الموت يغيّب الروائي الليبي أحمد إبراهيم الفقيه

كتب مقدمة قصتين للقذافي «خوفاً من الموت»

الروائي الليبي أحمد إبراهيم
الروائي الليبي أحمد إبراهيم
TT

الموت يغيّب الروائي الليبي أحمد إبراهيم الفقيه

الروائي الليبي أحمد إبراهيم
الروائي الليبي أحمد إبراهيم

غيب الموت الدبلوماسي والروائي الليبي، الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه، عن عمر ناهز 77 عاماً، مساء أول من أمس، في أحد مستشفيات العاصمة المصرية، القاهرة، بعد صراع مع مرض التليف الرئوي.
ونعت الأوساط الثقافية الليبية والعربية الفقيه، ونشرت صفحة مؤسسة «العويس» الثقافية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» نعياً للراحل.
واعترف الفقيه في تصريحات صحافية، منتصف عام 2015، بأنه كتب قراءة لقصتين في كتاب الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي (الموت) و(الفرار إلى جهنم)، مضطرا حفاظا على حياته؛ لأنه لم يكن يملك حلاً آخر: «كنت سأموت لو لم أهادنه».
والفقيه المولود في 28 ديسمبر (كانون الأول) لأسرة متوسطة الحال، عاش طفولته في بلدة مزدة جنوب العاصمة، قبل أن يغادرها ليقيم في طرابلس، وهناك كانت الركيزة الأساسية لشخصية القاص التي انطلق منها مستنداً على تراث حافل بالقصص الشعبي، وتاريخ ممتلئ ببدائع آثار الأقدمين.
فبجانب نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف المحلية، سعى الفقيه مبكراً للعمل الصحافي؛ لكنه هجره بعد ترأسه لكثير من الصحف والمجلات، إلى الدراسات الأكاديمية، ليحصل على درجة الدكتوراه في الأدب العرب الحديث، من جامعة إدنبره في اسكوتلندا.
والراحل الذي تنوع إنتاجه في شتى فنون الإبداع، وتُرجمت أعماله فيما بعد إلى لغات عدة، استفاد مما تراكم لديه من موارد وإمكانات لكتابة رواية ليبية خالصة، منبعها الصحراء، ورمزيتها المتاهة الإنسانية؛ لكن لم يتعسف في حق أبطالها، فانتقل بهم إلى عوالم أرحب، وفضاءات أكثر تنوعاً، ما دام ذلك لم يخل بالهوية: «هويتي في نهاية الأمر محمولة معي، ومن خلالها يمكنني أن أكتب أدباً ينتمي إلى البيئة العربية».
حازت مجموعة الفقيه القصصية «البحر لا ماء فيه» المركز الأول، في جوائز اللجنة العليا للآداب والفنون بليبيا، كما تم اختيار روايته، ثلاثية «سأهبك مدينة أخرى» عام 1991، كواحدة من ضمن أفضل مائة رواية عربية. وفي الأخيرة تناول قصة الرجل الشرقي الذي انتقل ليعيش في الغرب بمفاهيم وأفكار وقيم معينة، ليتفاعل مع عالم جديد وسط صراع قيمي بين مخبوء الشخصية، والإرث المجتمعي، وبين الانفتاح على العوالم الأخرى.
التحق الفقيه بسلك التدريس في كثير الجامعات المحلية والعربية، كما شغل مناصب مختلفة خلال التحاقه بالعمل الدبلوماسي؛ لكنه ظل مشغولاً بعالم الرواية، على الرغم مما أنجزه في مجال كتابة «الأوبريت»، والقصة القصيرة.
وفي عام 1999 أنتج الفقيه روايته «حقول الرماد»، وأتبعها بـ«فئران بلا جحور»، ومع عام 2008 أنهى روايته «خرائط الروح» المكونة من 12 جزءاً، استهلها بـ«خرائط الروح 1 - خبز المدينة»، و«خرائط الروح 2 - أفراح آثمة» (...) مروراً بـ«خرائط الروح 5 - زغاريد لأعراس الموت»، (...) وانتهاءً بـ«خرائط الروح 12 - نار في الصحراء».
منح الفقيه نفسه استراحة مؤقتة من الكتابة الروائية ستة أعوام؛ لكنه ادخرها في إنتاج مجموعته القصصية: «في هجاء البشر ومديح البهائم والحشرات» عام 2009. و«جعفر من باكستان»، و«القذافي البداية والنهاية»، و«في هجاء الطغاة»، ثم «قصص من عالم العرفان».
وسريعاً عاد الفقيه إلى عالمه الأرحب، فخرجت روايته «ابنة بانايوتي» 2014، ثم «الحالة الكلبية لفيلسوف الحزب»، وتلاها بـ«الطريق إلى قنطرارة»، وفي عام 2016 كانت روايتاه: «العائد من موته»، و«خفايا القصر المسحور».
ولم يتوقف إنتاج الراحل عند القصة أو الرواية؛ بل كتب للمسرح بالإنجليزية عملاً تحت عنوان «الغزالات»، عرض بداية عام 1992 على مسرح في لندن مدة أسبوعين، وكانت الصحراء هي البطل أيضاً، رمز فيها بجري الإنسان وراء الغزالات في الصحراء، لمن يجري وراء الأوهام والسراب.
وتعد رواية «خالتي غزالة تسافر في فندق عائم إلى أميركا» الصادرة عن سلسلة روايات الهلال في مايو (أيار) بالقاهرة، هي خاتمة أعمال الراحل، ليكمل بذلك 25 رواية، بجانب أكثر من ثلاثين مجموعة قصصية، فضلاً عن خمسين كتاباً تنتمي لأنواع أخرى من الأدب، هي السيرة الذاتية، والتراجم، وأدب الرحلات، والبحوث والدراسات، والمقالات الفكرية والسياسية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».