سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية

هاريس ووارين أبرز النساء... وخطاب اليسار يهيمن على الحزب

سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية
TT

سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية

سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية

مع دخول جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، السباق الرئاسي لعام 2020، بات من الممكن القول إن الحملة الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين قد بدأت رسمياً: عشرون مرشحاً، بينهم ست نساء، أربع منهن أعضاء في مجلس الشيوخ، والخامسة عضو في مجلس النواب، بجانب مرشح من أصل أفريقي، وآخر من أصل أميركي لاتيني.
المرشحون الـ20 يحاولون تأكيد قدرة الحزب الديمقراطي على إظهار تنوعه، وعلى إنتاج قيادة جديدة للولايات المتحدة. بيد أن إظهار التنوع شيء، وإنتاج قيادة قادرة على تجديد الحزب والبلاد شيء آخر. والمفارقة الأولى في هذه الحلبة المزدحمة أن «الحصانين» الأكبر حظاً بالفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، وفق استطلاعات الرأي، تجاوزا منتصف السبعينيات من عمريهما، وسينافس أحدهما سبعينياً آخر، هو دونالد ترمب، إذ إن جو بايدن يبلغ 76 سنة، وبيرني ساندرز 77 سنة. أما المفارقة الثانية، فهي أن الخطاب السياسي لكلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، لا يعد الشعب الأميركي بخطة نحو المستقبل، بل بالدعوة للعودة إلى الماضي.
في الرسالة التي أعلن فيها جو بايدن ترشحه لمعركة الرئاسة الأميركية، دعا نائب الرئيس السابق الأميركيين للتصويت دفاعاً عن قيم الولايات المتحدة ومبادئها، والعودة إلى الجذور التي قامت عليها. في المقابل، يدعو ساندرز لإعادة توزيع الثروة، وإنهاء سيطرة الأغنياء، في بلد علة وجوده الدفاع عن سلطة رأس المال، وابتكار المبادرات المولدة للإنتاج، وهذا من دون تقديم الحلول التي يحتاج إليها سكان المدن الغارقين في مواجهة القيود والموانع التي أنتجتها قوانين تلك المدن نفسها، و«حداثة» النموذج الليبرالي، وعجز الديمقراطية عن توفير الحلول للقضية. وبينما يتعذّر الاكتفاء باتهام ترمب بأنه جاء من خارج المؤسسة السياسية للحزب الجمهوري، في سياق الإشارة إلى صعود اليمين المتشدد، يتعذر أيضاً الاكتفاء بتوجيه السهام إلى يساريي الحزب الديمقراطي للإشارة إلى أزمته. فكلا الحزبين يعاني من أزمة الديمقراطية التي عمقت ظاهرة التطرف السياسي، يميناً ويساراً، في ظل العجز عن تقديم حلول للنظام الأميركي.
وحقاً، هناك من يتوقع أن تتحول هذه الأزمة إلى كارثة سياسية ببعد عالمي، نظراً إلى التغييرات والتحولات التي قد تصيب «مركز النظام الرأسمالي»، فيما لو عجز عن اجتراح الحلول لقضية الثروة وإنتاجها.

العشرة الأبرز
من بين المرشحين العشرين، يمكن القول إن 10 فقط، أو حتى أقل من ذلك، سيتمكنون من الاستمرار في السباق بحلول بدء المنافسات الترشيحية الحزبية، في 3 فبراير (شباط) المقبل، في ولاية آيوا، مع العلم أن المؤتمر الوطني الذي سيتبنى رسمياً مرشح الديمقراطيين بمواجهة الرئيس ترمب (على الأرجح) سينظم في مدينة ميلووكي، كبرى مدن ولاية ويسكونسن، بين 13 و16 يوليو (تموز) 2020.
قد يكون صحيحاً القول إن قائمة المرشحين الديمقراطيين تضم خليطاً متنوعاً، سواء على مستوى السن أو الجنس أو الميول السياسية، فضلاً عن مرشح مثلي هو بيتر بوتيجيج (أي: أبو دجاج)، المالطي الأصل، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، لكن هذا التنوع قد ينظر إليه على أنه يعكس أزمة قيادة ورؤية، أكثر من كونه دليل تنوع. فعندما دخل السيناتور الديمقراطي (الرئيس لاحقاً) باراك أوباما السباق الرئاسي لعام 2008، سرعان ما ظهر تميزه، واعداً بإحداث «تغيير سياسي». وهذا ما أسقط منافسيه تباعاً، ومكنه من خوض سباق ناجح بسهولة لافتة، استمر زخمها في سباق 2012، قبل أن يقلب ترمب الاتجاه بخطاب دعا فيه «للعودة إلى أميركا أولاً»... أميركا التي بنيت قبل أكثر من 250 سنة.
اليوم، ثمة شبه إجماع على أن دخول بايدن السباق قد يغير المشهد الانتخابي، سواء داخل الحزب الديمقراطي أو مع منافسه ترمب. وبالفعل، يتخوف قادة الحزب الجمهوري من نجاح بايدن في جذب نسبة عالية من أصوات قاعدته. لكن بايدن الذي دعا للدفاع عن أميركا الماضي لا يحمل في جعبته حلولاً لحاضرها أو لمستقبلها. ومع أنه يتصدر راهناً في السباق بين الديمقراطيين، فليس هناك ما يشير إلى قدرته على الاحتفاظ بها، عندما يواجه الأسئلة الصعبة حول كيفية إخراج الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقراً، خصوصاً داخل المدن الكبرى، من أزماتها المعيشية.

إنعاش الطبقة الوسطى
ليس كافياً القول إن بايدن يمثل «القيادة السخية... ويستطيع إعادة بناء الطبقة الوسطى، وتوحيد الأميركيين، واستعادة روح الأمة، حتى يحصل الجميع على فرصة عادلة»، كما قالت نائبة مدير حملته كيت بيدنجفيلد. فمعظم الدراسات الاجتماعية تشير إلى تراجع دور الطبقة الوسطى الأميركية إلى ما دون الـ50 في المائة من عدد السكان، بعدما كانت تمثل نحو 66 في المائة قبل نحو 25 سنة. وكذلك تراجعت حصتها من إنتاج الثروة إلى أقل من ثلاثة أضعاف ما تنتجه الطبقة الثرية،
في ظاهرة تماثل ما جرى ويجري في عدد كبير من بلدان أوروبا الغربية، على رأسهم ألمانيا.وهنا، يقول مستشار الحزب الجمهوري جون ماك إن بايدن يمثل «خياراً وسطاً» بين اليساريين واليمينين، سواء في الحزب الديمقراطي أو في الولايات المتحدة بشكل عام. إلا أن الاستراتيجي الجمهوري مات ماكويك يقول إن التحدي الأبرز لبايدن هو أن قاعدته الانتخابية غير واضحة المعالم.
وقد يكون صحيحاً القول إن بايدن يمثل «خياراً مطمئناً» للناخبين الذين يشعرون بالقلق من «الاشتراكيين الديمقراطيين» مثل ساندرز، أو «التقدميين» مثل النائبة الشابة أليكسندريا أوكاسيو كورتيز. لكن من المبكر الحسم في هوية المرشح الأكثر قدرة على تعبئة الديمقراطيين، بعد النتائج التي أظهرتها الانتخابات النصفية التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إذ كشفت تلك الانتخابات عن حزب ديمقراطي تغلغل فيه «الخطاب اليساري» تحت شعارات جذابة، تُرجم بوصول أكبر عدد من النساء في تاريخ أميركا إلى مجلس النواب، ومعظم أعضائه الجدد من الشبان والشابات، وأكثريتهم من المطالبين باعتماد سياسات بعضها راديكالي، حتى بمقاييس الليبراليين.

ساندرز و«أبوة اليسار»
في المقابل، لا يمل بيرني ساندرز من تذكير الأميركيين بأن خطابه السياسي الذي حث فيه على اعتماد سياسات تقدمية، اجتماعياً واقتصادياً، هو أحد الأسباب الرئيسية وراء ازدحام قائمة المرشحين الديمقراطيين بهذا العدد من الشباب. ومعظم هؤلاء من الداعين إلى اعتماد سياسات أكثر عدالة، تدافع عن «الحق في الطبابة، والضمان الاجتماعي، ورعاية ذوي الدخل المحدود، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتوفير التعليم الجامعي المجاني».
خطاب ساندرز بهذا المعنى يدعو للعودة إلى رأسمالية الخمسينات والستينات، وبناء «دولة الرعاية الاجتماعية». البعض يقول إن هذا قد يصلح لدولة مثل السويد التي لا تتعارض رأسماليتها مع توزيع الثروة، في حين أن فرادة أميركا كانت - ولا تزال - تكمن في قدرتها على ابتكار وإطلاق المبادرات الإنتاجية المولدة للثروة. وبالتالي، هذا ما يدفع البعض إلى اتهامه بأن خطابه يمثل النقيض اليساري الشعبوي لخطاب ترمب اليميني الشعبوي، وأن كليهما يتنافس على جمهور واحد. أما الفوارق التي يعتقدان أنها تفصلهما، فتضمحل على سبيل المثال أمام دعوتيهما للعودة إلى الحمائية الاقتصادية، وإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية العابرة للحدود والقارات... دفاعاً عن فرص عمل الأميركيين.
وفي خط موازٍ، وفي سبيل التميز عن ساندرز، عمد كثير من المرشحين الديمقراطيين، كالسيناتورة إليزابيث وارين (ولاية ماساشوستس)، والسيناتورة كمالا هاريس (ولاية كاليفورنيا)، والسيناتور كوري بوكر (ولاية نيوجيرزي)، لإعادة إحياء اقتراح قيام الحكومة الفيدرالية بدفع تعويضات للأميركيين من أصل أفريقي، بسبب الإجحاف الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي الذي لا يزال قسم كبير منهم يعاني من آثاره السلبية بسبب مرحلة العبودية والتمييز العنصري المستمر، ولو بأشكال مموهة. هذا الاقتراح كان قد عارضه ساندرز وأوباما بسبب راديكاليته في انتخابات 2016، في حين أن إنهاء آثار العبودية يحتاج إلى أكثر من دفع تعويضات.

تمويل الحملات ودور المليارديرات
بايدن الذي تمكن من جمع أكثر من 6.3 مليون دولار خلال 24 ساعة من إعلانه ترشحه، حقق رقماً قياسياً لجمع التبرعات في السباق الرئاسي الديمقراطي المزدحم. وحل في المرتبة الثانية بعده النائب السابق عن ولاية تكساس بيتو أورورك الذي جمع 6.1 مليون دولار في أول 24 ساعة بعد إعلان ترشحه، متفوقاً على ساندرز الذي جمع 5.7 مليون دولار.
أورورك كان قد لفت الأنظار بعد أدائه الجيد في الانتخابات النصفية في نوفمبر الماضي، عندما نافس في ولايته تكساس السيناتور الجمهوري تيد كروز. وقدم أورورك في حينه خطاباً ركز فيه على الوحدة الوطنية، وقيم الليبرالية، وإصلاح قوانين الهجرة، وتشريع تعاطي الماريجوانا، وتسهيل حصول سكان الأرياف على خدمات المستشفيات، لكنه امتدح حصوله على تبرعات الأفراد، وليس كبار المتمولين والشركات والأثرياء.
في المقابل، محاولة الابتعاد عن تهمة قبول التبرعات من كبار المانحين تحولت إلى لغة مشتركة بين المرشحين الديمقراطيين، بمن فيهم بايدن نفسه. ومع أنه تعرض لهجمات من حملة ساندرز، تتهمه بتلقي أموال كبار المانحين، إثر ظهوره في حفل انتخابي في ولاية بنسلفانيا، بحضور المدير التنفيذي لشركة «كومكاست» العملاقة، فإن حملة بايدن ركزت على إبراز التبرعات الفردية التي تلقتها بمعدل وسطي، بلغ 41 دولاراً، علماً بأن ساندرز قد تفوق عليه بعدد المتبرعين. وأيضاً أعلنت حملة السيناتورة هاريس أنها جمعت على مدار 24 ساعة 1.5 مليون دولار من صغار المانحين، وتبعها في ذلك غالبية المنافسين الديمقراطيين.
لكن المعروف، بحسب الخبراء في الحملات الانتخابية الأميركية، أن المرشح يحتاج إلى 100 مليون دولار للوصول إلى الانتخابات التمهيدية، وإلى 50 مليون دولار إضافية قبل «الثلاثاء العظيم»، في مارس (آذار) المقبل، حين تصوت مجموعة من أكبر الولايات. وعندها، لا بد من تبرعات الشركات والأثرياء، لأن الحصول على تبرعات المواطنين التي يتنافس المرشحون الديمقراطيون على كسب دولاراتهم لن تكون كافية لتسديد كلفة الدعايات التلفزيونية، والاحتفاظ بالماكينة الانتخابية ناشطة في الولايات، ودفع نفقات موظفي الحملات.

بداية خلع القفازات
لهذا، قد يكون المتنافسون الديمقراطيون يستعدون لخلع القفازات، والتأهب لخوض مناظرات شرسة، مع تقاسم بايدن وساندرز الصدارة في هذه المرحلة المبكرة من السباق. وبينما لا تزال لغة المجاملات مهيمنة بين المتنافسين، يتحضر مرشحو «الطبقة الوسطى» لتحطيم صورتيهما، مما ينذر بسباق قاسٍ قد تسقط فيه كل المُحرّمات لإزاحتهما.
ثم إنه رغم كون الحلبة خالية من «الدخلاء» أو «المتطفلين»، كما جرى في انتخابات الجمهوريين عام 2016، فإن ثمة مَن يحذر من أن تؤذي الحملات الشرسة الحزب، وتؤدي إلى فوز ترمب، إذ قال أندرو فيلدمان، وهو خبير استراتيجي ديمقراطي، إن «السباق التمهيدي مفيد للحزب، حيث نرى أفكاراً جديدة، لكن علينا ضمان ألا يمزّق بعضنا بعضاً إلى الحد الذي يتعذر بعدها توحيد الحزب... فنخسر السباق». كذلك، يحذر كثيرون من أن يكرر ساندرز تجربته مع هيلاري كلينتون، حين فازت بترشيح الحزب، لكن قاعدته الشعبية أحجمت عن دعمها. هذا حصل، مع أنه شخصياً بذل جهوداً متواضعة لإقناع هذه القاعدة بتغيير موقفها. هذه تحذيرات نفتها حملته التي شددت على الترحيب بدخول بايدن السباق «شرط أن تبقى المنافسة مركزة على القضايا»، بحسب فايز شُكر، مدير حملة ساندرز، الذي تابع أن هذه الحملة لا تتعلق بالأشخاص، بل بالأفكار والسياسات التي تسمح للناخبين باتخاذ قرارات التصويت لمصلحتها. ثم أضاف أن ساندرز سيكون هو المسؤول عن «الوقوف في وجه مصالح الشركات القوية، وسيطرة المليارديرات، وهزيمة ترمب، وبناء حكومة تناسب جميع الناس». في المقابل، يتأهب منافسو ساندرز لاستحضار الملفات التي سينتقدونه فيها... من دعوته إلى منح المجرمين العنيفين المسجونين والإرهابيين الحق في التصويت، وصولاً إلى امتناعه عن وصف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـ«الديكتاتور».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».