عالم الجاسوسية والاستخبارات لم يعد يمكن الدفاع عنها».
وبطبيعة الحال، إذا كان المتحف القديم خفيف المحتوى والطرح، فإن المتحف الجديد ليس ثقيلاً بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. هناك المئات من الأدوات من مجموعة قطع الجاسوسية الفنية غير المسبوق عرضها والمملوكة إلى كيث ميلتون، المؤرخ الأسبق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الذي تبرع بمجموعته الخاصة لصالح المتحف. وهناك كاميرا سوفياتية مخبأة في صندوق نظارات، ورسالة ميكروفيلمية مصغرة من ألمانيا الشرقية مخبأة في تجويف ضرس بشري، وسترة امرأة حامل مزيفة مخصصة للجاسوسات من عميلات الاستخبارات الأميركية. ويمكن للزائر الانتقال بين مختلف منازل التجسس في الثقافات الشعبية، غير أن القصص الخيالية ليس لها مكان بين أروقة المتحف.
يقول ألكسيس ألبيون، كبير أمناء المتحف، الذي كان من أعضاء لجنة التحقيقات في هجمات الحادي عشر من سبتمبر ومن موظفي وزارة الخارجية الأميركية السابقين، أنه بعد التشاور مع مجلس المؤرخين قبل نحو 5 سنوات، قرر المصممون تلاوة قصص أقل عن عالم الجاسوسية ولكن بعمق أكبر.
وأردف ألبيون يقول: «لا ينبغي أن تكون متحذلقاً، ولكنك تريد من الناس أن يفهموا ما الذي يدور بشأن هذا العمل. والناس يعتقدون أن الجاسوسية عمل مثير وممتع ومفعم بالمرح. ولكنه ينتهي نهاية مفجعة في بعض الأحيان. ودائماً ما نعتقد أنه من الرائع فعلاً أن يخرج الناس من المتحف وهم يقولون: كلا، لا أستطيع فعل ذلك أبداً».
واتساقاً مع لفظة «الدولي» الملحقة باسم المتحف، فإنه يسعى إلى التوسع لما وراء الخبرات الاستخبارية الأميركية والبريطانية. ومن بين الجواسيس المذكورة قصصهم بالتفصيل هناك جواسيس من الصين، وروسيا، وإسرائيل. ويحكي الجهادي الدانماركي السابق، مورتن ستورم، حكايته المرعبة حال اختراقه صفوف تنظيم القاعدة في اليمن.
هناك بعض الأفلام التي أنتجت بشأن أعمال التحليل الاستخباري. ولكن المتحف تمكن من طرح هذا الأمر بشكل حيوي وواضح في الحياة مع عرض مميز للألغاز المحيرة التي يواجهها المحللون في الاستخبارات الأميركية في نهاية مطاردة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن: هل كان الرجل الذي يختبئ خلف أسوار ذلك المنزل في أبوت آباد بباكستان هو زعيم القاعدة حقاً؟ أم كان منزلاً يضم أحد كبار المجرمين، أم مهرباً للمخدرات، أم رجل أعمال منعزلاً؟ ويشاهد الزوار مايكل موريل، النائب الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية يعرض الحقائق المعروفة عبر شريط للفيديو. وهناك نموذج للمنزل في أبوت آباد يوضح القرائن والأدلة: الشرفة المحاطة بالأسوار العالية، والقمامة التي تُحرق بدلاً من إخراجها من المنزل كما هو معتاد، والرجل الطويل الذي يظهر بين الفينة والأخرى في فناء المنزل.
وفي محطة أخرى، يتسنى للهواة تقييم مواقع التواصل الاجتماعي لإرهابي مشتبه فيه، ويجربون حظهم في مواجهة التحديات اليومية لمكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية: هل الشخصية مجرد رجل حالم وثرثار؟ أم هو فعلاً يشكل تهديداً عنيفاً؟
وفيما يزيد على 20 عرضاً تفاعلياً، يمكن لكل زائر، يحمل بطاقة هوية إلكترونية، اختبار مهاراته في مهنة الجاسوسية. وفي نهاية الجولة - التي تستغرق نحو ساعتين ونصف الساعة - يحصل الزوار على ما يشبه بطاقة التقرير بشأن قدرتهم على العمل في مختلف التخصصات الاستخبارية. ويمكنهم المتابعة عبر الموقع الإلكتروني لمزيد من المعلومات المفصلة لاحقاً.
بعض الناس سوف يعتبرون المتحف مريعاً في حين أن أناساً آخرين سوف يعتبرونه لطيفاً. والمتحف، الواقع في منتصف المسافة بين «ناشيونال مول» والواجهة البحرية لواشنطن، يسعى لخدمة كل الزائرين، محاولاً أن ينال سمعته كوجهة سياحية أساسية لآلاف الزائرين من السياح الذين يفدون إلى العاصمة الأميركية في كل عام. وفي حين أن المتحف هو منظمة غير هادفة للربح، فإن الزيارة إليه مكلفة بالنسبة إلى المتاحف الجديدة الأخرى، إذ يبلغ سعر التذكرة الواحدة 24.95 دولار للبالغين (مع خصم دولارين للحجز عبر الإنترنت)، مع خصومات أخرى لكبار السن، والعسكريين، والأطفال.
كتب آلان دبليو دالاس، أطول مديري وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بالخدمة، يقول بعد تقاعده عن العمل في كتابه لعام 1963: «يعد عالم الاستخبارات أقل المجالات فهماً على العامة وأكثر المهن ذات الصورة المشوهة لدى الجميع». وفي واقع الأمر، بعد وفاة دالاس منذ عدة سنوات، في منتصف سبعينات القرن الماضي، ساعدت لجنة تشيرش بمجلس الشيوخ الأميركي الرأي العام على تفهم بعض ما جرى على أيدي الوكالة في عهد دالاس – حفنة من خطط الاغتيال، وتجارب المخدرات، والتجسس الداخلي.
ومن شأن «متحف الجاسوسية الدولي» الجديد أن يمنح الزائرين والسياح بضع ساعات مفعمة بالإثارة والمتعة والروعة، ولكنه سوف يساعد المواطنين الأميركيين كذلك على فهم ما تضطلع الأجهزة السرية بعمله باسمهم وبأموالهم.

- خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».