أفلام اليوم: ممثل يبحث عن حب

مشهد من فيلم «حكايات» الإيراني
مشهد من فيلم «حكايات» الإيراني
TT

أفلام اليوم: ممثل يبحث عن حب

مشهد من فيلم «حكايات» الإيراني
مشهد من فيلم «حكايات» الإيراني

* الفيلم: «الإذلال» (The Humbling)
إخراج: باري ليفنسون
تمثيل: آل باتشينو، غريتا غرويك، دايان وايست، تشارلز غرودين.
تقييم الناقد: (* 3)
يبدأ «الإذلال» مثل بداية «بيردمان»: الممثل يناجي نفسه. لكن في حين أن المناجي في فيلم أليخاندرو غونزاليس إيناريتو هو الصوت الآتي تعبيرا عن ماضي الممثل، فإنه هنا تعبير عن صوته في الحاضر وهو يلقي نظرة على الماضي. في كليهما يحث صاحبه أن ينفض عنه الأمس ويقدم على الالتحاق بالحاضر، وأن يغض عن الفن ويخطو في العصرنة التجارية. النظر إلى المسيرة المتألّقة كوضع غير قابل للعيش أبدا والطلب من صاحب الصوت أن يصوغ نفسه كشخص جديد غير متمسّك بماضيه متشابه وإن اختلفت النوتات الموسيقية بين وضع وآخر.
في الحقيقة من المهم إلى حد كبير أن كلا الفيلمين يتناول الموضوع العريض ذاته، لكن كل بحكاية مختلفة. فيلم «الإذلال» مأخوذ عن رواية لفيليب روث. في مطلع الفيلم يوزع المخرج صورة ممثله الأول باتشينو على مرايتين وأصل واحد. الكاميرا من مرآة سفلية ثم ترتفع لمرآة تواجه سايمون أكسلر (باتشينو) ثم حركة «بان» قصيرة للوجه الأصلي وهو يتحدّث لنفسه. خلال الحديث يبدو منشغلا في تعريف التمثيل لنفسه وكيف يحضّر له. ثم إذ ينطلق إلى منصّة المسرح بعد ذلك يبدأ في لعب الدور. هنا يقع أمر لافت آخر: يلقي بنفسه من حافة المنصّة إلى أرض الصالة، وكان مايكل كيتون شهر مسدّسا حقيقيا وأطلق النار وأصاب أنفه خلال لعب دوره في المسرحية، ولو أن هذا المشهد جاء في النهاية وليس في البداية.
بالنسبة لسايمون فإن هذا الفعل كان إشارة لقراره وقف التمثيل، عندما دخلت باغين (غرويك) حياته. كان على علاقة غرامية بأمها (دايان وايست) قبل عقدين من السنين. الآن ها هي ابنتها تبوح له بأشكال شتّى بأنها تتمنّى العيش معه. لكنها ليست امرأة من دون مشكلة: إنها مثلية ولو أنها تبحث عن بديل مستقيم. التباعد الشديد من ناحية العمر بين الاثنين ليس مشكلة لديها. سايمون سيحاول مطارحتها الغرام لكنه سيفشل. وهذا كله في الوقت الذي تلاحقه فيه مريضة نفسية اسمها سيبيل (نينا أرياندا) طالبة منه قتل زوجها ومتمسّكة باختيارها له لتنفيذ الجريمة لأنه «ممثل».
يبدأ الفيلم من مستوى عال. لباري ليفنسون حب السرد الناعم والواضح، لكن ذلك لا يعني أنه فيلم سهل البلوغ أو سريع التفاعل مع الجمهور. في الحقيقة بعد نصف ساعة نجد الفيلم وهو مضطر لتكرار بعض ما جسّده من قبل من معطيات. لكن إذا ما كان منتصف الفيلم منخفضا دراميا، وملكية المخرج لما يود تقديمه تتأثر بميلودرامية المواقف، فإن الفيلم يعاود الوقوف على قدميه سريعا من بعد عندما يقبل الممثل العودة إلى المسرح لتمثيل شخصية الملك لير في اقتباس عصري. ما يحدث على المسرح مهم لأنه متّصل بما حدث في حياته وما آلت إليه تلك العلاقة غير المكتملة مع امرأة شابّة ما زالت في حال نزاع بين رغباتها. سايمون أراد أن يصنع منها امرأة كاملة (حسب قوله) وما إن نجح قليلا حتى فقدت توازنها وتمنّعت. لكن تمنّعها وخروجها من حياته عصف به أيضا وجعله في النهاية يفكر في أن يكون «الملك لير» آخر أنفاسه.
.. وباتشينو عاشقا

* الفيلم: «مانغلهورن» (Manglehorn)
إخراج: ديفيد غوردون غرين
تمثيل: آل باتشينو، هولي هنتر، هارموني كورين.
تقييم: (* 3)
آل باتشينو هنا لا يختلف عن باتشينو في الفيلم أعلاه. ليس فقط من حيث الملامح التي لا تتغير طبعا، ولا حتى بالنسبة لرونق عمله وعملقة تجربته، بل أيضا لناحية تمثيل شخصية تقف عند ذلك المفترق القاسي بين الأمس واليوم ومن دون مستقبل.
إنه مانغلهورن: يملك محل صنع مفاتيح. كان متزوجا من امرأة لا يحبها وأنجب منها ابنه جاكوب (كريس ماسينا) الذي ما إن نضج حتى بدأ العمل مضاربا في البورصة. لكن مانغلهورن لا يعيش في يومه الحاضر إلا من حيث الوجود البدني. في الواقع يكره الحاضر ويكره الناس المحيطين به. لقد سطا الأمس عليه كما سطا عليه في «الإذلال» ولو لسبب مختلف: كان يحب امرأة اسمها كلارا وخسرها لخطأ يذكره عابرا ولا يتحدث فيه. يكرر أن كلارا كانت الفرصة التي بحث عنها وحين وجدها أخفق في احتوائها. خسرها وهو لا يزال يعاني من وطأة تلك الخسارة. هولي هنتر تلعب دور موظّفة المصرف المستعدة للعب دور الحبيبة فهي معجبة به، لكن مانغلهورن متمسّك بكلارا التي لم يعد هناك وجود لها والتي يرسل لها يوميا الخطابات ويوميا ما تعاد إليه فيخرجها من صندوق البريد ويضمّها إلى عشرات الرسائل في غرفة صغيرة.
«مانغلهورن» ليس فيلم متساويا في توزيع أحداثه ولا في ترميم غاياته. هناك حكاية ليست مهمّة إلا من حيث أن المراد منها لا يتحقق. وهي حكاية حبّه لقطة ابتلعت مفتاحا. واللقاء بينه وبين موظّفة المصرف كان يمكن له ألا يقع. رجل مثله كان سيرغب في تجنّبه لأنه لا يريد التملّص من ماضيه والوقوف على مشارف علاقة جديدة. قيام المخرج بتصوير اللقاء دافئا في البداية ثم باردا وقاسيا في النهاية يطيح بقيمته. إلى ذلك، علاقته مع ابنه لا تحمل الكلمات الصحيحة للتعبير عنها. كلاهما يتحدّث على خط مختلف، لكن إذا ما كان هذا مقصودا فإن القليل من النجاح تحقق على صعيد منطقيّة العلاقة أو صدقها. وحين يخطو مانغلهورن ليخرج من الماضي ساعيا للعيش في الحاضر قبل نهاية الأوان فإن ذلك لا يتواكب جيدا مع كل المعطيات السابقة.
ما هو جيّد في هذا هو العنصر البصري. اختيارات المخرج من المشاهد الرمزية وطريقته في المزج بين اللقطات لخلق حالة وجدانية لا بأس بها. لكن هذا يتحوّل إلى تفاصيل للأسف، لأن المخرج يأتي بما يحتاجه من أحداث يملأ بها الفيلم من دون أن تكون لديه قصّة كاملة. من دونها لا يثير الفيلم ما يكفي من الفضول ولو أنه في الوقت ذاته لا يسقط في أي ملل أو ركاكة.

* المجتمع الإيراني على دواليب
الفيلم: «حكايات» Tales
إخراج: رخشان بني اعتماد
تمثيل: فاطمة معتمد، بيمان معادي، باران كوشاري، فرهد أصلاني.
تقييم: (* 3)
لا علم لهذا الناقد بالسبب الذي من أجله رأينا ولا نزال هوس المخرجين الإيرانيين بالتصوير داخل السيارات والباصات. من «البالون الأحمر» إلى «الدائرة» ومن «خمسة» إلى هذا الفيلم، مرورا بأعمال كثيرة أخرى، يقوم المخرجون بالتصوير في داخل سيارة (وغالبا هي تاكسي) أو في داخل حافلة (قد تكون حافلة للأجرة أيضا).
في فيلم الممثلة والمخرج رخشان بني اعتماد «حكايات» عدّة، قصص ثلاث منها تقع فوق العجلات الأربع، بما في ذلك الحكايتان الأولى والأخيرة. هل لأن التصوير تحت سقف المركبة هو بمثابة وضع داخلي يمكن البوح به على نحو آمن، أكثر من التصوير في الشوارع؟ ربما. الفيلم المذكور تم تصويره على مراحل تفاديا للفت نظر النظام الإيراني ثم تم تجميع هذه الحكايات تحت مظلّة واحدة. كل حكاية تكشف عن جوانب اجتماعية قد يعتبرها النظام مسيئة (حكايات عن النساء اللواتي يعانين من اغتصاب حقوقهن والرجال العنيفين والفساد الإداري الذي يطال الجنسين)، لكن الفيلم في نهاية أمره ليس منتقدا لدرجة المعاداة. والفيلم لم يمر بفلتر العلاقات الخاصة بين السينمائية بني اعتماد والمهرجان الدولي، بل سمحت به الدولة.
التصفيق الكبير الذي حصده الفيلم في نهايته (لخمس دقائق) هو تحية أوروبية لامرأة عرفت بأعمالها المؤيدة لحقوق المرأة والتي تسرد هنا، بين الحكايات، بعض تلك القصص التي تكشف عن هذا الضغط الذي تعيشه المرأة هناك. مهما يكن، حقيقة أن الفيلم خرج برضا النظام يدل على قدر من الحرية الآنية التي يبدو أن السُلطة في ذلك البلد بدأت توفّرها.
ذلك التصفيق ربما كان عاطفيا بدوره. الأوروبيون لا يجدون إشكالا في الإعجاب بأفلام تدور داخل السيارات مهما تشابهت، ولا بأفلام تتألف سيناريوهاتها من سطور حوار لا تنتهي. هناك أداء طبيعي جيد من قبل الجميع والحكايات تنسج من بعضها البعض. شخصيات من كل حكاية تدلف إلى الحكاية الأخرى. فالأم في الحكاية الأولى (غولاب أدينه) التي نرى فيها ابنها (حبيب رضائي) يلتقي، خلال عمله كسائق تاكسي، بالجارة المختفية (مهرافا شريفينيا) وقد تحوّلت إلى عاهرة، لديها مشكلة إدارية تبدأ في الحكاية الرابعة عندما يواجه موظف أمضى ثلاثين سنة من العمل مديرا فاسدا يمضي الوقت في الحديث مع زوجته حول ما أعدته من طعام ويرفض أن يمنحه الوقت والاهتمام الذي يطلبه لعرض حالته. بعد عرض المزيد من الحكايات بشخصيات تنتقل هنا وهناك (لتشكل النسيج الاجتماعي بمراميه النقدية) نصل إلى الحكاية الأخيرة التي تدور في حافلة بين السائق وموظفة في جمعية تنقل مريضة لمنزلها.
كل ما يمت للمواضيع المطروحة كان يمكن تلخيصه بكلمات أقل، وبصور أكثر. المفقود هو نسيج فني وجدناه مفقودا أيضا في فيلم محسن مخملباف «الرئيس»، ولو أن الموضوع هناك لم يفتقد إلى التنويع البصري بل إلى التوليف الأجدى.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».