الفنانون والمبدعون الألمان في صراع ضد ارتفاع الإيجارات وبيع المساكن القديمة

يقاومون منذ عدة أشهر من أجل حماية مجمع بحي التونا يقيمون فيه

فرقة بوسطن الألمانية
فرقة بوسطن الألمانية
TT

الفنانون والمبدعون الألمان في صراع ضد ارتفاع الإيجارات وبيع المساكن القديمة

فرقة بوسطن الألمانية
فرقة بوسطن الألمانية

العثور على مسكن في المدن الألمانية الكبرى ليس بالأمر الهين، حيث تشهد الإيجارات ارتفاعات خيالية. ويشعر الفنانون والمهنيون، وغيرهم من المبدعين، بشكل خاص، بتداعيات عمليات بيع المساكن القديمة في ظل صعود الإيجارات، حيث يحتاج هؤلاء إلى مساحة أكبر من غيرهم من أصحاب المهن الأخرى لأعمالهم الفنية أو لتوفير المساحات التي يحتاجونها.
وفي مدينة هامبورج بشمال ألمانيا، يقاوم فنانون بارزون منذ عدة أشهر من أجل حماية مجمع يقيمون فيه بحي التونا، تحت شعار «فيفا لا بيرني»، في إشارة إلى المكان الذي عاش وعمل به، 110 من الفنانين على مدار نحو 35 عاماً.
واشترى مستثمر من برلين العقار ليترك المستأجرين في حالة من القلق خشية أن يتعرضوا للطرد البطيء نتيجة ارتفاع الإيجارات. وكان هذا هو سبب إطلاق حركتهم الاحتجاجية العام الماضي خلال حفل تضامني.
ويقول بيورن وارنز، من فرقة الـهيب هوب الألمانية «فيتيس بروت»: «هناك الكثير من الخطط الحياتية مرتبطة بهذا المكان. الأمر لا يتعلق بالمبنى، بل بالحياة التي بداخله»، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
ويشار إلى أن «فيتيس بروت» لديها استوديو ومخزن ومكتب في الفناء الخلفي للمجمع السكني منذ عام 2004. ويقول مارتين فاندرير، العضو الآخر في الفرقة: «من الصعب أن تعبر الكلمات عما قدمه هذا المكان لمجتمع الفنانين».
ويعتزم مجتمع الفنانين خوض صراع من أجل الحفاظ على المكان الجميل الذي حاولوا جاهدين أن يشكلوه، وقد حقق ذلك بعض النجاح بالفعل، فقد أعلن المجلس المحلي في التونا أن المجمع السكني «منطقة حضرية محمية»، أي لا يمكن هدمه من أجل إعادة بنائه من جديد.
ولكن رغبة مجتمع الفنانين لا تقف عند هذا الحد، فهم يريدون شراء المجمع السكني. وقد جمع المستأجرون بالفعل 7 ملايين يورو (9.‏7 مليون دولار) في صورة قروض وائتمانات، ولكن المستثمرين لا يرغبون في بيعه.
ولكنهم يعرضون على الفنانين عقد إيجار يستمر 25 عاماً وبمعدل إيجار أقل بكثير من المباني المحيطة. ويقول أحد مستشاري المُلاّك: «بيع الممتلكات على المدى القصير للمستأجرين أمر غير مرغوب فيه حالياً». ورغم ذلك، يتزايد عدد مؤيدي «فيفا لا بيرني».
ويقول المخرج السينمائي الألماني المعروف، فاتح آكين (45 عاماً): «كمؤرخ بصري، أرى أنه أمر مخزٍ أن تختفي ببطء المباني التاريخية المهمة التي تعكس الكثير عن المدينة».
وفي مدينة كولونيا، غربي ألمانيا، ركزت المحادثات المعنية بتطوير المباني القديمة بشكل خاص على منطقة إرينفيلد، الذي كانت الطبقة العاملة تسكنها في الماضي. وعلى مدار السنوات الأخيرة، صارت إرينفيلد إحدى المناطق الأكثر شعبية في ألمانيا، حيث يوجد بها مسرح صغير وورش عمل ونوادٍ ليلية شهيرة، تجتذب الموسيقيين من أنحاء أوروبا. ولكن هذا قاد الإيجارات إلى الارتفاع، واضطرت بعض هذه النوادي، مثل «أندرغراوند» الشهير، إلى إغلاق أبوابها لأنها لا تستطيع تحمل مثل هذه الإيجارات.
ويخوض السكان كفاحاً ضد هذه التغييرات أيضاً، وتم مؤخراً منع إقامة مركز تجاري ضخم يتضمن شققاً راقية، بفضل مبادرة قادها المواطنون. وتم بدلاً من ذلك، استخدام الأرض لإقامة مشروع متعدد الخدمات، يشمل مدرسة وشققاً ومساحات مفتوحة، بالإضافة إلى مجمع ثقافي، تحت الإنشاء، يحتوي على استوديوهات ميسورة التكلفة.
ولن يكتمل النقاش بشأن تأثير تطوير المباني والأحياء القديمة على المدن الألمانية من دون التطرق إلى العاصمة برلين، فما زالت المدينة تشكل مصدر جذب للفنانين من أنحاء العالم، ويعود ذلك نسبياً إلى مساحة أماكن ورش العمل ذات التكلفة المعقولة. إلا أن الأمور تتغير سريعاً في العاصمة، حيث تختفي 350 من هذه الورش ذات الأسعار المعقولة سنوياً.
ويعتمد الفنانون في حي فيدينج منذ سنوات، على مجمع من المباني معروف باسم «جيريشتوفه»، وهم يخوضون حالياً مناقشات حول تطوير المجمع القديم، ليحصل 70 شخصاً من المتضررين على عقود إيجار قصيرة الأجل فحسب. وفي منطقة جيزوندبرونين القريبة، يشعر الفنانون في أماكن العمل في أوفرهالين، بالقلق بشأن مستقبلهم أيضاً بعد ما استحوذ مستثمر خاص على العقار مؤخراً.
وعادة ما يتم تنظيم احتجاجات ضد صفقات بيع المباني القديمة في برلين، مما يثير التساؤلات حول ارتفاع أسعار العقارات في المدينة، حيث يقوم المستثمرون الأثرياء من أنحاء العالم، باقتناص المنازل في سوق محدودة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».