منطقة الشهباء... مختبر سوري لصفقات «ضامني» عملية آستانة

«الشرق الأوسط» تستطلع خطوط التماس بين روسيا وتركيا وإيران شمال حلب... وأوضاع نازحي عفرين الكردية

TT

منطقة الشهباء... مختبر سوري لصفقات «ضامني» عملية آستانة

أمام مركز المصالحة الروسية في قرية كشتعار التابعة لبلدة تل رفعت على بعد 35 كلم شمال حلب، يتجمع حشد شعبي يقدر عددهم بنحو 5 آلاف شخص تتقدمهم أمهات وذوو المقاتلين الذين سقطوا في المعارك التي خاضتها «وحدات حماية الشعب» الكردية في عفرين قبل عام. رفع محتجون لافتة كبيرة كتب عليها بالخط العريض: «لا للصمت الدولي على الاحتلال التركي للشمال السوري»، فيما كتبت لافتات ثانية بلغات عربية وإنجليزية وتركية وكردية تطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوضع حد للنزاع الدائر في الشمال السوري.
أمام باب المبنى كان يقف جنود من القوات النظامية السورية، بينما تمركز جنود روس في نقاط مراقبة فوق المكان وفرضوا طوقاً أمنياً على المنطقة. يخرج ضابط سوري برتبة عقيد ويطلب من المحتشدين أن يدخل مجموعة من الأشخاص ليسلموا مطالبهم للجانب الروسي.
يدخل 4 أشخاص؛ سيدتان ورجلان من ذوي ضحايا «الوحدات». يرفض الجنرال الروسي السماح لزواره بدخول المبنى بحجة أنها نقطة عسكرية لا يسمح لأحد من غيرهم بدخولها. يعقد الجانبان اجتماعهم واقفين على أقدامهم في ساحة المركز. يترأس الاجتماع جنرال رفيع المستوى بحضور ضباط سوريين أحدهم كان برتبة عقيد.
شازيه؛ امرأة متقدمة بالعمر قتل ابنها ويدعى علي ذو 20 عاماً قبل عام وشهرين في المعارك التي دارت في مسقط رأسها. كانت إحدى المشاركات في الاجتماع، ونقلت أنّ مركز المصالحة الروسية تواصلوا معهم قبل أسبوع وطلبوا اجتماعاً الذي كان الرابع من نوعه يعقد خلال شهرين.
ولدى حديثها لـ«الشرق الأوسط»، قالت: «الروس فضلوا الاستماع. قلنا لهم إن تركيا دخلت بضوء أخضر روسي، واعتبرنا خيانة روسيا أكبر من التدخل التركي، طلبنا منهم الاعتراف بخيانتهم تجاه الشعب الكردي، بسببهم سقط أكثر من ألف ضحية بعفرين».
استمر الاجتماع ساعة و20 دقيقة، الجنرال الروسي دوّن كل كلامهم ومطالبهم على دفتره الخاص، أكد أنه سينقلها للقيادة الروسية، وتضيف شازيه: «قال لنا إن عفرين لن تسترجع عسكرياً، ولكن سياسياً بالإمكان التفاوض لاستعادتها، ولن يخرج الجيش الحر إلا بتوافق دولي وإقليمي وبموافقة الجانب التركي»، وتابعت: «عرض علينا فكرة سفر وفد من أهالي عفرين إلى موسكو وعقد لقاءات رسمية مع القيادة الروسية».
وبحسب شازيه، أكدوا للوفد الروسي والضباط السوريين، «أن عفرين جزء من سوريا، وغوطة دمشق جزء من سوريا، كيف تكونون جزءاً من سياسة التغير الديموغرافي بترحيل سكان الغوطة وإسكانهم في عفرين، والسكوت عن تهجير أهالي عفرين الكردية؟»، على حد تعبيرها.
أما حسن بركو أحد المشاركين في الاجتماع مستبعداً وثوقه بالجانب الروسي، فذكر أن اللقاء كان الرابع وفي كل مرة يكفي الجانب الروسي بالوعود، «قلنا لهم إننا نستشعر بالخطر للتطورات الميدانية في مدينة إدلب وإمكانية شن عملية عسكرية هناك، نخشى أن يتفق الروس والأتراك على إخراج نازحي عفرين من بلدة تل رفعت».
بدوره، شدّد الجنرال الروسي على أن تركيا كانت مصممة على اجتياح عفرين، وهي دولة في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وأنهم في مواجهة مع «الناتو»، وبحسب حسن: «قاطعته وقلت له عندما وافقتم على دخول الجيش التركي إلى عفرين كان الهدف كسب تركيا لانسحابها من حلف الناتو، مقابل انسحاب المعارضة من غوطة دمشق وتسليمها للنظام السوري»، وتابع كلامه: «قلنا لهم وبشكل رسمي؛ في حال لم تتحرك روسيا لإخراج الجيش التركي والفصائل المسلحة التابعة لها وإخراجهم من عفرين، سنطلب من (قوات سوريا الديمقراطية) تحرير عفرين عسكرياً ومساعدتنا لاستردادها».
ينتهي الاجتماع وتفض المظاهرة ويتوعد المحتجون باستمرار الاحتجاجات حتى تلبية مطالبهم ومعرفة مصير مدينتهم عفرين.

- ذكريات وصور
في معسكر العودة الذي بني لنازحي مدينة عفرين في بلدة تل رفعت. تلبس أمينة ذات الـ30 عاماً زياً كردياً فلكلورياً؛ ثوباً ملوناً طويلاً وإيشارباً بلون فاتح، علامات التقدم بالسن بدت على وجهها بسبب الظروف والمصاعب التي مرت بها على حد قولها، تروي كيف ودعت أبويها في منتصف شهر مارس (آذار) العام الماضي، ولم تعلم أن الفراق سيطول، حيث رحلت برفقة زوجها وأطفالها الصغار مع قوافل المهجرين من مدينتهم متوجهين إلى مناطق الشهباء.
انتهى بها المطاف اليوم للعيش مع أسرتها في خيمة في معسكر العودة في بلدة تل رفعت، تكاد تكون مساحتها نحو 30 متراً، لكنّ خبراً مفرحاً وصلها قبل أيّام: «منذ ذلك الوقت فقدت أرقام الهواتف ومعظم أقربائنا هاجروا كحالنا، عن طريق الصدفة تعرفت على شخص أهله يسكنون بالقرب من ضيعتنا وعرفوا أهلي، تواصلت معهم على الفور، وحصلت على رقم والديّ ووصلت إلي صورتهما على تطبيق واتساب».
عندما شاهدت أمينة صورتهما وكيف غزا الشيب شعر أبويها اللذين لم يتجاوزا 60 عاماً، شعرت بحزن عميق، وقالت: «قرأت الكثير في عيونهم ووجوههم، حزناً ووحدة وقهراً لفقدان جميع الأبناء والبنات»، رفعت يديها إلى السماء وقالت: «يا ربي ماذا فعلت بنا هذه الحرب، ومتى تنتهي؟»، فوالدتها فقدت نظرها جراء مرض السكري، «بعد خروجنا جميعاً لم تتحمل الوضع وبسبب بكائها فقدت نظرها، عندما اتصلت بها قالت لي: أنتظر عودتكم ليعود لي نظري وأشوفكم من جديد، أو تفضل الموت على هذه الحياة».
وبحسب إدارة مخيم العودة، يسكن الكامب نحو 500 عائلة ويبلغ عدد قاطنيه نحو 3 آلاف نازح، من بين 5 مخيمات منتشرة في مناطق الشهباء، يسكنها ثلث أهالي عفرين النازحين الذين يتجاوز عددهم 130 ألفاً.
تروي زنارة (25 سنة) المتحدرة من ناحية جنديرس التابعة لمدينة عفرين وتعيش في مخيم العودة، أنها لن تنسى طوال حياتها يوم 18 مارس وتسرد تفاصيله كأنها حدثت قبل قليل. ارتسمت علامات الحزن على وجهها لتقول: «يومذاك صعدنا إلى جبل الأحلام غرب عفرين 3 مرات هرباً من الجيش التركي والفصائل، آنذاك كنت حاملاً بطفلتي، وها هي اليوم أصبح عمرها 10 أشهر ولا نزال ننتظر لحظة العودة».
آنذاك كان المشهد مقيتاً بعد صعود معظم أهالي عفرين إلى جبل الأحلام، ووصفته قائلاً: «كأنه يوم الحشر، كل الناس كانوا ينظرون بحرقة إلى مدينتهم وكيف تسقط بيد الجيش التركي والمعارضة، بكيت كثيراً لأنني فقدت كل شيء، منزلي وأحلامي ومن تبقى من أهلي».
تنهدت واغرورقت عيناها بالبكاء، لتضيف: «فقدنا أخي كان عمره 5 سنوات، ضاع من والدتي وبحثنا عنه كثيراً دون جدوى، ولم يكن بمقدورنا العودة لعفرين للبحث عنه، حتى اليوم لا نعلم عنه أي شيء. والديّ يبكيان عليه يومياً».
أما نارين التي دخلت عقدها الخامس وتخشى أن تمضي بها الحياة وتبقى في مخيمات النزوح والتشرد، لم تتوقع أن ينتهي بها الأمر لتشارك ابنها وزوجته في خيمة صغيرة بكامب لا يبعد سوى 20 كلم عن مسقط رأسها. كانت تحمل بيدها جوالها المحمول تشاهد صور منزلها الكائن في ناحية بلبلة، لتقول وهي تشير إلى درج مرتفع ومنزل قديم: «هذا مدخل منزلي تحيطه أشجار الورد والزيتون، في مثل هذه الأيام من الربيع يصبح المكان جميلاً للغاية». توقفت عن الكلام وهي تقلب الصور لتسترجع الذكريات، وأضافت بصوت منخفض مكسور بدا عليه التعب والحزن: «أحد جيراننا قال لنا قبل أيام قطع مسلحون أشجار الزيتون وعبثوا بأشجار الورد في منزلنا، أخشى أن أموت هنا بعيدة عن منزلي وأهلي ويبقى هؤلاء الغرباء يعبثون بممتلكاتنا».

- احتجاجات ونداءات
في قرية صوغانكه التابعة لناحية شيراوا جنوب شرقي مدينة عفرين الواقعة شمال سوريا، اعتصم آلاف النازحين الذين أجبروا على ترك ممتلكاتهم قبل عام حاملين لافتات منددة بالتدخل التركي، وسكوت المجتمع الدولي على عمليات التهجير والتغيير الديموغرافية لمدينتهم ذات الغالبية الكردية. المعتصمون اتخذوا موقعاً قريباً يقابل قرى كيمار وبراد وباصلة التي خضعت منذ مارس (آذار) 2018 لنفوذ فصائل سورية معارضة مدعومة من الجيش التركي، وعلى مرمى نظرهم كانوا يشاهدون أشجار الزيتون وحقول القمح وقمة جبل سمعان الخضراء.
على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية وأعمارهم وانتماءاتهم السياسية، شارك المحتجون بقناعة أنهم إذا استطاعوا مجرد الوقوف هناك لوقت كافٍ فسوف تتحقق مطالبهم ومناشداتهم بالعودة إلى مسقط رأسهم. وعفرين شهدت معارك عنيفة بين شهري يناير (كانون الثاني) ومارس استمرت شهرين؛ تسببت في فرار مئات الآلاف من أبناء القومية الكردية خشية من الملاحقة والزج في السجون والمعتقلات.
يعتقدون أن اعتصامهم السلمي في هذه البقعة الجغرافية يمكن أن يدفع الدولة نفسها والجهات العسكرية على التنحي ومغادرة المدينة الملاصقة للحدود مع تركيا، ورغم كل ما بينهم من تباينات واختلافات ومناطق مختلفة بالسكن، لم يتطلب الأمر من المحتجين الذين كان يصل عددهم في ساعات الصباح الباردة إلى 5 آلاف شخص، سوى بعض الدعوات الشعبية من شخصيات محلية يتحدرون من عفرين، واليوم يقطنون في مخيمات منتشرة بالشهباء تقع على بعد عدة كيلومترات من مسقط رأسهم.
بالاعتصام الشعبي كان يفوق عدد النساء والفتيات الرجال والشباب منهم، حيث ضم مزيجاً من الفتية وكبار السن بمشاركة أطباء وممرضين ومحامين ونشطاء حقوقيين وفنانين وإعلاميين. في أحاديثهم، بدت مشاعر الكره والعداء واضحة بشدة تجاه روسيا التي سمحت بفتح المجال الجوي للطيران التركي، ومن تركيا بعد توغل جيشها في مدينتهم العام الماضي ودعمت فصائل وجهات إسلامية سورية وأسكنوا آخرين محلهم.
يروي حسين (50 سنة) المتحدر من قرية دير مشمش التابعة لناحية شيراوا غرب عفرين، كيف نزح قبل عام وشهرين رفقة أسرته بعد دخول الجيش التركي والفصائل الموالية له، قاصداً أقرباءه الساكنين في قرية صوغانكه المواجهة لمسقط رأسه. شارك في الاعتصام وكان يحمل في يده اليسرى أغصاناً من شجر الزيتون وفي الثانية رفع صورة مقاتل كردي سقط في معارك عفرين.
ولدى حديثه نقل أنه يومياً يذهب إلى الحدود الفاصلة بين قريته ومكان إقامته الجديد، ليقول: «على بعد أمتار أشاهد بحرقة أشجار الزيتون الخضراء يخالجني شعور حزن عميق، فبسبب الحرب لا أستطيع الذهاب إلى حقلي وممتلكاتي».
وبحسب سكان القرية التابعة لناحية شيراوا التي باتت منقسمة السيطرة؛ فقد تعرضت لأكثر من 300 قذيفة الأمر الذي تسبب في تهجير قسم من الأهالي الذين فضلوا الابتعاد عن نيران المعارك، ونقلوا روايات بتعرض كثير من أصحاب المواشي والأغنام إلى السرقة والخطف ويتهمون الفصائل السورية المعارضة لإجبار من تبقى على الرحيل وترك أملاكه وقريته.
تقول فاطمة (35 سنة) المتحدرة من قرية صوغانكه، إنّ نصف سكان قريتها هاجروا عنها مجبرين، بسبب القذائف العشوائية التي تسقط عليهم، «كل أسبوع تسقط قذيفة أو أكثر، بقي نحو 100 أسرة من أصل 250 عائلة كانوا يسكنون قبيل اندلاع المعارك»، فالقرية باتت نقطة تماس و«حدوداً من نار» على حد وصف سكانها، وقد نالت النيران أشجار الزيتون التي بقي قسمها الأكبر بالطرف الثاني، وتضيف فاطمة: «لا يستطيع أي شخص الاقتراب منها بحجة أنها منطقة محظورة، كما عمد عناصر الفصائل المسلحة إلى حرق الأراضي التي كانت مزروعة بالقمح والشعير وقطع أشجار الزيتون».
ولا تزال تتذكر اليوم الذي سقطت على منزلها قذيفة دمرت القسم الأكبر منه، وتابعت: «يوم سأتذكره طوال حياتي، كنا نجلس بالصالون عند المساء وإذ تسقط قذيفة هاون، حقيقة لا أعلم كيف نجوت وحملت أطفالي وهربنا، حتى اليوم بيتي مدمر وأخشى التعرض لموقف مشابه».
بينما نقل قادو الرجل الأربعيني الذي يمتلك قطيعاً من الأغنام، أن المساحة التي باتت مخصصة لرعي الأغنام في قرية صوغانكه، محصورة جداً، فالفصائل المسلحة في الطرف الثاني تمنع اقتراب أي شخص، والسبب أنه «قبل فترة تعرض راعٍ للخطف، طلبوا فدية من أهله مليون ليرة وأجبروا على دفعها، كما أخذوا أغنامه»، وما يزيد من مصاعب الحياة في هذه القرية على حد وصف قادو، «أن هناك أكثر من ألفي رأس غنم والمساحة القابلة للرعي لا تتعدى بضعة كيلومترات، فقد تحولت لنقطة حدودية مع جهات عسكرية متحاربة».
أما لورين (55 سنة) التي تمتلك أسرتها 500 شجرة زيتون تقع غرب قرية صوغانكه، في المنطقة الفاصلة بين الجهات المتصارعة بين الجيش التركي وفصائل الجيش الحر، ومناطق انتشار القوات السورية والشرطة العسكرية الروسية، فتقول بحسرة: «منذ عام وشهرين لم نذهب إلى حقل الأشجار، حتى محصول العام الماضي لم نجنه ولا يزال بالشجر، يمنع أي شخص الاقتراب من تلك المناطق، فهو مهدد بالقتل أو الخطف»، وأشارت إلى أن مصيرهم بات مجهولاً. وتضيف: «ما ذنب تلك الأشجار؟ كما أن العائلات انقسمت هنا وهناك حيث يعيشون على بعد أمتار لكنها تحولت لحدود دول».

- صراع على النفوذ
تقع منطقة الشهباء التي باتت ملاذاً آمناً لنازحي عفرين، وسط مثلث، تحدها 3 جهات دولية وإقليمية متناقضة بالحرب السورية لكن يجمعها مسار آستانة. فتركيا وفصائل معارضة أطلقت عملية غصن الزيتون في 18 يناير 2018 وسيطرت على مدينة عفرين في مارس (آذار) بالعام نفسه، وانتزعت مركز مدينة عفرين ونواحيها من قبضة «الوحدات»، فيما بقيت ناحية شيراوا منقسمة السيطرة. وكانت قد نفذت عملية «درع الفرات» منتصف 2016 وبسطت السيطرة على مدن غرابلس والباب والراعي وصولاً إلى بلدة أعزاز (شمال)، وباتت تسيطر على كامل المناطق الواقعة شمال شرقي حلب.
أما القوات الحكومية السورية والشرطة العسكرية الروسية، فتنتشر على طول الحدود الفاصلة مع الجيش التركي عند ناحية شيراوا جنوب شرقي عفرين، وتراقب وقف إطلاق النار في نواحي تل رفعت وفافين وأحرص وكفر نايا وقرى حربل وشيخ عيسى وكفر نايا وكفر ناصح، التي يطلق عليها إقليم الشهباء، في وقت تتمركز فيه عناصر «حزب الله» اللبناني والقوات الإيرانية والميليشيات الإيرانية الموالية للجيش السوري في بلدتي نبل والزهراء الشيعيتان المتاخمتين لمدينة عفرين وتقع في جهتها الجنوبية الشرقية.
وطالبت تركيا مراراً بانسحاب «وحدات حماية الشعب» من المناطق الواقعة شرق وغرب نهر الفرات، حيث تخشى من قيام حكم ذاتي قد يحصلون عليه في بلد يشهد نزاعاً دموياً منذ 8 سنوات، الأمر الذي سيدفع أبناء جلدتهم كُرد تركيا للمطالبة بالمثل، إذ تتهم الحكومة التركية ارتباط هذه القوة الكردية بـ«حزب العمال الكردستاني» المحظور لديها، والأخير يخوض تمرداً مسلحاً منذ 4 عقود بهدف نيل الأكراد استقلالهم في جنوب شرقي تركيا، في وقت تنفي فيه قيادة الوحدات أي صلة بحزب العمال، وهو ما تؤكده الولايات المتحدة التي تدعم الوحدات في معركتها ضد تنظيم داعش الإرهابي شرق الفرات.
ومنذ ذلك الحين، تحدثت عدة منظمات دولية حقوقية ووسائل إعلام عن تردّي الأوضاع الأمنية والإنسانية في هذا الجزء من سوريا، حيث نزح على أثر ذلك ما يزيد على نصف سكان المدينة البالغ عددهم قبل الحملة نحو نصف مليون نسمة، وتمركزوا في مخيمات بمناطق الشهباء في ريف حلب الشمالي على بعد عشرات الكيلومترات من منازلهم، وحلّ مكانهم في عفرين نازحون من مدينة دوما وبلدات الغوطة الشرقية وحمص وحماة وغيرها من سكان المناطق التي استعادتها القوات الحكومة من الفصائل المعارضة الموالية لتركيا، وأجبروا على ترك مناطقهم وفق اتفاق مسار آستانة.
وترى هدية يوسف القيادية في «منسقية مؤتمر ستار النسائي» وتنشط في منطقة الشهباء، أنّ عفرين سقطت «ضحية مؤامرة» لاتفاقات آستانة بين الدول الفاعلة بالحرب السورية (روسيا وتركيا وإيران)، وتقول: «هدف روسيا إرضاء تركيا ببقائها في عفرين وقد تتنازل عن بلدة تل رفعت ومدن ثانية لكسبها في معركة إدلب المرتقبة، فروسيا والنظام ليسا بمقدورهما خوض المعركة دون كسب دعم تركيا».
وتنفذ القوات التركية منذ أسابيع عمليات هدم وجرف واسعة النطاق لمنازل وأملاك المدنيين في قرى جلبل وكيمار، بهدف استكمال أعمال بناء جدار إسمنتي لعزل مدينة عفرين عن محطيها السوري، حيث انتهت من بناء 500 متر بالقرب من قرية كيمار، وتشمل الخطة بناء نحو 70 كيلومتراً من الجدار بكتل إسمنتية خرسانية بالمنطقة داخل الأراضي السورية، تمتد من جبل سمعان وقرى مريمين شمالاً إلى كيمار جنوباً، مروراً ببلدة جلبل في الجنوب الغربي وربطها بأبراج مراقبة مع نقاط عسكرية للجيش التركي.
وتشير هدية يوسف إلى أنّ هدف تركيا من بناء الجدار «لعزل عفرين وفصلها عن عمقها السوري، والنظام لم يحرك ساكناً بخصوص ما يجري هناك من انتهاكات على يد الفصائل المسلحة».

- طريق غازي عنتاب ـ حلب
يجري الحديث حالياً عن صفقة صغيرة تتضمن انسحاب الشرطة الروسية من بلدة تل رفعت والسماح لتركيا وحلفائها بالدخول إلى شمال حلب وفتح الطريق الدولية «غازي عنتاب - حلب»، مقابل دخول روسيا وحلفائها إلى مثلث جسر الشغور لحماية قاعدة حميميم والتفكير بتشغيل طريق اللاذقية - حلب.
ولفتت الناشطة هدية يوسف إلى أن الطريق تمر ضمن المناطق المنقسمة، وفي حال دخلت التفاهمات حيز التنفيذ، قالت: «أعتقد ستنسحب روسيا لصالح تركيا من تل رفعت ومدن وبلدات محاذية للطريق، وبذلك ستكون مدينة حلب ثاني أكبر مدينة في سوريا مهددة بالخطر، ومنذ البداية كانت من بين أطماع تركيا».
ويشعر قياديون أكراد بـ«الغدر بسبب فتح روسيا المجال الجوي فوق عفرين للطيران التركي أثناء المعركة»، فالموقف الروسي، وبحسب قيادات كردية إزاء ما يجري في عفرين بمثابة «طعنة بالظهر»، إذ إن روسيا تحاول دعم تركيا والحكومة السورية في آن واحد.
وقال مظلوم عبدي القائد العام لـ«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أميركياً، في تصريحات صحافية نُشرت في 27 أبريل (نيسان) الماضي، إن إعادة عفرين لأهلها قضية محورية ولا يمكن التحدث عن أي تطور في الحل السياسي أو أمن واستقرار مناطق شمال وشرق سوريا من دون عفرين، «تشكل إعادة أهالي عفرين من دون استثناء وبحماية دولية وإعادة ممتلكاتهم المسلوبة، وإزالة التغيير الديمغرافي الحاصل وإعادة عفرين إلى وضعها الطبيعي العامل الحاسم في استمرارية المباحثات حول المنطقة الآمنة ونجاحها».
وعن «المنطقة الآمنة» التي صرح عنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبحثها مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أكد كوباني: «نقبل فكرة المنطقة الآمنة التي تخدم الأمن والاستقرار في منطقة شرق الفرات بحماية دولية، والمباحثات للوصول إلى صيغة مقبولة من قبل كل الأطراف مستمرة إلى الآن»، مضيفاً: «نصر على أن تتجنب المنطقة الآمنة تدخلاً تركياً في الأراضي السورية، وعدم إعطاء الشرعية للوجود التركي، مقابل أخذ المطلب التركي فيما يتعلق بأمن حدودها بعين الاعتبار، بالطبع لا يمكن الوصول إلى تفاهم دائم مع تركيا من دون حل مسألة عفرين».
فيما تكتفي الحكومة السورية بانتقاد التدخل التركي في عفرين، وتصفه بأنه شكل من أشكال «الاحتلال»، لكنها لم تتخذ أي إجراء لمجابهته، ويحمّل نازحو عفرين القاطنين في المخيمات بمناطق الشهباء، مسؤولية ما يحدث في مدينتهم على النظام الحاكم وحليفته روسيا.
وخلال محادثات آستانة التي عقدت يومي 25 و26 أبريل (نيسان)، قال بشار الجعفري مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة في تصريحات صحافية، إنّ السلطات التركية «تحتل نحو 6 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي السورية أي عفرين وغرابلس ومدن أخرى علاوة على إدلب وتنشئ الآن جداراً بطول 70 كلم جنوب منبج لفصلها عن حلب»، ولفت إلى أنّ مساحة الأراضي التي تسيطر عليها تركيا من الأراضي السورية تضاعفت بـ4 مرات من تلك الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل على الجولان السوري، وأضاف: «تحتل تركيا 4 أضعاف مساحة الجولان التي تحتلها إسرائيل، وبالتالي فإن سلبية تركيا تجاه الشعب السوري أسوأ 4 مرات من سلبية الاحتلال الإسرائيلي للجولان».



مستقبل إردوغان والحزب الحاكم... سؤال تركيا الكبير

عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
TT

مستقبل إردوغان والحزب الحاكم... سؤال تركيا الكبير

عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)

أمضت تركيا أكثر من 22 عاماً تحت حكم حزب «العدالة والتنمية» الذي شهدت مسيرته محطات حرجة وتحديات سياسية واقتصادية، بين صعود وهبوط، وانعكست على السياسة الخارجية على وجه الخصوص.

الحزب ذو الجذور الإسلامية الذي أسسه الرئيس رجب طيب إردوغان ومجموعة من رفاقه أبرزهم الرئيس السابق عبد الله غل، والسياسي المخضرم بولنت أرينتش، ظهر في 14 أغسطس (آب) 2001، وفاز منفرداً بحكم تركيا في أول انتخابات تشريعية خاضها في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2002، وبقي في الحكم حتى الآن.

وخاض الحزب في البداية صدامات مع النخبة العلمانية والجيش والقضاء وصلت ذروتها عند ترشيح عبد الله غل، الذي كان وزيراً للخارجية، للرئاسة عام 2007 خلفاً للرئيس الأسبق أحمد نجدت سيزر.

أزمات ومعارك

أحدث ترشيح غل أزمة كبيرة في تركيا التي شهدت تجمعات مليونية في أنقرة وإسطنبول رفضاً له. وأفلت الحزب أيضاً من الحل في دعوى أقيمت ضده أمام المحكمة الدستورية التي قضت بالغرامة المالية دون الإغلاق في عام 2008، بسبب انتهاكه «مبادئ العلمانية».

ومنذ عام 2010، بدأ الحزب حملة تغييرات واسعة، عبر تعديل الدستور، بعدما استفاد من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي التي انطلقت رسمياً عام 2005 في إرساء العديد من حزم الإصلاحات في النظام القضائي والقوانين.

وخاص الحزب العديد من المعارك، كما نزع فتيل محاولات استهدفته على غرار قضايا «أرجنكون» و«المطرقة» و«القفص» التي حاول فيها عسكريون الإطاحة بحكومة إردوغان.

وعد إردوغان، الرجل القوي الذي لا يزال قابضاً بقوة على السلطة في تركيا، أن احتجاجات «غيزي بارك» في مايو (أيار) 2013، وما أعقبها من تحقيقات «الفساد والرشوة» التي جرت في 17 و25 ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته، كانت محاولات للإطاحة بحكومته.

ونُسبت تحقيقات في تهم فساد ورشوة طالت أبناء وزراء في حكومة إردوغان ورجال أعمال مقربين منه، وامتدت إلى أفراد عائلته، إلى حركة «الخدمة» التي تزعمها حليفه الوثيق السابق، فتح الله غولن، الذي توفي منذ أشهر.

حشد من الأتراك يحتفلون وسط إسطنبول فوق دبابة هجرها ضباط من الجيش بعد محاولة انقلاب فاشلة في 16 يوليو 2016 (غيتي)

مواجهة أخيرة

كانت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، التي نفذتها مجموعة من الجيش، نُسب إليها الانتماء إلى حركة غولن، هي آخر المواجهات التي مكنت إردوغان من إخضاع المؤسسة الحامية للعلمانية في البلاد (الجيش) بعدما تمكن من السيطرة على أجهزة الأمن والقضاء عقب تحقيقات الفساد والرشوة، وقام بتطهيرها من أنصار غولن، الذي كان حليفاً لحزب «العدالة والتنمية» منذ ظهوره.

ووسط هذه المعارك التي مكنت إردوغان وحزبه من السيطرة على جميع مفاصل الدولة وإزالة مشكلة حظر الحجاب من أجندة تركيا، كان الحزب يخوض مسار صعود اقتصادي أزال أثر الأزمة الحادة التي عاشتها البلاد في 2001، وكانت العامل الأساسي في فوزه الكاسح بأول انتخابات يخوضها.

صعود اقتصادي وتقلبات سياسية

استمر الصعود الاقتصادي، وساعد في ذلك اعتماد حزب «العدالة والتنمية» سياسة «صفر مشاكل» مع دول الجوار التي أسس لها وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي تولى لاحقاً رئاسة الحكومة، التي كان لها الفضل في إذابة الجليد في علاقات تركيا مع محيطها في الشرق الأوسط والعالم العربي، فضلاً عن توسيع علاقات تركيا بالشرق والغرب.

ولم تخف توجهات السياسة التركية في هذه الفترة اعتمادها على نظرية «العثمانية الجديدة»، واستعادة مناطق النفوذ، التي انطلقت من نظرية «العمق الاستراتيجي» لـ«داود أوغلو»، وبعدما بدأت تركيا التمدد من الدول العربية إلى أفريقيا اعتماداً على أدوات الدبلوماسية الناعمة والمساعدات الإنسانية وعامل الدين والتاريخ المشترك، جاء ما عرف بـ«الربيع العربي» ليقلب سياسة تركيا إلى التدخل المباشر والخشن عبر أدوار عسكرية امتدت من سوريا وليبيا إلى القرن الأفريقي، وفتحت لها باب التوسع بإقامة القواعد العسكرية في الخارج.

وتسبب انحياز تركيا إلى جماعة «الإخوان المسلمين» وجماعات متشددة، ودعمها في تونس ومصر وسوريا وليبيا، في حصارها في المنطقة، وهو ما حاول سياسيوها تبريره بشعار «العزلة القيمة».

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان... ربع قرن عاصف بالتحولات (غيتي)

بين الكرد والقوميين

جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016 لتضيف مزيداً من التوتر إلى علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين بسبب ما عدّته أوروبا وأميركا، استغلالاً لها في سحق معارضي إردوغان على اختلاف انتماءاتهم وليس أنصار غولن فقط، والتوسع في انتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير عبر الاعتقالات الواسعة، وإغلاق المنصات الإعلامية، وهو ما أدى إلى «دفن» مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، التي كانت مجمدة بالفعل منذ عام 2012.

الحال، أن الانسداد في العلاقات مع أوروبا كان قد تأجج في فترة الانتخابات البرلمانية في تركيا عام 2015 التي شهدت مصادمات مع الكرد، وخسر فيها حزب «العدالة والتنمية» الأغلبية للمرة الأولى في الانتخابات التي أجريت في 7 يونيو (حزيران) من ذلك العام للمرة الأولى في مسيرته، قبل أن يلجأ إردوغان إلى الانتخابات المبكرة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته، ليفوز بها حزبه.

وفي هذه الفترة كان «العدالة والتنمية» أطلق في عام 2013 مبادرة للسلام الداخلي وحل المشكلة الكردية، قبل أن يعلن إردوغان إنهاءها في 2015 قائلاً إنه لا توجد مشكلة كردية في تركيا.

وأثبتت القضية الكردية أنها الورقة التي يلجأ إليها إردوغان في لحظات الضعف التي يمر بها حزبه وتتراجع شعبيته، فقد عاد الحديث في الأسابيع الماضية عن مبادرة جديدة للحل، أطلقها رئيس حزب «الحركة القومية»، الحليف لإردوغان، دولت بهشلي، ودعا من خلالها إلى حوار مباشر مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» المحكوم بالسجن مدى الحياة في تركيا، عبد الله أوجلان، بل دعوته للحديث في البرلمان، والنظر في العفو عنه.

وجاءت هذه الخطوة، كما يرى مراقبون، محاولة من إردوغان لجذب كتلة أصوات الكرد بعد الهزيمة التي تلقاها حزبه في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس (آذار) الماضي، بعدما فاز بصعوبة بالغة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو 2023، والحصول على دعم نواب حزب «الديمقراطية المساواة للشعوب»، المؤيد للكرد لفتح الطريق أمام إردوغان للترشح للرئاسة للمرة الرابعة في انتخابات مبكرة تُجرى قبل عام 2028 بطلب من 360 نائباً، وهو ما لا يملكه «تحالف الشعب»، الذي تأسس مع تحول البلاد إلى النظام الرئاسي عام 2018، ليضم حزب «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، وأحزاب قومية وإسلامية أخرى صغيرة مثل «الوحدة الكبرى»، و«هدى بار».

وتسبب التحالف مع القوميين في انتقال «العدالة والتنمية» من حزب وسطي إصلاحي يخدم الشعب بلا تمييز ويعمل على دفع الاقتصاد والانضمام للاتحاد الأوروبي، إلى حزب يرفع شعارات الفكر القومي والأمة، ويبشر بالعثمانية الجديدة و«الوطن الأزرق» في ظل نظام يصفه معارضوه في الداخل وحلفاؤه في الغرب بأنه يكرس الديكتاتورية وحكم الفرد منذ إقرار النظام الرئاسي من خلال تعديلات دستورية تم الاستفتاء عليها عام 2017.

إردوغان (يمين) ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني في ديار بكر جنوب تركيا نوفمبر 2013 (غيتي)

ألغاز السياسة الخارجية

ربما تكون السياسة الخارجية لتركيا تحت حكم إردوغان و«العدالة والتنمية» هي أكبر الألغاز المحيرة، فبعدما أريد لها الانفتاح وتصفير المشاكل، انتقلت منذ 2011 إلى التدخل في أزمات المنطقة، ثم رفعت شعار «العزلة القيمة»، بعدما حدثت شروخ عميقة في العلاقات مع محيط تركيا الإقليمي من مصر إلى دول الخليج إلى سوريا والعراق، في مرحلة ما، ثم محاولة العودة بعد 10 سنوات ضائعة إلى مسعى «تصفير المشاكل» مرة أخرى.

وهكذا عملت تركيا على إصلاح العلاقات مع دول الخليج ومصر، وعدم التمادي في تدمير العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من إدانتها الصارخة لحربها في غزة ولبنان وهجماتها في سوريا، وصولاً إلى الحوار الإيجابي مع اليونان وأرمينيا.

واتسمت هذه السياسة أيضاً بتبديل غير مستقر للمحاور بين الشرق والغرب، عبر محاولة توظيف ورقة العلاقات مع روسيا والصين وإيران، وتقديم طلب عضوية في مجموعة «بريكس»، والحضور في قمة منظمة شنغهاي للتعاون على المستوى الرئاسي، للضغط من أجل تحريك مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكسر فتور العلاقات مع أميركا.

وشكل التذبذب في العلاقات بين تركيا وروسيا ملمحاً مميزاً، وكذلك مع إيران، لكن بصورة أقل علانية، إلى أن دخلت العلاقات معهما منعطفاً حاداً بسبب التطورات الأخيرة التي أطاحت بحكم بشار الأسد في سوريا، فضلاً عن عدم الرضا من جانب روسيا عن نهج تركيا في التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية.

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة منظمة شنغهاي في سمرقند سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)

هواجس المستقبل

الآن، وبعد نحو ربع قرن ساد فيها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، يبدو أن إردوغان يجد صعوبة كبيرة في تنفيذ وعده لناخبيه عقب فوزه بالرئاسة في مايو 2023 بتأسيس «قرن تركيا».

يواجه إردوغان الآن معارضة عرفت طريقها إلى الشارع بعد أكثر من 22 عاماً من التشتت، وركاماً اقتصادياً أجهض ما تحقق من مكاسب في الحقبة الذهبية لحزبه، الذي أتى بالاقتصاد، والذي قد يرحل بسببه، بعدما بدأ رحلة تراجع منذ تطبيق النظام الرئاسي في 2018، مع صعوبة التغلب على المشاكل الهيكلية، وكسر حلقة التضخم الجامح وغلاء الأسعار وتآكل الدخل.

كما يدخل الحزب عام 2025 مع سؤال كبير وملحّ: «هل يضعف (العدالة والتنمية) أو يتلاشى إذا غابت عنه قيادة إردوغان القوية؟»، ومع هذا السؤال يبدو أن سيناريوهات مقبلة في الطريق لإبقاء الرجل على رأس الحزب والسلطة في تركيا.