ثورات الشّعوب ليست مجرد وقائع عابرة تنتهي بمرور الزمن، لكنّها بمثابة ذاكرة وطنية للبلدان تخلّدها الأعمال الفنية والأدبية والثّقافية والكتب والمراجع التاريخية. وعلى الرّغم مما شهدته مصر من أحداث بارزة خلال عصرها الحديث، فإنّ ثمة اتفاقاً بين المؤرخين على أنّ ثورة 1919 كان لها دور بارز في تغيير النّمط الاجتماعي في مصر، لا سيما على مستوى الطّبقات الفقيرة بل النّخبة أيضاً التي كانت تقود الحراك الشّعبي للاستقلال عن الاحتلال الإنجليزي.
واحتفالاً بمئوية ثورة 1919 أصدر حزب «الوفد» المصري، أخيراً، سجلاً وثائقياً مميزاً عن الثّورة، سماه «الثورة الأم» قدّم فيه رصداً دقيقاً للأحداث والوقائع التي ترتّبت عليها حتى اندلاع ثورة 1952.
ويسرد السّجل الوثائقي «الثورة الأم»، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، تفاصيل الثورة، عبر نشر مجموعة من الصور النادرة لميادين مصر وشوارعها في أثناء الثورة، بجانب صور مميزة أخرى لقائد الثّورة الزّعيم سعد زغلول في مواقع وأزمان مختلفة، ورسوم كاريكاتيرية له تحتفي بمواقفه السياسية الوطنية والتفاف الشّعب حوله. واهتم السّجل كذلك بنشر مجموعة من الصور المتنوعة للسيدة صفية هانم زغلول، حرم سعد باشا.
أبرز الكتاب المصوّر في أول فصوله، حكاية بيت سعد زغلول الذي تحوّل فيما بعد إلى متحف في منطقة المنيرة بوسط القاهرة، بعنوان «بيت الأمة... المكان والمكانة». ويسرد مؤلف الكتاب الصّحافي المصري شريف عارف، الذي سبق له تأليف عدة كتب وثائقية تاريخية، قصة تسمية البيت بهذا الاسم قائلاً: «عقب اللقاء التاريخي بين سعد زغلول والمندوب السامي البريطاني، يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1918، استقبل سعد باشا في بيته 4 رجال من الحزب الوطني، وناقشوه في صيغة التوكيل، واشتدوا في مناقشته، حتى اضطر إلى تذكيرهم بأنّهم (في بيته)، وهنا ردّ عليه أحدهم، بأنّهم يعتبرون أنفسهم في (بيت الأمة) لا في بيت سعد باشا الخاص. ومنذ تلك اللحظة أُطلق على بيت سعد هذا الاسم».
ويقدم الكتاب عدة صور نادرة لبيت الأمة التاريخي وتماثيل سعد باشا، وصورة مميزة تجمع الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود مع الزعيم سعد زغلول، وصورة تجمع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود مع مصطفى النحاس باشا، إضافة إلى صورة تعود إلى عام 1937 للزعيم مصطفى النحاس وهو يتوسّط الزّعيم الهندي جواهر لال نهرو، أحد زعماء حركة الاستقلال في الهند، وأنديرا غاندي، اللذين أصرّا على زيارة بيت الأمة، والوقوف في شرفة مكتب الزعيم سعد زغلول. من ثمّ أفرد الكتاب فصلاً كبيراً لأحداث الثورة، خصوصاً مظاهر الغضب التي اجتاحت المدن المصرية عقب نفي سعد زغلول. إضافة إلى عدد من المنشورات «النادرة» التي أصدرها التنظيم السّري لتثقيف المصريين عام 1919.
وقدّم كذلك فصلاً عن مشاركة المرأة في الثّورة تحت عنوان «نون الحرية»، كما احتفى بصور «أم المصريين» صفية هانم زغلول، وهدى هانم شعراوي مؤسِّسة الاتحاد النسائي. بجانب فصل آخر عن الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط خلال الثورة، تحت عنوان «الدين لله والوطن للجميع». وعن هذا الأمر، ذكر الكتاب: «كان انضمام الأقباط إلى الثّورة مفاجأة مذهلة للإنجليز... كانوا يتوقّعون أن يقف الأقباط ضدّ الثّورة ويطلبوا حماية الإنجليز». وأكمل السّجل الوثائقي فصوله بالتطرق إلى «عبقرية المقاومة»، و«الاستقلال السياسي والاقتصادي»، الذي نتج عن ثورة 1919. واختتم الكتاب فصوله بالحديث عن الكفاح المسلح، الذي استمر حتى اندلاع ثورة 1952 عبر نشر مجموعة من الصّور لمانشيتات الصّحف المصرية التي كانت تبرز العمليات الفدائية ضدّ الإنجليز في منطقة القنال ومناطق أخرى من مصر.
من جهته، يقول الكاتب الصحافي شريف عارف، مؤلف «الثورة الأم»، لـ«الشرق الأوسط»: «ذكرى مرور 100 عام على ثورة 1919، دفعتني إلى التفكير في تأليف هذا الكتاب، خصوصاً أنّني مهتم بجمع الوثائق التاريخية، بجانب شغلي منصب مقرر لجنة الإعلام». وأضاف: «عرضت في البداية فكرة الكتاب على الدكتور هاني سري الدين، سكرتير عام حزب الوفد، الذي تحمّس للفكرة بشدّة، خصوصاً بعد مشاهدته عدداً كبيراً من الصور الوثائقية التي أحتفظ بها».
ولفت عارف إلى أنّه أبرز الصورة في هذا السجل على حساب الكلمة، لتأخذ الجانب الأكبر منه، فبينما وضع شرحاً مقتضباً لأحداث وصور الفصول التي ساقها الكتاب في صفحات الجانب الأيمن اهتمّ بنشر الصور على الجانب الأيسر الذي يجذب العين.
وأوضح عارف أنّ تلخيص الأحداث والوقائع السياسية في عدد محدود من الكلمات كان من أكثر الصّعوبات التي واجهته خلال تنفيذ هذا العمل.
وعلى الرّغم من تطرق عدد كبير من الأعمال الدرامية المصرية لأحداث ثورة 1919 وإبراز المقاومة الشّعبية بها، فإنّ عارف يرى أنّها تناولت قصة التنظيمات السّرية بشكل غير كافٍ، يقول: «نشرت عدداً من المنشورات التي كانت توزَّع في الشوارع المصرية خلال الحراك السياسي إبان الثورة لتوعية المواطنين المصريين بأهمية قضية الاستقلال، وتكمن أهمية عرض هذه المنشورات ضمن فصول الكتاب في أنّها كانت مجرد أوراق وليست كتباً أو مجلات أو صحفاً موجودة في مراكز توثيق، حيث لم يحتفظ بها إلّا عدد قليل من المثقفين». موضحاً أنّ السياسي البارز الراحل الدكتور رفعت السّعيد، قد أمدّه بنسخ نادرة من تلك المنشورات.
كتاب «الثورة الأم» ليس ألبوماً فوتوغرافياً مصوراً، كما يقول عارف، بل هو «قطعة وثائقية تسجّل وقائع وأحداث تمثل ذاكرة الأمة، إلى جانب رصد ما نتج عن هذه الثّورة ثقافياً واجتماعياً وفنياً، فتأثير الثّورات ليس حدثاً آنياً عابراً، بل يتضمّن ظواهر وتغييرات طويلة المفعول».
حزب «الوفد» المصري يسرد وقائع ثورة 1919 بسجل مصوّر
«الثورة الأم» يحتفي بنتائجها السياسية والثقافية والفنية

الملك سعود وسعد زغلول - الملك فيصل والنحاس باشا
حزب «الوفد» المصري يسرد وقائع ثورة 1919 بسجل مصوّر

الملك سعود وسعد زغلول - الملك فيصل والنحاس باشا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة