للمرة الثالثة في أقل من 4 سنوات، تذهب إسبانيا، اليوم (الأحد)، إلى انتخابات عامة يفترض أن تحلحل عقدة الحكم المتأرجح على شفا تحالفات هشة غير طبيعية منذ مطلع الصيف الماضي، لكنها تبدو مرشحة هذه المرة أيضاً لكي تتمخض عن مراوحة جديدة حول المعادلة السائدة، لو استثنينا الصعود القوي لليمين المتطرف الذي سيدخل البرلمان للمرة الأولى منذ وفاة الجنرال فرنكو.
حتى الآن، كانت إسبانيا الوحيدة بين الدول الأوروبية الخمس الكبرى التي لم تجرب الحكومات الائتلافية منذ استعادة النظام الديمقراطي مطلع ثمانينات القرن الماضي، لكن انتخابات اليوم ستدفعها إلى عبور يبدو حتمياً للعتبة المؤدية إلى المشهد السياسي السائد في أوروبا بعد أزمة عام 2008 المالية، وتداعياتها التي ما زالت تقوض المعادلات الاجتماعية والسياسية التي استقرت في البلدان الأوروبية طوال العقود الماضية. وإسبانيا هي أيضاً الوحيدة بين الدول الأوروبية التي لم يدخل اليمين المتطرف بعد إلى برلمانها، لكنها باتت على وشك أن تنهي هذه «المفارقة» التي أصبحت لازمة في معظم البرلمانات الأوروبية.
ويكفي إلقاء نظرة على أرقام كل الاستطلاعات خلال الحملة الانتخابية للتأكد من أن الحكومة الائتلافية هي السبيل الوحيد الممكن لحل عقدة التشكيل التي استدعت تكرار الانتخابات منذ عامين، والخروج من دوامة الحكومات غير المستقرة التي أهدرت فرصاً إنمائية ثمينة، وأضعفت النسيج السياسي في السنوات الأخيرة.
وترجح استطلاعات الرأي عودة الحزب الاشتراكي إلى صدارة القوى السياسية الإسبانية، بعد 3 سنوات من وصوله إلى أدنى مستويات شعبيته، لكن دون الحصول على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده، بحيث سيجد نفسه مضطراً للدخول في ائتلاف مع غريمه اليساري «بوديموس» الذي يصر اليوم على الحصول على حقائب وزارية، كشرط لتأييد حكومة ائتلافية مع الاشتراكيين الذين يسعى إلى احتلال موقعهم منذ تأسيسه. كما يستدل من الاستطلاعات على أن الحزب الشعبي قد يصاب بهزيمة مؤلمة نتيجة الظهور القوي لليمين المتطرف، ممثلاً بحزب «بوكس»، وذلك رغم جنوحه إلى اليمين بعد تغيير قيادته أواخر العام الماضي.
ومن المتوقع أن تسفر هذه الانتخابات عن مزيد من التشرذم بين القوى السياسية الممثلة في البرلمان، خلافاً لما تميز به المشهد السياسي منذ عودة الديمقراطية حتى مطالع هذه القرن، مما دفع بزعماء الأحزاب في الشوط الأخير من الحملة الانتخابية إلى العودة عن المواقف المتشددة من التحالفات، والانفتاح على إمكانات الدخول في اتفاقات ائتلافية لتشكيل حكومة مع القوى المتقاربة. فقد أعلن الزعيم الاشتراكي بيدرو سانتشيز، الذي يرأس الحكومة الحالية، أنه لا اعتراض لديه على تقاسم الحقائب الوزارية مع حزب «بوديموس»، كما يصر زعيمه بابلو إيغليسياس، لتشكيل حكومة ائتلافية. لكن من المستبعد أن يحصل هذا الائتلاف بين الحزبين اليساريين على الأغلبية الكافية بالبرلمان، وسيكون مضطراً للتفاوض مع الأحزاب القومية في بلاد الباسك وكاتالونيا، وذلك في ذروة احتدام الأزمة الانفصالية التي ستبقى الملف الأكثر تعقيداً أمام الحكومة المقبلة.
أما الحزب الشعبي الذي يرجح أن يخسر موقع قيادة القوى اليمينية والمحافظة، فقد أعلن زعيمة بابلو كاسادو أنه في حال فوز اليمين مجتمعاً، سيقترح على حزب «بوكس» اليميني المتطرف الدخول في حكومة ائتلافية، على غرار ما حصل في الأندلس مؤخراً، عندما خسر الاشتراكيون الانتخابات الإقليمية للمرة الأولى في تاريخهم، وتشكلت حكومة يرأسها الحزب الشعبي، بالتحالف مع «بوكس» وحزب «مواطنون». الامتحان الحقيقي الذي سيواجه القوى السياسية بعد هذه الانتخابات التي ستنذر نتائجها بما ستؤول إليه الانتخابات الأوروبية أواخر الشهر المقبل، هي قدرة الأحزاب الإسبانية على إيجاد قواسم مشتركة لتشكيل حكومة مستقرة قادرة على توفير قاعدة توافقية واسعة لمعالجة الأزمة الانفصالية الكاتالونية التي ستعود إلى التفاعل بقوة في الأشهر المقبلة، بعد انتهاء محاكمة الزعماء الانفصاليين، وصدور الأحكام في حقهم. لكن هذه المهمة دونها صعاب وعقبات كثيرة، نظراً للتوتر الشديد الذي يسيطر على الأجواء السياسية، وعلى العلاقات المتدهورة بين الأحزاب منذ سنوات، التي تفاقمت مع اندلاع الأزمة الانفصالية الكاتالونية التي بدل أن تدفع بالقوى السياسية إلى التقارب والتوافق حول تصور موحد لمواجهتها، عمقت الشرخ بينها، وأعادت البلاد إلى مناخ لم تشهده منذ نهاية النظام الديكتاتوري، منتصف سبعينات القرن الماضي.
ومما يزيد الوضع تعقيداً، إضافة إلى حساسية القوى السياسية تجاه تجربة الحكومات الائتلافية التي لم تجربها منذ عقود، رغم عدم توفر أغلبية كافية في البرلمان لمرات عدة، أن الأحزاب الإقليمية، خصوصاً الكاتالونية منها، التي لا تزيد نسبة تمثيلها البرلماني على 10 في المائة، ستبقى لها الكلمة الفصل في ترجيح كفة التحالفات الحكومية، رغم أن جنوحها لدعم ائتلاف يميني يبدو مستبعداً في الظرف الراهن بسبب صعود اليمين المتطرف، وموقف الحزب الشعبي المتشدد من توسيع صلاحيات الحكومات الإقليمية عموماً، ومن المطالب الانفصالية بشكل خاص.
وتجدر الإشارة إلى أن «بوكس» تطرح في برنامجها إلغاء الحكومات الذاتية في الأقاليم التاريخية، التي يقوم عليها النظام الدستوري الإسباني الذي توافقت عليه الأحزاب السياسية لإنهاء النظام الديكتاتوري واستعادة الديمقراطية.
وقد حذر الاشتراكي بيدرو سانتشيز، في مهرجانه الانتخابي الأخير، من أن «النصر لن يكون كافياً للعودة إلى الحكم»، في محاولة لاستمالة الناخبين الذين عادة ما يحسمون أمرهم في الساعات الأخيرة، والذين تقدر نسبتهم بنحو 25 في المائة، وغالباً ما تؤدي أصواتهم إلى ترجيح كفة معسكر على الآخر.
- تضامن بين قوى اليمين المتطرف في إيطاليا وإسبانيا
يقود ماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي زعيم رابطة الشمال، محاولات لتوحيد الأحزاب الشعبوية اليمينية بأوروبا في مجموعة واحدة لزيادة تأثيرها في الاتحاد الأوروبي بعد انتخابات البرلمان الأوروبي، المقررة في مايو (أيار) المقبل. وأعرب سالفيني عن تأييده لحزب «بوكس» الإسباني اليميني المتطرف قبل بدء الانتخابات العامة الإسبانية.
وقال سالفيني إن «بوكس» والرابطة لديهما أهداف مشتركة، من بينها منع الهجرة غير الشرعية، وحماية أوروبا من الإرهاب والتطرف الإسلامي، والدفاع عن قيم الأسرة. وفي رسالة على موقع «فيسبوك»، في وقت متأخر من يوم الجمعة، قال سالفيني إنه يتمني أن يتمكن زعيم حزب «بوكس»، سانتياغو بسكال «وكل الأصدقاء من (بوكس) من أن يحققوا لإسبانيا التغيير نفسه الذي حققه حزب الرابطة لإيطاليا». وكتب سالفيني: «عزيزي سانتياغو، أثق أنه في يوم الأحد، سيمنح الإسبان نتيجة رائعة لحزب (بوكس)، لكي تنتصر أيضاً الفطرة السليمة والتغيير والمستقبل». ويتولى حزب «الرابطة»، بقيادة سالفيني، وهو حزب قومي مناهض للهجرة، السلطة في إيطاليا منذ يونيو (حزيران) الماضي، في حكومة ائتلافية مع حزب النجوم الخمس المعارض للمؤسسات الرسمية.