أصيبت جهود المعارضة الفنزويلية لإزاحة النظام بانتكاسة أخرى نهاية الأسبوع الماضي، عندما باءت جهود الرئيس المكلّف خوان غوايدو لإحداث شرخ في صفوف القوات المسلحة بالفشل، وانتهت كمحاولة لم تثمر سوى بعض النتائج الرمزية.
وكان غوايدو، الذي اعترفت بشرعيته أكثر من خمسين دولة، قد طلب من مؤيديه الانتشار أمام الثكنات العسكرية، وإقناع العسكريين بالانشقاق عن نظام مادورو؛ لكن لم يتجاوب مع دعوته سوى مئات من الأشخاص الذين سلّموا وثيقة إلى بعض أفراد القوات المسلّحة.
أما مادورو، فقد ظهر مفاخراً بدعم الجيش له في استعراض عسكري، طالب خلاله القوات المسلّحة بالولاء المطلق، ودعاها إلى الجهوزية التامة لمواجهة ما وصفه بـ«التدخل العسكري الأميركي الوشيك»، قائلاً إن «علينا أن نكون مستعدين وجاهزين للدفاع عن الوطن بالسلاح، إذا تجرّأت الإمبراطورية الأميركية على مسّ هذا التراب». وكانت قد سرت إشاعات قبل ذلك عن انشقاقات عسكرية، بعد أن قُتل أربعة جنود وشرطيّان في كمين تعرّضوا له وسط البلاد.
وجاءت هذه التصريحات لمادورو، الذي بدا واثقاً أكثر من الأيام السابقة، بعد العمليّة التي قادها غوايدو مع مجموعة من المنشقّين لإطلاق سراح الزعيم المعارض ليوبولدو لوبيز من منزله؛ حيث كان يقضي عقوبة بالإقامة الجبرية منذ ثلاث سنوات، والتي كانت تهدف إلى التحريض على تمرّد عسكري أوسع لم يحصل، وانتهت بمواجهات دامية بين قوات الأمن والمتظاهرين.
وبدأ الغموض الكثيف الذي أحاط بالأحداث المتسارعة التي شهدتها فنزويلا منذ الثلاثاء الماضي، يتكشّف في الساعات الأخيرة، عن حقيقة ما حصل والأسباب التي أدّت إلى إخفاق محاولة أخرى لزعزعة الدعم العسكري للنظام.
وتقول مصادر مطّلعة من المعارضة لـ«الشرق الأوسط»، إن مساعي التحضير لتلك الخطوة بدأت أواخر فبراير (شباط) الماضي، باتصالات سرّية مع بعض الأفراد في الحلقة الضيّقة، المدنية والعسكرية، المحيطة بمادورو، وذلك بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، التي تعتبر المعارضة أن دعمها هو العامل الحاسم لإسقاط النظام؛ لكنها لا تميل، في غالبيتها، إلى استخدام القوة العسكرية الخارجية، وتفضّل مواصلة الضغط بكل الوسائل الأخرى لزعزعة النظام من الداخل.
وتفيد المصادر بأن الاتصالات مع مقرّبين من مادورو بلغت مرحلة متقدّمة مطلع الشهر الماضي، مهّدت لوضع خطة تشكّل مخرجاً سلميّاً من الأزمة، عن طريق إصدار المحكمة العليا قراراً بالدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية قبل نهاية العام الجاري. وتؤكد المصادر أن الخطة كانت تحظى بتأييد رئيس المحكمة العليا، ووزير الدفاع فلاديمير بادرينو، وقائد الحرس الرئاسي ووزير الداخلية. وشارك في تلك الاتصالات، التي وصفها أحد المعنيين بالشّاقة والدقيقة جداً، قضاة في النيابة العامة وقيادات عسكرية ومدنية، وبعض كبار المسؤولين في وسائل الإعلام.
وقد لعب مسؤولون سابقون في أجهزة المخابرات العسكرية خلال عهد شافيز، يعيشون اليوم في الخارج، دوراً رئيسياً في الاتصال بالحلقة الضيّقة حول مادورو، والضغط عليها عبر وسطاء وأقرباء داخل فنزويلا وخارجها. وتركّزت محاولات الإغراء والإقناع على الضمانات بالعفو عن المعنيين، وحذف أسمائهم من قائمة العقوبات الأميركية، وتسهيل خروجهم من البلاد. ويذكر أنه بعد فشل المحاولة، أكّد المبعوث الأميركي إلى فنزويلا، إليوت أبرامز، أنه كان قد تمّ التوصّل إلى وثيقة حول تلك الضمانات، شملت أيضاً «خروجاً لائقاً» من الحكم لمادورو.
وتقول المصادر إن تلك الاتصالات مع شخصيّات نافذة في النظام، بلغت مرحلة النضج عندما أعطى وزير الدفاع موافقته، مشترطاً ألا يكون إسقاط مادورو عن طريق تمرّد أو انقلاب عسكري؛ بل عبر مخرج قانوني في إطار المؤسسات الدستورية. وتؤكد المصادر أن موافقة بادرينو كانت مطلقة، رغم أن الأحداث اللاحقة بيّنت أنّه لعب دور العميل المزدوج لإفشال الخطة. ويلفت في المعلومات ما قالته المصادر بأن جهات المعارضة المعنيّة كانت على اتصال بعدد من الحكومات الغربية، مثل كندا وألمانيا وفرنسا، بعلم من واشنطن؛ لكن من غير إطلاع إسبانيا، رغم دورها المحوري أوروبياً في الأزمة، ودفعها الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بشرعية خوان غوايدو رئيساً بالوكالة.
ويعود ذلك، في رأي المعنيين، إلى أن المعارضة الفنزويلية لا تشعر بثقة كاملة تجاه حكومة بيدرو سانشيز، علماً بأن لوبيز اختار اللجوء إلى السفارة الإسبانية بعد إطلاق سراحه.
اعتباراً من هذه المرحلة تبدأ المعلومات في التضارب، إذ يقول البعض إن ظهور غوايدو ولوبيز المفاجئ لم يكن مدرجاً ضمن الخطة، وإن الخطوة كانت متسرّعة، وأجهضت الشق الثاني والأهم منها. لكن مصادر مقرّبة من غوايدو تعزو ذلك إلى أن معلومات كانت قد بدأت تتسرّب عن الخطة، مما أدّى إلى التخوّف من الاعتقال واتخاذ القرار السريع بتغيير السيناريو. وثمّة من يؤكد أن الولايات المتحدة لم تكن على علم بالتعديلات الأخيرة في الخطة، وأن القرار كان أحادياً من طرف لوبيز، وأن غوايدو تجاوب معه بصفته عرّابه ومثاله السياسي.
ويقول مسؤول دبلوماسي أوروبي شارك في الاجتماع الذي عقده خوان غوايدو يوم الخميس الماضي، مع عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين في كاراكاس، إن «الرئيس المكلّف أعطى الانطباع بأنه لم يكن له دور أساسي في الأحداث الأخيرة»، واعترف بأن إطلاق سراح لوبيز لم يثمر النتائج المنشودة؛ لكنه أكّد أن محاولة شق صف القيادات العسكرية «كانت خطوة أولى ولم تكن مطروحة كحل نهائي».
المؤشر الأوّل على فشل المحاولة جاء من واشنطن، في تصريحات مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي دعا ثلاثة من كبار المسؤولين في النظام الفنزويلي، وزير الدفاع ورئيس المحكمة العليا وقائد الحرس الوطني، إلى الوفاء بالعهود التي قطعوها في محادثاتهم مع المعارضة للتخلّي عن مادورو. ثم جاءت تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو الذي أكّد أن طائرة كانت معدّة لنقل مادورو إلى الخارج، وأن روسيا أثنته عن ذلك؛ لكن موسكو نفت تلك المعلومات.
استجابة فاترة لدعوة غوايدو للتظاهر... ومادورو يفاخر بدعم الجيش
الرئيس الفنزويلي دعا إلى الاستعداد لمواجهة «التدخل العسكري الأميركي الوشيك»
استجابة فاترة لدعوة غوايدو للتظاهر... ومادورو يفاخر بدعم الجيش
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة