قامت المسؤولة الرفيعة بوزارة الخارجية الأميركية عن جنوب آسيا، أليس ويلز، بزيارة إلى الهند مؤخراً وجلبت معها بعض السعادة للدبلوماسيين الهنود والبيروقراطيين بشأن قضية النفط الإيرانية. فقد أصرت ويلز على ضرورة خفض واردات النفط من إيران إلى الصفر لتجنب فرض عقوبات، لكنها أكدت أن الاستثمارات الهندية في ميناء «تشابهار» الإيراني قد تستمر.
أشارت ويلز إلى البيان القاطع لوزير الخارجية مايك بومبيو الذي طالب الهند وسبع دول أخرى بخفض وارداتها النفطية إلى الصفر بحلول 2 مايو (أيار) المقبل.
على عكس الصين التي تعد أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، وتركيا التي تعد هي الأخرى مشتريا رئيسيا للنفط الإيراني، لم تعبر الهند عن غضبها أو معاناتها من قسوة الإجراء الأميركي. لكن ما السبب في حالة اللامبالاة من جانب الهند التي تعد ثاني أكبر مشتر للنفط الإيراني في العالم؟ الإجابة: ربما كانت بادرة صبر استراتيجي.
كانت الهند تأمل في إقناع الولايات المتحدة بمنحها المزيد من الوقت، مشيرة إلى أنها قد خفضت بالفعل من وارداتها من إيران. وجادلت نيودلهي أيضاً بأن وقف واردات إيران من النفط في أوج موسم الانتخابات قد لا يكون ممكناً، لكن الولايات المتحدة لم تقتنع بذلك وأصرت على تخفيضها إلى الصفر.
تعد الهند أكبر مشتر للنفط الإيراني بعد الصين. فخلال عامي 2018 – 1919، استوردت الهند 23.5 مليون طن من إيران، وفي العام السابق استوردت 10 في المائة من إجمالي 220.4 مليون طن من وارداتها من النفط الخام من إيران. وقد بلغت قيمة واردات الهند من النفط الخام الإيراني خلال الفترة من أبريل (نيسان) 2018 إلى فبراير (شباط) 1919 نحو 11.42 مليار دولار، بزيادة 11 في المائة عن السنة المالية السابقة.
تأتي خطوة الولايات المتحدة في وقت كان فيه سعر سلة الخام الهندية في ارتفاع، وكانت البلاد في أوج الانتخابات الوطنية.
وأفاد دبلوماسي هندي رفيع، لم يرغب في ذكر اسمه، قريب من مشروع إنشاء ميناء «تشابهار» الإيراني الذي طورته الهند، بأن العقوبات لن تؤثر على الاستثمارات، مشيراً إلى أنه من الواجب أن نضع في الاعتبار أن الهند استثمرت بكثافة في مشروع ميناء «تشابهار»، وأن نيودلهي تأمل في أن يسهل لها هذا الميناء الوصول إلى آسيا الوسطى.
كما أكد المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية رافيش كومار أن الهند كانت «مستعدة للتعامل مع تأثيرات هذا القرار». ورغم عدم الإشارة إلى خيبة الأمل من القرار الأميركي، فقد أشار كومار إلى وقف الاستثناءات الممنوحة لجميع مستوردي النفط الإيراني.
عدم الرضا بين الهند والولايات المتحدة
جاءت مشكلات العقوبات المفروضة على إيران التي كانت الهند طرفاً فيها في وقت برزت فيه مسببات أخرى لتوتر العلاقة بين الولايات المتحدة والهند. فعلى سبيل المثال، برزت خلافات تجارية مع إعلان الإدارة الأميركية اعتزامها سحب المزايا المقدمة للهند بموجب ما يعرف بـ«نظام الأفضليات المعمم» بسبب المخاوف المستمرة بشأن سياسات التجارة والاستثمار الهندية. تنتهي مهلة 60 يوما الممنوحة لاتخاذ قرار نهائي.
في هذا الصدد وفي أول مايو القادم رغم إمكانية تأجيله إلى ما بعد نتائج الانتخابات الهندية في 23 مايو. علاوة على ذلك، فإن واشنطن تبدو غير راضية عن صفقات الهند الدفاعية التي أبرمتها مع روسيا رغم العقوبات الأميركية، التي لم تقتصر فقط على نظام S - 400 بل شملت طرزا أخرى.
في الوقت ذاته، لا تزال صفقات الدفاع مع الولايات المتحدة قيد التفاوض وربما توقفت. كذلك تشعر الهند بقلق إزاء محادثات السلام الأفغانية وما قد تتنازل عنه واشنطن لطالبان وباكستان لإحضارهما إلى طاولة المفاوضات.
ذكر راجيشواري بيلاي راجاجوبلان، زميل مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث، أن «القضية تثير كذلك أسئلة أوسع حول علاقات نيودلهي مع واشنطن. من بين هذه الأمور ما إذا كانت الهند قد أخطأت في تقدير قدرتها على التعامل مع الولايات المتحدة. وبالنظر إلى مركزية الهند في استراتيجية الولايات المتحدة الحرة والمفتوحة في المحيط الهادئ، ربما افترضت حكومة مودي أن الهند ستحصل على إعفاء آخر من العقوبات.
من المحتمل أن يثير قرار الولايات المتحدة بعض ردود الفعل السلبية في نيودلهي، ناهيك عن أسلوب خطاب الولايات المتحدة كشريك غير موثوق به يتعدى على المصالح والسيادة الهندية. وقد ظهرت هذه الديناميكية في أوقات سابقة كلما توترت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند».
وتسعى الهند لتعزيز علاقاتها مع منتجي النفط الخام في غرب آسيا مثل السعودية والكويت والإمارات للحصول على كميات إضافية بشروط مماثلة لعقودها السنوية في محاولة لتجنب أي ارتفاع حاد في أسعار النفط المحلية.
وفي الوقت نفسه، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها ستسعى لضمان استمرار الهند في الحصول على النفط بأسعار معقولة. يقول المطلعون إن الولايات المتحدة قد تقدم النفط والغاز إلى الهند بشروط ميسرة من احتياطاتها الخاصة لمساعدة الهند على عدم المطالبة بتنازلات فيما يخص العقوبات الإيرانية التي ستحرم الهند مما يقرب من 10 في المائة من واردات الخام الذي تحصل عليه من إيران.
كما ألمحت الولايات المتحدة إلى أنها طالبت المنتجين الرئيسيين للطاقة، بما في ذلك الإمارات والسعودية، بتوفير إمدادات نفط مستقرة لجميع الدول الصديقة والحليفة.
ماذا بعد انتهاء تنازل الولايات المتحدة؟
قال السفير الهندي السابق تاليمز أحمد: «رغم أن الهند قد لا ترغب في الإعلان رسمياً عن إيقاف وارداتها من النفط الإيراني تماماً، فإن الظروف قد لا تكون مواتية من الناحية اللوجيستية لمواصلة الاستيراد في الوقت الحالي».
الهند لا ترغب في خسارة السوق الإيرانية التي تربطها بها علاقات تقليدية، وإن كان هذا لا يعني أن الهند يمكن أن تستمر في تبني الاستراتيجية نفسها التي اتبعتها قبل عام 2015 عندما أثرت العقوبات التي فرضها الغرب على إيران على إمدادات النفط».
قد يعني هذا أن الهند ربما تلجأ لحسابات لضمان السداد مقابل واردات النفط الخام، وربما بالروبية، وقد تخفض وارداتها قليلاً ولكن من غير المرجح أن توقف وارداتها النفطية من إيران تماماً.
كشفت مجموعة «أورآسيا» في مذكرة بحثية أن «نيودلهي ستخفض وارداتها بشكل كبير، لكن من المحتمل أن تحتفظ بنحو 100.000 برميل يومياً من الواردات الإيرانية المدفوعة مقابل استخدام نظام دفع الروبية، وهو قرار سياسي أكثر منه اقتصادي متعلق بأمن الطاقة.
هل يمكن إذن أن تنشأ مشكلة بالنسبة للهند حال تعاملت مع دول أخرى مثل الصين؟ هل ستتأثر سلباً بالحظر الأميركي؟ قد يمهد ذلك الطريق لقيام تحالف هائل لن يكون رهينة لأهواء دولة قوية. ذكر الصحافي سانديب ديكشيت أن الهند والصين يمكن أن تظهرا قدراً من التحدي رغم تقليصهما لواردات الخام الإيراني.
الهند بين الاستجابة لحظر استيراد النفط الإيراني وتحديه
واشنطن طالبت نيودلهي بوقف استيراد النفط الخام من طهران بشكل قاطع
الهند بين الاستجابة لحظر استيراد النفط الإيراني وتحديه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة