إصرار مرضى السّكري على الصّيام لغز يحيّر أطباء العالم

جهاز فحص مستوى السّكر في الدّم
جهاز فحص مستوى السّكر في الدّم
TT

إصرار مرضى السّكري على الصّيام لغز يحيّر أطباء العالم

جهاز فحص مستوى السّكر في الدّم
جهاز فحص مستوى السّكر في الدّم

رغم أنّ مرضى السّكري من النوع الثاني، خصوصاً الحالات الخطيرة منهم، يحملون رخصة الإفطار خلال شهر رمضان، فإنّ غالبيتهم يصرّ على الصّيام، الأمر الذي أصاب الأطباء حول العالم بحيرة تباينت ردود أفعالهم تجاهها، حيث حرص أطباء من أميركا على معرفة الأسباب التي تدفع المرضى لذلك، وأوردوها في دراسة نشرت في يناير (كانون الثاني) الماضي، وتكرّرت الأسباب ذاتها في تقرير أعدته جامعة غرب سيدني قبل بداية الشّهر ونشر في 3 مايو (أيار) الحالي، وخلص التقرير إلى ضرورة احترام رغبات المرضى، مع تقديم النّصيحة الطبية التي تساعدهم في الصّيام الآمن، أمّا أطباء سنغافورة فقد تعاملوا مع الموقف بشكل عملي، ونفذوا برنامج ذكاء صناعي تستعين به المستشفيات لتقديم المشورة لمريض السّكر من النوع الثاني، ونشروا دراسة في هذا البرنامج في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.
ويحدث داء السّكري من النوع الثاني، الذي يشكّل غالبية حالات مرض السكري، عندما يصبح الجسم مقاوماً للأنسولين، أو يفقد القدرة على إنتاج الأنسولين الكافي من البنكرياس، وهو ضروري للإبقاء على مستويات السّكر في الدم ضمن المعدلات الصّحية.
ويمكن للأشخاص المصابين بهذا المرض إدارة حالتهم الصّحية عن طريق الحفاظ على نمط حياة صحّي، بما في ذلك ممارسة الرياضة والحفاظ على نظام محدّد، وفي الحالات الأكثر خطورة، قد يحتاج الأشخاص المصابون به إلى تناول أدوية مثل الميتفورمين، والسلفونيل يوريا، أو أقراص أخرى لخفض الغلوكوز، أو حقن الإنسولين، وهو ما قد لا يصبح متاحاً إذا قرّر الشّخص الصّيام.
ورغم تأكيد الأطباء دوماً خطورة ذلك، فإنّ أغلب المرضى يصرّون على الصّوم، الأمر الذي دفع أطباء في الولايات المتحدة الأميركية إلى محاولة البحث في أسباب ذلك، من خلال دراسة نُشرت في دورية «بحوث السّكري والممارسات السريرية» (Diabetes Research and Clinical Practice) في 8 يناير الماضي. وحملت هذه الدراسة عنوان «مرضى السّكري يحتفلون في رمضان: تجربة المسلمين في الولايات المتحدة»، وأجريت على عينة من 14 مريضاً مسلماً، جرى اختيارهم من المساجد الموجودة في جميع أنحاء ولاية كارولينا الشمالية. وحصرت الدراسة 4 مشاعر تحكم توجهات المرضى المصرّين على الصوم؛ وهي الشّعور بالارتباط الرّوحي، والشّعور بالارتباط الاجتماعي، والشّعور بالصّحة البدنية، والشّعور بالالتزام بتعاليم الدّين، وكانت الشّكوى المتكرّرة لديهم هي عدم الفهم الكافي من قبل مقدمي الرّعاية الصّحية لهذه الدّوافع. وخلصت من ذلك إلى حاجة مقدّمي الرّعاية الصّحيّة للحديث مع المرضى لاتّخاذ قرارات مشتركة لحل هذه المشكلة النّاتجة عن الاختلافات الثّقافية.
في السياق نفسه، تجاوزت أستراليا الحالة الأميركية، بعدما حصرت أعداد مرضى السّكري من المسلمين لديها، عبر تقرير نشرته جامعة «غرب سيدني» في 3 مايو الحالي، جاء فيه، أنه وفقاً لبيانات التعداد عام 2016، فإنّ هناك نحو 40 ألف مسلم يعاني من هذا المرض، وأنّه وفقاً للتّعاليم الإسلامية، يمكن إعفاؤهم من الصّيام لأسباب طبية، من دون الحاجة لاستشارة أحد رجال الدّين، ولكنّ التقرير تعجب من وجود رغبة قوية في الصّيام بينهم.
ولإقرار معدي التقرير بهذه الأهمية التي يحظى بها الصّيام عند مريض السكري من النوع الثاني رغم رخصة الإفطار التي يحملها، شدّدوا على بعض النصائح التي يتعيّن على مقدمي الخدمة الصّحية تنفيذها، والتي تتعلّق بتوضيح المخاطر للمريض وطرح البدائل المتاحة أمامه لتعويض الصّيام، استناداً إلى خلفية ثقافية يجب أن يتمتع بها مقدم الخدمة الصّحية، وإذا قرّر المريض الصّيام رغم كل ذلك، يشدّد التقرير على ضرورة عدم تخلّي الطبيب عنه ومتابعته بالنّصائح حول مراقبة الغلوكوز ونظام التغذية خلال الشّهر وبرنامج ممارسة الرياضة والتغييرات الدّوائية المحتملة.
بينما أدرك الأطباء في سنغافورة العام الماضي، أنّ المريض سيقرّر الصّيام رغم كل النّصائح، ولمساعدتهم طوّر باحثون من جامعة سنغافورة الوطنية بالتعاون مع د. جويس لي، من قسم الصيدلة في جامعة نيويورك، برنامجاً للذكاء الصّناعي هو عبارة عن «خوارزمية إكلينيكية» تمكّنهم من إدارة مرضهم خلال شهر رمضان، كما نُشر بحث حول هذا البرنامج في دورية تكنولوجيا علاج السكري (Diabetes Technology & Therapeutics) في 1 أكتوبر من العام الماضي.


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك من اليسار: القلب السليم مقابل القلب المصاب بالرجفان الأذيني (غيتي)

تتبُع الرجفان الأذيني باستخدام ساعة ذكية؟ تجنّبْ هذا الفخ

يعاني الملايين من الأميركيين من الرجفان الأذيني - وهو اضطراب سريع وغير منتظم في إيقاع القلب يزيد من خطر المضاعفات القلبية الوعائية، بما في ذلك السكتة الدماغية

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».