احتدام السجال بين «التيار» و«القوات» بعد تسريب المحادثات الأميركية

TT

احتدام السجال بين «التيار» و«القوات» بعد تسريب المحادثات الأميركية

عاد السجال بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» إلى ما كان عليه قبل توقيع اتفاق معراب بينهما في العام 2016، فالحزبان اللذان حاولا طوال الفترة الماضية احتواء خلافاتهما، يبدو أنهما يستعدان لمرحلة جديدة من المواجهة يعتمدان فيها الخطاب العالي النبرة.
فقد احتدمت الأمور بين الطرفين في الجلسات الحكومية الأخيرة سواء خلال مناقشة خطة الكهرباء أو خلال تصدي وزراء «التيار» لطلب وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق، المحسوبة على «القوات»، تشكيل لجان داخل الوزارة لتسيير عملها. لكن الخلاف وصل في الأيام الماضية إلى حدود غير مسبوقة منذ سنوات بعد تسريب محضر اجتماع نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني (القواتي) ووزير الاقتصاد منصور بطيش بنائب وزير الخزانة الأميركي مارشال بيلنغسلي في واشنطن، وانتقاد «القوات» الموضوع واتهام أحد نوابها وزارة الخارجية بتغطية التسريب، كما بعد تصريحات وزير الدفاع إلياس بوصعب الأخيرة من جنوب لبنان الذي اعتبر أن الوقت غير مناسب للبت بالاستراتيجية الدفاعية ما دامت هناك مخاطر إسرائيلية.
ولعل الحملة الأعنف على «التيار الوطني الحر» والرئيس ميشال عون هي التي تولاها النائب في كتلة «القوات» زياد حواط الذي عدد ما قال إنها «إنجازات» العهد، معتبرا أن «وزارة الخارجية تغطّي تسريبات محادثات وفد لبناني رسمي في واشنطن، وزارة الدفاع تؤكد أن لا حاجة لاستراتيجية وطنية دفاعية ووزارة المهجّرين تتخبّط في تدعيم عودة المهجّرين وتثير الخوف في نفوسهم».
ورد وزير المهجرين غسان عطالله المحسوب على «التيار الوطني الحر» على حواط قائلا: «لا أستغرب ما قاله زياد حواط، لأن القصة قصة مدرسة وطنية وتربية، فيمكن أن يكون الإنسان شفافا وصادقا ويضع إصبعه على الجرح، ويمكن أن يكون كاذبا مدى الحياة. هذا تاريخكم وهذا أنتم وهكذا سيكون مستقبلكم».
من جهة أخرى، حثّ نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني على ضرورة إجراء تحقيق موسع في التسريبات من منطلق أنها لا تعنيه شخصيا فقط إنما تعني أكثر من شخص ومسؤول، ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك «خللا في المنظومة الدبلوماسية ينبغي على وزارة الخارجية باعتبارها المعنية الأولى بالموضوع التحقيق فيه ومعالجته كما بإمكانها الاستعانة بالأجهزة المختصة لهذا الغرض».
وقال حاصباني: «لا يجوز التعاطي مع ما حصل كحادث عابر خاصة أنه يضع مصداقية الدولة على المحك لأن السلك الدبلوماسي يعد عادة محاضر جلسات يعتبر أن فيها حديثا أساسيا ومهما ويرسلها إلى وزارة الخارجية وبالتالي يتوجب حماية هذه المحاضر الرسمية من التسريب».
كما استهجنت مصادر مقربة من «التيار الوطني الحر» دخول بعض نواب ووزراء حزب «القوات» والنائب في الحزب «التقدمي الاشتراكي» مروان حمادة في حملة «مهاترات سياسية» في موضوع تسريبات اللقاء الذي عقده حاصباني وبطيش مع أحد المسؤولين الأميركيين في واشنطن، مشددة على أن المنطق يقول بالالتزام بالآليات القانونية والدستورية من خلال توجيه سؤال عبر مجلس النواب أو الحكومة بهذا الخصوص، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «وزير الخارجية ليس معنياً بالخروج للإعلان عن تحقيق يجريه بهذا الشأن داخل وزارته، فهل يخرج أي وزير آخر ليعلن ما إذا كان يقوم بتحقيق إداري داخل وزارته في قضية معينة؟».
ورغم تأكيد «التيار» و«القوات» عدم رغبتهما باستمرار السجال بينهما فإن الطرفين لا يتوانيان عن الرد بلهجة مرتفعة على بعضهما البعض. ففيما أكدت مصادر «القوات» لـ«الشرق الأوسط» أنها «لا تهوى السجالات وأن الردود على وزير الدفاع كان لا بد منها للتأكيد على موقفنا وموقف الدولة من ملف الاستراتيجية الدفاعية وسلاح (حزب الله) لتفادي التمادي بالموضوع أو العودة بنا إلى زمن ولّى»، وشددت مصادر مقربة من «التيار» على أن آخر ما تريده هو الدخول في سجال جديد مع «القوات»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ما قاله وزير الدفاع بخصوص وضع الجيش و«حزب الله» ينسجم مع المسار السياسي للتيار الوطني الحر الذي هو جزء من الخط الداعم للمقاومة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».