مركز «إثراء» يحتفل بمنحوتة «نبع الضياء» للإيطالي بينوني

الفنان لـ «الشرق الأوسط» : أرى ارتباطاً بين التصميم المعماري للمركز والشجرة المصنوعة من البرونز

الفنان الإيطالي جيوسيبي بينوني
الفنان الإيطالي جيوسيبي بينوني
TT

مركز «إثراء» يحتفل بمنحوتة «نبع الضياء» للإيطالي بينوني

الفنان الإيطالي جيوسيبي بينوني
الفنان الإيطالي جيوسيبي بينوني

احتُفِل، أمس، في الظهران، بالسعودية، بانضمام منحوتة للفنان الإيطالي جيوسبي بينوني لمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، حيث وُضعت المنحوتة التي تحمل عنوان «نبع الضياء» في المساحة التي يطلق عليها القائمون على المركز اسم «قلب إثراء».
«نبع الضياء» تتكون من ثلاث أشجار تنبثق من القاعدة، وهي النقطة المحورية لمبنى المركز بالقرب من الموقع الذي اكتشفت فيه المملكة العربية السعودية النفط لأول مرة في عام 1938.
وتجسّد المنحوتة ثلاث أشجار برونزية شاهقة ترتفع لأكثر من 92 قدماً، وتدعمها فروع شجرة رابعة أكبر حجماً تنقسم إلى ثلاثة تجاويف لتشكل مساحة للمشاهدة، وكأن الزائر ينظر إلى السماء عبر «تليسكوب». كما توجِد هذه الشجرة المركزية المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ للزوار الذين يتطلعون إلى الأعلى مساحة داخلية مفتوحة وشعاع ضوء ذهبياً.
بينوني عُرِف بعشقه الخاص لأشكال الشجر، وباعتماده في أعماله دائماً على مجموعة متنوعة من المواد العضوية والأشكال الطبيعية، بما في ذلك الخشب والحجر والصمغ، ليعكس اعتقاده الراسخ بالترابط الوثيق بين البشر والطبيعة. أسأله في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» عن رؤيته وعن مغزى استخدام فكرة الأشجار في الصحراء، يقول بلهجة إيطالية محببة: «فكرة وجود شجرة في الصحراء غير عادية، وهو ما يجعلنا نراها بسرعة. الشجرة أيضاً تقضي عمرها في مكان واحد؛ فهي كائن حي ينمو ويحفظ تفاصيل حياته في جسده، وكل عنصر فيها يصبح جزءاً منها، كل غصن يصبح جزءاً من الجسد ومن تاريخه. هو تكوين مثالي، وهذا ما يثير اهتمامي في الأشجار».
الجدير بالذكر أن العمل يربط الأرض أسفله بالسماء التي تعلوه، مما يرمز للجمع بينهما كمصدرين للطاقة، ويشير البيان الصادر من المركز إلى تصريح بينوني الذي يفسر فيه الرابط بين المنحوتة والطاقة، حيث يقول: «الطاقة المستخرجة من الأرض ترمز إلى المصدر الذي تم اكتشاف النفط فيه، والذي كان سبباً رئيسياً في نمو وتطور الاقتصاد العالمي».
الشجرة هنا تتجاوز مفهومها الأرضي لتتحول لحاوية رموز، ما بين الضوء والماء هناك ترابط مذهل يشرحه بقوله: «بالتأكيد، فالشجر ينمو بسبب الضوء، يهرب من قبضة الجاذبية الأرضية، ويصعد لأعلى بفضل الضوء»، يشير إلى أن مفهوم الشجرة يمنح الحياة للمواد المستخدمة في تكوين العمل الفني، فاللون الذهبي الذي يكسو داخل الشجرة يرمز للضوء والطاقة»، وهو ما يمكن رؤيته من الداخل، بالنظر لأعلى نرى دوائر ترتبط فيما بينها لتمثل المساحة داخل الشجرة، وبفضل اللون الذهبي تكتسب بعداً غنياً بالتأثير والمعنى.
بالنسبة للفنان، فإن فكرة الشجرة ترتبط بالفلسفة وراء مركز «إثراء» بشكل كبير: «العمل ليس تجريدياً»، يعلق بحماسة ويضيف: «إنه مرتبط بالمبنى وبالمساحة الموجود بها، وبشكل ما أرى ارتباطاً بين التصميم المعماري للمركز الذي يمثل مجموعة من الصخور، والشجرة التي صنعتها من البرونز».
بالنسبة لفاطمة الراشد رئيسة المجموعة الاستشارية بمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، فإن «نبع الضياء» تمثل علامة فنية ترتبط بالمركز ككل وتضيف: «مع إنشاء (إثراء)، أردنا أن نقدم علامة معمارية متفردة، وجاءت منحوتة (نبع الضياء) لتكون علامة فنية ثابتة، وهي تتماشى مع الفلسفة خلف المركز، التي تهدف للتطوير والمعرفة، والحوار بين الحضارات، وهي من أهم أهداف (إثراء)».
تلفت الراشد إلى نقطة مهمة وهي الآلية التي اختيرت بها منحوتة الفنان الإيطالي، فهي نتاج مسابقة عالمية فتحت الباب للفنانين من السعودية ومن العالم للتقدم بالأفكار الأفضل... «تماماً كما فعلنا مع إنشاء المركز، الذي اعتمد على منافسة عالمية بين المصممين المعماريين». وربما كان الإلهام خلف وجود عمل فني ضخم مثل «نبع الضياء» يعود إلى منحوتات ضخمة ميزت كورنيش مدينة جدة وحولته لمتحف في الهواء الطلق، وتقول الراشد: «أردنا في (إثراء) أن يكون لدينا منحوتة فنية معاصرة تماثل مثيلاتها في جدة».
ويأتي المكان الذي اختير لوضع «نبع الضياء» ليؤكد على فلسفة المركز بشكل جميل، فتقول الراشد: «تقبع المنحوتة فيما نطلق عليه (قلب إثراء) وهي المنطقة المحورية التي تلتقي عندها جميع أقسام المركز، وهي على عمق 30 متراً»، وتضيف: «إنه حوار أردنا إنشاءه بين الأجزاء المختلفة في المركز من ناحية، وبين العمل والجمهور الذي يمر به، وبين العمل والمساحة المحيطة به».
وحسب البيان الصادر عن المركز فقد علق علي المطيري، مدير «إثراء» على «نبع الضياء»: «يسعدنا وجود العمل الفني الفريد للفنان جيوسبي بينوني (نبع الضياء)، في قلب مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، حيث ينسجم تكامل الأفكار والمواد التي استخدمها في هذا العمل مع بيئتنا بشكل كبير، إضافة إلى أنه يخلق مساحة تبعث على التأمل. وفي سعينا المستمر لتعزيز التبادل الثقافي، يُعد هذا العمل مثالاً فريداً وملموساً للإبداع الفني العالمي. وقد دمج بينوني في هذا العمل بين الذاكرة والطبيعة والهندسة المعمارية لإلهامنا بما لم يتم اكتشافه بعد».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».