السعودية ترفع درجة تحوطها لمنع دخول الأمراض الوبائية عبر المطارات والموانئ

وصول 27 رحلة للحجاج إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي

«جوازات» مطار المدينة.. ووصول أول دفعة من الحجاج (واس)
«جوازات» مطار المدينة.. ووصول أول دفعة من الحجاج (واس)
TT

السعودية ترفع درجة تحوطها لمنع دخول الأمراض الوبائية عبر المطارات والموانئ

«جوازات» مطار المدينة.. ووصول أول دفعة من الحجاج (واس)
«جوازات» مطار المدينة.. ووصول أول دفعة من الحجاج (واس)

رفعت الجهات الرقابية في المطارات الدولية بالسعودية درجة تحوطها لمنع دخول الأمراض الوبائية، مع وصول أولى رحلات الحجاج إلى المطارات والموانئ في البلاد، وفي مقدمة تلك الأمراض فيروسا «كورونا» و«إيبولا».
وأوضح الدكتور سامي باداود، مدير الشؤون الصحية بمحافظة جدة، أن وزارة الصحة عملت على زيادة إجراءات المراقبة الصحية في مراكز المراقبة الصحية بمطار الملك عبد العزيز الدولي وميناء جدة الإسلامي، تحسبا لدخول أي حالات مرضية معدية أو وبائية بين حجاج بيت الله الحرام القادمين عبر هذين المنفذين، مشيرا إلى أن مراكز المراقبة الصحية تتابع على مدار الساعة الحالات الصحية للحجاج والقادمين، لمنع دخول الحالات المصابة بالأمراض الوبائية الخطيرة.
وبيّن أن جميع المرافق الصحية في جدة تقدم خدماتها لحجاج بيت الله الحرام على مدار 24 ساعة، مع الاهتمام بالجوانب الوقائية، حيث تحرص المرافق الصحية على أن يكون الحاج قد أخذ لقاح الحمى المخية الشوكية، ولقاح مرض الكوليرا، وكذلك شلل الأطفال، والحمى الصفراء، وحمى الضنك، مع التركيز على برامج التوعية الصحية والتثقيف الصحي لتوعية الحجاج، وجرى تطعيم العاملين بمستوصف حجاج البحر والعاملين بصالة الركاب بالميناء، وكذلك العاملون بمراكز المراقبة الصحية بالمطار من موظفي الجهات الحكومية والقطاع الخاص ضد الحمى الشوكية والإنفلونزا الموسمية.
من جانبها، رفعت الهيئة العامة للطيران المدني درجة استعدادها لاستقبال رحلات موسم حج العام الحالي، حيث بدأت الرحلات تتوافد تباعا إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، بمعدل ست رحلات في الساعة، ليصل إجمالي عدد الرحلات، خلال 24 ساعة، إلى 144 رحلة.
وقال الدكتور فيصل الصقير نائب رئيس الهيئة العامة للطيران المدني: الهيئة تعمل وفق الخطة التشغيلية لموسم حج هذا العام (1435هـ)، وجرى توفير التجهيزات والاستعدادات كافة في مجمع صالات الحج والعمرة بمطار الملك عبد العزيز الدولي»، مشيرا إلى استعدادات المطار والجهات الحكومية العاملة بالمجمع لمرحلة قدوم الحجاج، والعمل على إنهاء إجراءاتهم بأسرع وقت، عبر «الكاونترات» المعدة لذلك، التي يبلغ عددها 142 «كاونتر» للجوازات و158 «كاونتر» لإنهاء إجراءات السفر، و120 «كاونتر» لوزارة الحج، و240 «كاونتر» لمكتب الوكلاء الموحد، وهي التجهيزات التي يحتويها مجمع صالات الحج والعمرة بالمطار، بالإضافة إلى 16 نقطة تشغيلية للجمارك، و10 سيور للحقائب، و90 موقفا للحافلات، و40 موقعا عبارة عن مصليات بمناطق الانتظار، كما تتسع ساحة وقوف الطائرات رقم 6 ورقم 7 لعدد 47 طائرة في وقت واحد.
تجدر الإشارة إلى أن مجمع صالات الحج والعمرة بمطار الملك عبد العزيز الدولي يتميز عن غيره من المطارات الأخرى، حيث جرى تجهيزه بكامل المرافق في وضعية القدوم فقط، بدءا من غرة ذي القعدة وحتى السادس من شهر ذي الحجة، ثم سيجري إعادة تجهيزه مرة أخرى في وضعية المغادرة فقط بكامل مرافقه، بداء من 14 من شهر ذي الحجة وحتى 15 من شهر محرم، علما بأن الطاقة الاستيعابية لمجمع صالات الحج والعمرة، تبلغ في أوقات الذروة 3800 حاج في الساعة خلال مرحلة القدوم، و3500 حاج في الساعة في مرحلة المغادرة.
وكانت إدارة المطار والأجهزة الحكومية كافة قد أنهت منذ وقت مبكر الترتيبات والاستعدادات اللازمة لتقديم أفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام كافة، وإنهاء إجراءاتهم بكل يسر وسهولة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)