سنوات السينما: Birth of A Nation (1915)

مولد أمّـة
مولد أمّـة
TT

سنوات السينما: Birth of A Nation (1915)

مولد أمّـة
مولد أمّـة

Birth of A Nation (1915)
رسالة غريفيث العنصرية في ثوبها الفني
في حين أن فيلم ديفيد وورك غريفيث «مولد أمّة» إنجاز فني بديع ومهم، هو أيضاً فيلم عنصري واضح وغير مقبول. لذلك أثار منذ عروضه الأولى في العام 1915 الإعجاب والرفض في وقت واحد. الناحية الفنية ألهمت السينما بأسرها. إبداع غير مسبوق على صعيد الإخراج ولغته التقنية الفريدة. ومضمون عنصري وصم الفيلم إلى اليوم كأحد أوضح نماذج هوليوود في هذا المضمار.
تم اقتباسه عن مسرحية وضعها المبشّر توماس ف. ديكسون سنة 1905 تحت عنوان The Clansman. ولم يسع غريفيث ولا شريكه في كتابة السيناريو فرنك وودز للتخفيف من حدته العنصرية بل حافظ عليها شاحنا العواطف العنصرية بين جمهور من المتطرّفين البيض ما أدّى إلى حوادث فعلية سقط فيها مواطنون أبرياء بسبب لون بشرتهم السوداء.
يفتح «مولد أمة» بتمهيد يُصوّر وصول السود عبيداً إلى الولايات المتحدة في القرن السابع عشر وكيف أن إحضارهم إلى الولايات المتحدة، كما تقول لوحة تعليق تظهر على تلك المشاهد: «زرع البذرة الأولى للانشقاق». بعد ذلك مشاهد لبيع الرقيق في الجنوب وصولاً إلى مناداة البعض في القرن التاسع عشر بتحرير العبيد. كل هذا يدلف بنا إلى عائلتين هما عائلة ستونمان المنفتحة على مبدأ تحرير العبيد وعائلة كاميرون المناوئة. جيران الأمس يتحولان إلى عدوّين. فابن عائلة ستونمان سينضم للاتحاديين وابن عائلة كاميرون سيقاتل في جيش الجنوب. في نهاية الفيلم سيتواجهان. الأول وهو مصاب يلفظ النفس الأخير والثاني قبل أن تقتله رصاصة فيسقط قرب الأول.
يلم الفيلم بأوضاع العبيد (نراهم سعداء يعبرون عن ذلك بالرقص والغناء) كما يلم بالوضع السياسي داخل الكونغرس الذي أدّى إلى اشتعال الحرب الأهلية. يأتي تقديم الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن مصحوباً بعبارة تقول: «ضعف القائد العظيم سوف يُبلي الأمّة». وللبرهنة على ذلك، يصوّر الفيلم الحرب الأهلية التي قسمت البلاد ومن عليها ثم ما حدث عندما تغلب الجيش الاتحادي على الجيش الجنوبي (الذي انطلق محاربا دعوات المساواة ونبذ العبودية) فدخل الجنود السود مدن الجنوب لينهبوا البيوت ويقتلوا المواطنين وليغتصبوا النساء. بعضهن أمضى غريفيث وقتا طويلاً يقدمهن كفتيات جميلات الملامح والروح. بريئات من كل ذنب وفراشات رقيقة لم تكن تتوقع يوماً أن تصبح ضحية مهددة من قبل من صوّرهم غريفيث كوحوش بشرية.
وهناك ذلك المشهد الدال الذي يترصّد فيه جندي أسود (استخدم غريفيث ممثلين من البيض صبغوا وجوههم) بالفتاة فلورا (ماي مارش) وهي وحيدة في بعض الأحراش ويطاردها ما يؤدي بها إلى إلقاء نفسها من صخرة عالية (الموت دفاعاً عن الشرف). هذا ما عزز لدى المشاهدين البيض الشعور بالحاجة إلى منظّمة بيضاء يمينية تعيد النظام الأبيض إلى المجتمع وتفرض حظراً على ما لا تحمد عقباه فيما لو بقي الحبل الاجتماعي ليبرالياً فالتاً.
وما يلبث الخلاص أن يأتي بالفعل من منظمة «كوكلس كلان» التي تدخل البلدة المهددة وتنقذ أهاليها من الخطر المحدق.
سبق لغريفيث أن أخرج أفلاماً قصيرة دارت أحداثها عن الحرب الأهلية الأميركية من بينها «في كنتاكي القديمة» In Old Kentucky سنة 1909 حيث أدان القتال بين الأخوة لكنه اصطف لجانب الانفصاليين في الجنوب الأميركي ضد الجيش الفيدرالي. هنا، في «مولد أمّة» نراه يدعو إلى ترحيل السود إلى ليبيريا، ومع أنه نكر بعد سنوات أنه كان عنصرياً، إلا أن اختياره للموضوع والفيلم نفسه خير شهادة على موقع القلب في هذه الحالة.
لكن غريفيث أراد التأكيد على منحاه الإنساني فحقق في العام التالي «تحمّـل» Intolerance الذي ناقض فيه رسالته هنا من دون العودة إلى إطار الحرب الأهلية الأميركية. تبعاً لهذا الفيلم أنتجت مجموعة من السينمائيين الأفرو - أميركيين في سنة 1919 فيلما بعنوان «مولد عنصر» (Birth of a Race) أخرجه إميت ج. سكوت‪.‬ وحقق المخرج أوسكار ميشو فيلمين مناوئين هما «المتوطن» The Homesteader في العام ذاته و«داخل بوّاباتنا» Wihtin Our Gates في العام التالي.
قيمة تاريخية (تحفة)
قيمة فنية:(تحفة)



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.