بعد انهيار أسعاره في القارة الآسيوية، تشهد القارة الأوروبية تدفقاً لدفعات هائلة من الغاز الطبيعي المسال، التي وصفها الخبراء الألمان في العاصمة برلين بأنها «تسونامي» بكل معنى الكلمة، ويبدو أن أوروبا أضحت الوجهة المفضلة لكافة منتجي الغاز حول العالم، وهو ما عزز من فوائض الطاقة في القارة.
وتقول الخبيرة الألمانية في شؤون الطاقة، فيكتوريا فاغنر، إن كميات الغاز المتوافرة في أوروبا سجلت فائضاً لا سابق له. ومن جرّاء أسعاره المغرية المتدنية عمد المشغلون إلى شراء هذا الفائض واستخدامه، بدلاً من الاعتماد على احتياطي الغاز لديهم. وبهذا أصبح مخزون الغاز في عدة دول أوروبية، ومن ضمنها ألمانيا، مليئاً بنسبة 40 إلى 50 في المائة مع بداية فصل الربيع. ووصلت نسبة الملء إلى 60 في المائة بإسبانيا، المعروفة بقدرتها الضخمة في أنشطة إعادة تحويل الغاز.
وتضيف هذه الخبيرة أن استهلاك الغاز الطبيعي المسال في القارة الأوروبية تضاعف هذا العام. فألمانيا مع إيطاليا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا والبرتغال وبولندا، استهلكت أكثر من 20 مليار متر مكعب منه، وهذا ارتفاع بنسبة 110 في المائة قياساً إلى عام 2018، وزيادة بنسبة 123 في المائة مقارنة بمعدل استهلاك الغاز الأوروبي في الأعوام الخمسة الأخيرة. وللآن لا تلوح في الأفق أي نية في تخفيف حركة الاستهلاك.
وتختم الخبيرة فاغنر بالقول: «من الطبيعي جداً أن تشهد أسعار الغاز بألمانيا تراجعاً تجاوز 10 في المائة، بسبب التدفق الغزير للغاز إلى أوروبا. وفي الوقت الحاضر تختار حكومة برلين الاحتفاظ بمخزون الغاز القديم واستعمال كميات جديدة منه. ومن غير المستبعد أن تصل صادرات الغاز المسال من مصر أيضاً. فبعد عدة أعوام من الاعتماد على الخارج عاد حقل الغاز (ظهر) إلى تصدير الغاز. وستضاف كميات الغاز المصري إلى تلك التي تتدفق إلى أوروبا من كافة دول العالم. لذا ستبقى أسعار الغاز متدنية، وعلى ما هي الحال عليه اليوم حتى منتصف العام القادم على الأقل، حسب التقديرات الألمانية».
في سياق متصل، يقول الخبير الألماني ماتياس ماير، في مصرف «دويتشه بنك» بمدينة فرانكفورت، إن تدهور أسعار الغاز قد يحض بعض المنتجين على مراجعة حساباتهم. فالفجوة بين أسعاره في القارة الأوروبية وأسعاره في الولايات المتحدة شاسعة. علماً بأن المشغلين الأميركيين يلهثون حالياً لتغطية تكاليف عملهم.
ويضيف أن فائض الغاز الطبيعي لن يتوقف عن النمو. وعلى الصعيد العالمي توطدت قدرة منشآت إنتاج الغاز 9 في المائة، لترسو عند 319 مليون طن سنوياً، مما يعادل 434 مليار متر مكعب من الغاز. وسيضاف إلى هذه الكمية 35 مليون طن هذا العام. وستنتج نصفها منشآت أميركية. أما القدرة الإنتاجية في العام القادم فستكون نحو 354 مليون طن سنوياً.
ولا تشارك الولايات المتحدة وحدها في السباق لتجهيز أوروبا بالغاز. فأستراليا وقطر وكندا وموزمبيق تتشارك معها في هذا السباق. وتتمتع روسيا بدور رائد في تجهيزات الغاز، فبفضل محطتها «يامال» أصبحت روسيا المورد الأول للغاز بأوروبا، مع ما مجموعه 1.4 مليون طن من الغاز المصدّر، منذ شهر فبراير (شباط) الفائت وحتى اليوم، أي ضعف صادرات الغاز الأميركي إلى أوروبا لهذه الفترة. مع ذلك تعاني موسكو من بعض الصعوبات فيما يتعلق بمبيعات «غازبروم» المتراجعة، فالتعاقد معها لم يعد مناسباً لبعض الدول كما في السابق. ففي الفترة الممتدة بين شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير من هذا العام، تراجعت صادرات «غازبروم» إلى أوروبا وتركيا 4.2 في المائة، لترسو على 450 مليون متر مكعب يومياً.
«تسونامي» من الغاز الطبيعي يتدفق إلى أوروبا
«تسونامي» من الغاز الطبيعي يتدفق إلى أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة