البرهان... جنرال «شغوف بالعسكرية» يواجه اختبار السياسة

من حرس الحدود إلى قيادة السودان

البرهان... جنرال «شغوف بالعسكرية» يواجه اختبار السياسة
TT

البرهان... جنرال «شغوف بالعسكرية» يواجه اختبار السياسة

البرهان... جنرال «شغوف بالعسكرية» يواجه اختبار السياسة

حين حاولت أجهزة نظام الرئيس المعزول عمر البشير فض الاعتصام أمام وزارة الدفاع في الخرطوم بقوة السلاح في الساعات العصيبة التي سبقت سقوطه، تردد اسم الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في محيط ساحة الاعتصام، باعتباره أحد رهانات الشعب الرابحة في الجيش. أقدمية البرهان وسيرته في صفوف جنود القوات المسلحة وضباطها، دفعتاه ليقود البلاد في فترة حرجة عقب الرفض الواسع لتولي نائب البشير الفريق عوض ابن عوف قيادة المجلس العسكري. ولد عبد الفتاح البرهان في قرية قندتو الصغيرة قرب مدينة شندي (شمال السودان) في عام 1960، وتلقى تعليمه الأولي في مدارس القرية قبل أن يتخرج في مدرسة شندي الثانوية، ليلتحق بالكلية الحربية السودانية في مطلع الثمانينات، ويتخرج ضمن دفعتها الحادية والثلاثين.
ينتمي رئيس المجلس العسكري الانتقالي إلى أسرة سودانية عُرفت بنزعتها الدينية الصوفية، إذ تنتمي إلى «سجادة الطريقة الختمية»، أكبر الطرق الصوفية في البلاد التي يرعاها محمد عثمان الميرغني. جده الأكبر من جهة الأم الشيخ الحفيان راعي أشهر خلوات تحفيظ القرآن في تلك المنطقة، وهو متزوج من إحدى قريباته، وله منها خمسة أبناء، هم: منذر ومحمد وروى ووئام وليم.
تميز البرهان وسطع نجمه بين ضباط دفعته وكان في مقدمة رفاقه، وظل يتنقل منذ تخرجه برتبة الملازم في مناطق العمليات بأطراف السودان في ذروة الحرب المشتعلة والنزاعات؛ إذ عمل بعد تخرجه في قوات حرس الحدود ثم تنقل في وحدات قتالية بولايتي أعالي النيل والاستوائية في جنوب السودان قبل الانفصال، ثم انتقل إلى القيادة الغربية للقوات البرية بمدينة زالنجي وسط إقليم دارفور إبان اشتداد الصراع المسلح.
ولم يستقر به المقام في القيادة العامة للجيش إلا بعد أن بلغ رتبة رفيعة، تدرج بعدها ليدخل زمرة كبار قادة القوات المسلحة. وتلقى البرهان دورات عسكرية في عدد من دول العالم، منها سوريا والأردن، وقاد عدداً من وحدات القوات المسلحة قبل تعيينه قائداً للقوات البرية ثم مفتشاً عاماً للقوات المسلحة السودانية. وظل في هذا الموقع حتى أُطيح بالبشير.
من أبرز المحطات الخارجية لرئيس المجلس العسكري الانتقالي عمله لسنوات عدة ملحقاً عسكرياً للسودان لدى جمهورية الصين الشعبية، التي تُعد من الدول التي تربطها علاقات متميزة مع الخرطوم.
وأشرف على مشاركة الجيش السوداني ضمن تحالف دعم الشرعية في اليمن، وكُلّف بتنسيق عمل القوات هناك. وأتاحت هذه المهمة تقارباً كبيراً بينه وبين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دلقو الشهير بـ«حميدتي»، الذي أصبح لاحقاً نائبه في المجلس العسكري الانتقالي.
ويقول عنه الرئيس السابق لهيئة الأركان سابقاً الفريق أول عثمان بلية، إن «البرهان من أكفأ الضباط في الجيش السوداني. عُرف عنه تميز في الأداء إلى جانب الصدق والأمانة». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «البرهان أفضل من يقود البلاد في هذه المرحلة»، مشيراً إلى أن الرجل «حرّك الجيش انحيازاً لخيار الشارع السوداني، لذلك هو الضامن الأجدر حتى إكمال عملية الانتقال إلى الحكم المدني». ولفت إلى أن «الانضباط الصارم وحسن الإدارة ميزة يمكن أن تساعد في تجاوز هذه المرحلة المعقدة، خصوصاً إذا تم التوافق مع المدنيين من أجل قيادة مشتركة».
وتقول مصادر عسكرية شهدت اللحظات العصيبة بعد سقوط البشير داخل القيادة العامة للجيش، إن «البرهان أجرى مشاورات واسعة مع قادة وحدات الجيش، وهو مَن أبلغ رئيس المجلس العسكري السابق عوض ابن عوف ونائبه كمال عبد المعروف برفضهما من المعتصمين، باعتبارهما من كبار مساعدي الرئيس المخلوع وبسبب مشاركتهما في محاولات فض الاعتصام بالقوة».
وتشير المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» إلى أن قيادة البرهان للجيش وتدخله في هذا الوقت «أملتهما الجماهير، ثم مكنته الكاريزما الخاصة به، من ترتيب الأوضاع داخل وحدات الجيش نحو موقف موحد وداعم للثورة».
الرائد المتقاعد أحمد بابكر التجاني، وهو من الدفعة الحادية والثلاثين في الكلية الحربية، قال في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» إن البرهان كان من الأوائل في تلك الدفعة، ويحظى بحب عساكره ومرؤوسيه واحترامهم. وأوضح أنه «لا ينتمي إلى الإخوان المسلمين أو يميل إليهم، وترقى في الجيش لكفاءته ومهنيته العالية. لذلك من الطبيعي أن يقبل به الضباط والجنود لقيادة الجيش في هذه المرحلة». في بادئ الأمر، وجد البرهان ارتياحاً وقبولاً في ساحة الاعتصام بعد أن تسلم القيادة من ابن عوف، إلا أنه سرعان ما وجد نفسه في عين عاصفة أخرى من الغضب بعد تعثر التفاوض بين المجلس العسكري الانتقالي الذي يقوده و«قوى الحرية والتغيير» التي قادت الحراك الشعبي حتى إسقاط البشير.
تتسم شخصية البرهان بـ«الاعتدال»، بحسب أحد أقاربه من الدرجة الأولى... «يُوصَف بالمرح وبالمستمع الجيد قليل الكلام، ولا يُعرف عنه خوض في السياسة بشكل مباشر»، رغم وجوده في مؤسسة عُرف عنها تاريخياً الغرق في السياسة وشؤون الحكم. ويضيف قريبه أنه «لا ميول سياسية للبرهان. لديه فقط شغف بالعسكرية»، مشيراً إلى أن «انصراف الرجل عن السياسية وزهده في مخالطة قيادات النظام السابق السياسية وانخراطه بشكل واضح في شؤون الجيش والمهام التي كُلف بها، جعلته بعيداً عن حالة الاستقطاب الحادة التي طالت المؤسسة العسكرية وقادتها الكبار».
لكن التأكيدات القاطعة بعدم وجود انتماءات ذات طبيعة سياسية للبرهان لم تمنع البعض من إثارة الشكوك حول وصوله إلى هذه الرتبة العسكرية الرفيعة في ظل هيمنة الإسلاميين على الجيش. ويعود قريبه ليعزو الترقي إلى أن «تميزه العسكري والكاريزما الخاصة به وسط الضباط والجنود هي ما قادته إلى هذا الموقع الرفيع في الجيش».
اللواء المتقاعد عبد الرحمن عبد الحميد، من دفعة البرهان في الكلية الحربية، يقول إن «الرجل مرتَّب ويتمتع بالحكمة والذكاء، ولا يعرف الحقد». وأضاف أن «البرهان لا يضيق بالنقد ويتقبل الرأي الآخر. لكنه في الوقت نفسه كتوم، ويبادل من يتعاملون معه الثقة». ويضيف أنه «ليس كل ضباط الجيش لهم علاقة بتنظيم الإسلاميين. وأنا ورئيس المجلس العسكري كنا كذلك لا صلة لنا بهم. فقط هنالك بعض المتسلقين من الضباط انتموا إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم آنذاك».
وفي أول ظهور تلفزيوني لرئيس المجلس العسكري الانتقالي، حاول الرجل أن يعطي انطباعاً بالثقة في قدرته على الإمساك بالملفات المعقدة لعملية انتقال السلطة. لكن يأخذ عليه منتقدوه عدم الإسراع بتفكيك مفاصل النظام السابق التي ما زالت تسيطر على أجهزة الدولة، ما قد يتيح الفرصة لعودة النظام السابق عبر «ثورة مضادة».
غير أن وجهات النظر تتباين حول البرهان بين «قوى التغيير»، فبينما يرى بعضها أن الرجل «مقبول ومؤتمن على تسليم السلطة للمدنيين»، ترفض أطراف أخرى مبدأ قيادة العسكريين للمرحلة الانتقالية بغض النظر عمن يتقدم منهم لقيادة المجلس العسكري، وتصف انحيازهم إلى الشعب بـ«الطبيعي»، لكنها تعتبر «التباطؤ» في تسليم السلطة للمدنيين بمثابة «انقلاب عسكري وسرقة للثورة». ويقول محمد فاروق، رئيس المكتب التنفيذي لـ«حزب التحالف الوطني»، أحد فصائل «قوى الحرية والتغيير»، إن «البرهان يلعب الآن الدور نفسه الذي لعبته قيادة الجيش السوداني إبان انتفاضة 1985 الذي تمخض عن تسليم السلطة للمدنيين رغم اختلاف الظروف». وأوضح أن «أخطر دور ملقى على عاتق البرهان في هذه المرحلة هو الحفاظ على وحدة الجيش وعدم التعامل بوصاية مع السياسيين المدنيين». وينظر محمد وداعة، القيادي بحزب «البعث» السوداني، إلى البرهان باعتباره «رجلاً ذكياً وشجاعاً». ويقول: «كان من أبرز الفاعلين في تصحيح موقف الجيش من الثورة وتأكيد انحيازه لها». وأضاف أن «تفاصيل اللحظات الحاسمة توضح بجلاء أن البرهان مارس ضغوطاً كبيرة من أجل ضمان انحياز الجيش مرتين لمطالب الشعب؛ الأولى عندما كان من الداعمين لعزل البشير، والأخرى عندما أطاح ابن عوف المرفوض من الشارع».
وبشأن التخوفات من «أطماع» قد تكون لدى المجلس العسكري للاستمرار في السلطة وعدم تسليمها للمدنيين، يرى وداعة أن «التخوفات قائمة، لكن السودان ودّع عهد الانقلابات العسكرية. الآن أمام البرهان مسؤولية التوافق مع الكيانات السياسية التي قادت عملية التغيير لعبور البلاد هذه المرحلة».
ومع تباطؤ عملية التفاوض بين المجلس العسكري و«الحرية والتغيير» بشأن مؤسسات الحكم الانتقالية، تزداد في ساحة الاعتصام الهتافات الموحية التي يسمعها حتماً الرجل من مكتبه القريب داخل أسوار القيادة، وأبرزها: «برهن برهن يا برهان، ولا حتمشي أنت كمان».
ويبقى المحدد الأبرز لاستمرار البرهان على رأس المشهد السوداني مدى نجاحه في اختبار قدرته على إدارة ذلك التوازن الدقيق بين مطالب الشارع وأولويات المؤسسات.



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.