ربيع كيروز يدشّن داره الجديدة ويحتفل بمرور 20 سنة على دخوله عالم الأزياء

وأنت تدخل دار ربيع كيروز الجديدة في شارع الجميزة في بيروت، تشدّك رائحة زهر الليمون المفروش على جوانب أدراجها الحجرية التي توصلك إلى مدخلها الرئيسي.
ومن على شرفاتها الضيقة المطلة على أحياء هذا الشارع التراثي الشهير في العاصمة اللبنانية، تلوح أمامك قصة نجاح مصمم لبناني وصل للعالمية بعد 20 سنة من المثابرة والجهد.
وما أن تخطو نحو بهو الدار حتى تنبهر بلوحات معمارية تكسو هذا البيت من رأسه حتى أخمص قدميه. فأسقفه المزخرفة برسوم محفورة بدقّة بين ثنايا الجص الأخضر وجدرانه المشبعة بتاريخ بيت عريق يعود إلى آل داغر بُني في عام 1890، تشكّل مشهدية شبيهة بواحدة من قصص «ألف ليلة وليلة»، وقّعها هذه المرة ربيع كيروز بشغف. فهو احتفل وعلى مدى يومين متتاليين بتدشين هذه الدار وبمرور 20 سنة على دخوله عالم تصميم الأزياء، وكذلك لانتسابه إلى غرفة نقابة الخياطة الراقية الفرنسية. فمنح داره «ميزو ربيع كيروز» علامة «الهوت كوتور» واختارته عضواً دائماً في أسابيع «الهوت كوتور» الفرنسية ليكون بذلك أول مصمم في لبنان والشرق الأوسط يتمتع بهذه التسمية.
«منذ أن رأيت هذه الدار أغرمت بها، وكان ذلك أثناء زيارتي لمعرض تطريز أقيم بها». يروي ربيع كيروز في حديث لـ«الشرق الأوسط» أجرته معه في إحدى غرف الدار الـ16. ويضيف: «غمرني هذا المنزل بدفئه؛ فأبوابه البيضاء وقناطره الموزعة هنا وهناك زوّدتني وفريق عملي بحب من نوع آخر. صحيح أنّني اليوم احتفل بمرور 20 سنة على دخولي عالم تصميم الأزياء، إلا أنني أشعر وكأنني أقف أمام بداية جديدة ينتظرني فيها الكثير. كما أن الخوف والرّهبة والتردد يسكنونني دائماً، وكأني طفل صغير ما زلت أتمتع بهذه الأحاسيس حتى الساعة؛ وهو ما يجعل مسؤوليتي تجاه بلدي لبنان أكبر».
جمع كيروز في أول يوم احتفال أقامه في داره الجديدة فريق عمله الخاص الموزع بين بيروت وباريس وعددهم نحو 26 شخصاً. كما آثر أن يفتتحه على مائدة عشاء أنيقة رتبّها بأنامله مع أصدقائه المقربين ومع كل شخص لعب دوراً في مسيرته المهنية. «هذا الحفل هو بمثابة تكريم لهذا الفريق ولكل من رافقني في بداياتي حتى اليوم كي أشكرهم على ثقتهم بي». أما في اليوم الثاني للاحتفال الذي حمل أجواء مغايرة تماماً عن الأول بإيقاعه الشبابي المعاصر، فقد شرّع ربيع كيروز أبواب بيته الجديد أمام أهل الصحافة والإعلام وغيرهم من الشخصيات التي تهتم بأعماله وتتابعها عن كثب.
وتعلّق سيسيل، واحدة من فريق عمله: «لقد مضى على عملي مع ربيع 8 سنوات، ولو لم أكن سعيدة بتعاوني معه لما استطعت البقاء حتى اليوم؛ فهو صاحب شخصية فريدة من نوعها وأكنّ له تقديراً كبيراً». وتقول فيوليت لـ«الشرق الأوسط»، وهي التي رافقت كيروز منذ بداياته، وكانت أول من طرّزت باكورة تصاميمه لفستان زفاف: «هو شخص يزخر بوفائه لمن حوله، كما أنه رفيق وصديق ومبدع في آن. ولا يمكنني أن أنسى فستان الزفاف الأول الذي ساعدته في خياطته وتطريزه عندما افترشنا أرض منزله بالشّراشف البيضاء لنضع عليه اللمسة الأخيرة».
وبين حنايا هذه الدار التي أطلق ربيع كيروز على كل واحدة من غرفها الـ16 أسماء ترتبط بمساعديه كـ«غرفة محمد وجوزيان وفيوليت ودينا» وغيرهم، كان كيروز يتنقل بين مدعويه بفرح وعفوية الأولاد الفخورين بأهلهم وهو يرتدي زيّاً استلهمه من سحر الشّرق. «أشعر بأنني لم أكتف بعد بمّا حققته، فلست بوارد العيش على نجاحات الماضي، بل أتطلّع بشكل دائم إلى الغد». وعمّا يعني له انضمامه مؤخراً إلى غرفة نقابة الخياطة الراقية الفرنسية، يقول: «داري هي التي نالت هذا الشّرف، وتعدّ الأولى في لبنان والشرق الأوسط التي تصل إلى هذه المرتبة في عالم الأزياء. قد يعود ذلك لاطّلاعهم عن قرب على أعمالي؛ كوني متواجداً في باريس أيضاً. وأفتخر بهذا الأمر الذي يشكّل مسؤولية كبيرة لي، فهذه التسمية ليست جائزة حصلت عليها، بل مكافأة حصلت عليها دار أزياء ربيع كيروز وفريق العمل فيه من محترفين وخياطين؛ تقديراً لعملهم وتقنيتهم وتفانيهم، فهو لقب عملي ونوعي». وعن دور لبنان في هذا الإطار، يقول في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: إن «لبنان أصبح اليوم متواجداً على الخريطة العالمية لتصاميم الأزياء، ولا يمكننا أن نسهو عن أسماء الأشخاص الذين ساهموا بذلك، وفي مقدمهم المصمم العالمي إيلي صعب. فبلدنا غني بمواهب متعدّدة يصدّرها إلى الخارج في عالم فن تصميم الأزياء والمجوهرات وأدوات الديكور وغيرها».
وعن الصعوبات التي واجهها لملامسة المرأة الغربية بتصاميمه، يقول: «الصعوبة تكمن فقط في الحفاظ على خطّ معين فنكون أوفياء له. فالرصانة يجب أن ترافق المصمم بحيث لا يعيش على نجاحات مضت». وعما يحلم في تقديمه للمرأة فبالغد القريب يعلّق ضاحكاً: «أتمنى أن أصل إلى مرحلة من الزمن تتواجد فيها تصاميمي في خزانة كل امرأة في العالم».
هي بداية ومغامرة جديدتين ينطلق بهما ربيع كيروز مع مدينته بيروت ومن أحد شوارعها العريقة بالذات (الجميزة). ويعلّق: «إنه شعور جميل اتخذته لبداية جديدة بعد 20 سنة من العمل أمضيت 10 منها في باريس. فهذا التواصل مع مدينتي يعني لي الكثير، وبذلك أجدّد عهدي لها. فأنا لست بوارد نكران أصلي، وجاء هذا البيت ليثبّت هذه العلاقة بعد أن استقبلني واستضافني بحبّ أملاً بأن تحمل لي عتبته كل خير».
غادر المدعوون دار كيروز الجديدة وهم محمّلون بهدية ترتبط ارتباطاً مباشراً بجذور لبنان الأصيلة؛ إذ زوّدهم بشتلة ياسمين برّية وبأكياس زهورات مقطوفة من أرض أجداده في جديدة غزير ليؤكد أن للأصالة عنواناً، ألا وهو: «دار ربيع كيروز» للأزياء.