«رحّل»... أزياء بأنامل لاجئات سوريات

من مدن سورية كالرقة وحمص وإدلب وحلب والباب والتل وغيرها ووصولاً إلى أخرى لبنانية كرياق والمرج وتربل وغيرها، تنبع مجموعة أزياء «رحّل». وقد أطلقت المجموعة جمعية «سوا للتنمية والإغاثة» بمثابة مشروع تنموي اسمه «ماستر بيس»، شاركت فيه نساء سوريات، يوجدن في مخيمات اللاجئين في منطقة البقاع، وبالتحديد في بلدة بر إلياس. وقد عملن على خياطة وتطريز مجموعة الأزياء هذه ليحكين من خلالها قصصهن مع النزوح منذ لحظة هروبهن من بلادهن إلى حين وصولهن برّ الأمان في لبنان. وتهدف مجموعة الأزياء إلى تمكين اللاجئات وتأمين مدخول مادي لهنّ. صُنعت المجموعة من الكروشيه والحرير والكتان والقطن والصوف وتحمل أسماء المدن التي مررن بها خلال رحلة نزوحهن إلى لبنان.
«لقد سبق وقمنا بمشاريع مشابهة شارك فيها، عدد من النساء والرجال النازحين. لكن هذه المرة تشارك نحو 60 امرأة»، حسب قول جوزيف سلوم المسؤول الإعلامي في الجمعية. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هدف المشروع تأمين سبل عيش مستدامة للاجئين من نساء ورجال. فكما أن هناك أعمالاً يدوية تحكي قصصهن منذ هروبهن من بلادهن، فإن المجموعة تتضمن أعمالاً حرفية من الخشب مصنوعة من قبل رجال وتؤلف جزءاً من التصاميم يحمل عنوان (النجارة)».
وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء النساء تدربن على الخياطة والتطريز لنحو 7 أشهر تحت إشراف مصمم الأزياء حازم قيس. كان يرسم لهن صور فساتين وبناطيل وشلحات لينفذنها بدقة بواسطة السنارة والإبرة، لتكون في النهاية صالحة للعرض والبيع. «أقسام عدة يتألف منها مشروع (ماستر بيس) وتتراوح ما بين القطع المطرزة والمعروفة بالـ(أغاباني) في سوريا، وتصاميم أخرى مصنوعة من الحرير المعروف بـ(دامسكو)، وهو من الأقمشة التراثية في دمشق، إضافة إلى شلحات من الصوف وفساتين وجاكيتات يدخلها فن الكروشيه». ويحاول المصمم حازم قيس في هذه المجموعة الجمع ما بين الحداثة والأصالة، حتى تجذب مختلف الشرائح الاجتماعية، بمن فيهم الشباب.
واستوحيت مختلف التصاميم من قصات قديمة معروفة في بلاد الشام وأبرزها «الرداعة» والتي ترتكز على تفاصيل زي العباءة الفضفاضة وقصّاتها الواسعة على الأكمام والتنورة. «إنها ملابس مريحة خيطت بقياسات واحدة تلائم أصحاب الأجسام البدينة والنحيفة معاً» حسب قوله.
وتحاول كلّ امرأة مشاركة أن تترجم مشاعرها في قصص حفظتها في ذاكرتها خلال رحلتها مع النزوح، من خلال نحو 30 قطعة حاكتها أناملهن في «رحّل»، وتتضمن حبّ الوطن والحنين إلى زوج استشهد أو اعتقل من جراء الحرب الدائرة في بلدها. «أغلبهن فقدن أزواجهن لظرف أو لآخر. فبينهن أرامل وأخريات لا يعرفن حتى الساعة حقيقة مصير شريكهن في الحياة»، تقول أم فوزي مديرة المشغل في جمعية «سوا للتنمية والإغاثة». وتتابع في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «أنا شخصياً أعتبر هذه القطع سرّ وجودي اليوم ومحفزي على الاستمرار في الحياة. ونحن مجتمعات نشكّل عائلة حقيقية تساند بعضها وتبث روح الأمل بين أفرادها».
أما محاسن، الآتية من مدينة حمص السورية فتعتبر أن عملها هذا ساهم في تخلصها من ضغوطات معاناتها مع النزوح ومن العيش في مخيمات تشبه الصناديق المقفلة. وتقول: «لقد زودني عملي هنا بالطاقة وحب الحياة وأنا فخورة بما أنجزته، خصوصاً أنني شاركت في تطريز وخياطة نحو 15 قطعة أزياء معروضة».
فما أجمعن عليه كلهن أن مجموعة «رحّل» تمثل قصص مرورهن على أكثر من 20 بلدة ومدينة سورية ولبنانية قاومن خلالها الكثير ليحصلن على السلام والأمان.