بنادق «ناعمة» في ذاكرة اليمنيين... «قاصمة» لعناصر الحوثيين

الطبيبة زينب القيسي تحمل سلاحاً لمواجهة الميليشيات بمحافظة الضالع (جنوب اليمن)  في صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي
الطبيبة زينب القيسي تحمل سلاحاً لمواجهة الميليشيات بمحافظة الضالع (جنوب اليمن) في صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي
TT

بنادق «ناعمة» في ذاكرة اليمنيين... «قاصمة» لعناصر الحوثيين

الطبيبة زينب القيسي تحمل سلاحاً لمواجهة الميليشيات بمحافظة الضالع (جنوب اليمن)  في صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي
الطبيبة زينب القيسي تحمل سلاحاً لمواجهة الميليشيات بمحافظة الضالع (جنوب اليمن) في صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي

قادت الأعمال البطولية للنساء اليمنيات في مواجهة جبروت الجماعة الحوثية وميليشياتها إلى تحويل عدد منهن إلى أيقونات «ناعمة» في ذاكرة اليمنيين والمقاومة، قاصمة قاسية على الحوثيين، حتى أصبحن مصدر إلهام للرجال وعناوين عريضة في مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى رغم أن العادات والتقاليد اليمنية دأبت على وضع المرأة خارج المعادلة التي يختص بها الرجال، وفي المقدمة من ذلك حمل السلاح والقتال، فإن الظروف التي عاشها اليمنيون في ظل الانتهاكات الحوثية أجبرت العشرات منهن إلى تصدر الواجهة والقتال حتى الموت أو قيادة المظاهرات ومكابدة أهوال المعتقلات الحوثية.
لم يخطر على بال رجال القبائل في محافظة حجة أن تكون هناء حسين النمشة واحدة من الفتيات التي سيخلدهن الوجدان القبلي والوطني، حتى أثبتت للجميع أنها كانت عند الموعد حاملة للسلاح في مواجهة الهجمة الحوثية.
على مدار 50 يوما صمدت قبائل حجور في مواجهة الغزو الحوثي لمديرية كشر، بأسلحتهم الذاتية وقدراتهم المحدودة، غير أن هذا الانكسار كان شاهدا أيضا على بطولة هناء النشمة.
وصلت العربات الحوثية إلى منزلها في 10 مارس (آذار) الماضي وأمطروا أخاها بالرصاص ليسقط مضرجا بدمائه، لكنهم لم يسمحوا لشقيقته هناء بأخذ جثته لدفنها، وتكريمه كما يليق، فما كان منها بحسب ما ذكرته مصادر قبلية إلا أن دخلت المنزل لتحمل الكلاشنيكوف وتعود لمواجهتهم.
قتلت هناء النشمة 3 حوثيين وأصابت ثمانية منهم على الأقل، قبل أن تنفد ذخيرتها منها ويقوم عناصر الجماعة بقتلها دون وازع من ضمير، لتكون بذلك واحدة من أيقونات اليمن اللواتي أثبتن أنهن يمتن وهن شامخات الرؤوس مثل الجبال.
في هذا الشهر أيضا، كانت الأيقونة الأخرى هي بنت جبال العود ومنطقة ظفار الواقعة بين محافظتي إب والضالع الفتاة التي لم تكمل عامها العشرين بعد، أصيلة الدودحي التي تحولت هي الأخرى إلى نجمة خالدة على أفواه المقاومين مجسدة بذلك رسم علامة فارقة في مواجهة الغزو الحوثي للمناطق والقرى والمدن.
قبل ثلاث سنوات كما يقول مقربون من أصيلة الدودحي قتل أخوها في مواجهة مع الميليشيات الحوثية، وهذه المرة حين عادت الجماعة مدفوعة بجنونها وصلفها لاحتلال منطقة العود كانت أصيلة عند الموعد بعدما شاهدت رصاص الجماعة الإيرانية وهو يخترق جسد عمها المسن.
ووفق رواية مقربين منها، حملت أصيلة الدودحي سلاح عمها على الفور لمواجهة عشرات المسلحين الحوثيين الذين كانوا ينكلون بسكان القرية، فقتلت منهم أربعة على الأقل وأصابت آخرين، قبل أن تطالها رصاصة قناص حوثي لتزفها في موكب الخالدات في الوجدان اليمني.
شكلت حكاية أصيلة دافعا حقيقيا لأبناء المنطقة لحمل السلاح في مواجهة الجماعة، كما باتت أيقونة على كل لسان في مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت، الأمر الذي دفع القوات الحكومية لاعتبارها واحدة من قتلى الجيش واعتمادها ضمن أفراده المقاتلين تكريما لها ولأسرتها.
واتصالا للحكاية ذاتها، حكاية المرأة اليمنية، التي أثبتت أنها تقارع الميليشيات ببسالة غير منقطعة النظير، ظهرت مؤخرا حكاية فتاة ثالثة هي الأخرى باتت حديث المقاومين اليمنيين وعنوانا من عناوين صمودهم، إنها هذه المرة زينب القيسي خريجة الطب التي فضلت أن تكون في مقدمة الجبهات تحمل السلاح بكل جرأة واستبسال.
في الأيام الأخيرة تداول الناشطون اليمنيون صور زينب وهي في الصفوف الأمامية، لتكون بذلك قدوة لكثير من الشبان الذين ألهبت صورها حماستهم لحمل السلاح، والتقدم للدفاع عن مناطق محافظة الضالع التي تنتمي إليها زينب وتحديدا من مديرية الأزارق.
بحسب مقربين منها، كانت زينب في البداية تقتصر على تقديم أعمال التطبيب وإسعاف الجرحى من المقاتلين بسيارتها منذ 2015، لكنها مع إدراكها اشتداد وطأة الهجمات الحوثية الأخيرة في جبهتي حمك والعود ضد المقاومين، ما كان منها إلا أن حملت السلاح وتقدمت الصفوف دون خوف أو انكسار.
ويعلق وكيل وزارة الإعلام اليمنية نجيب غلاب على صورة زينب القيسي وهو في خط المواجهة، بقوله: «طبيبة مناضلة تعالج الجرحى وتقاتل وللضالع مجد أينما اتجهت».
ويضيف: «كانت أصيلة الدودحي دم الكرامة في حين أن زينب القيسي هي الشهامة والرحمة التي تقاتل كأسد يرى صنعاء أمامه رأي العين».
ويقول ناشطون إن حكاية كل من هناء وأصيلة وزينب، يجب أن تشكل رسالة واضحة للميليشيات الحوثية، مفادها أن النساء اليمنيات أيضا سيقفن عند الضرورة في وجه الجماعة التي تتضور للدماء والقتل دون وازع، وأنه لن يستتب الأمر لها في ظل هذا الصمود وتلك المقاومة الأسطورية.
وكانت الميليشيات الحوثية ارتكبت المئات من الانتهاكات بحق النساء اليمنيات سجنا وقتلا وتشريدا، في صنعاء وغيرها من المناطق، بحسب ما أوردته تقارير حكومية وحقوقية أخرى.
وتؤكد التقارير الحقوقية أن العشرات من النساء في صنعاء ما يزلن في سجون الميليشيات الحوثية يعانين صنوف التعذيب الجسدي والنفسي كافة، إلى جانب قيام قادة الجماعة بابتزاز أسرهن ماليا.


مقالات ذات صلة

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 في وقفة تحدٍ لتحالف الازدهار (غيتي)

تحالف حقوقي يكشف عن وسائل الحوثيين لاستقطاب القاصرين

يكشف تحالف حقوقي يمني من خلال قصة طفل تم تجنيده وقتل في المعارك، عن وسائل الجماعة الحوثية لاستدراج الأطفال للتجنيد، بالتزامن مع إنشائها معسكراً جديداً بالحديدة.

وضاح الجليل (عدن)
شؤون إقليمية أرشيفية لبقايا صاروخ بالستي قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق من اليمن وسقط بالقرب من مستوطنة تسور هداسا (إعلام إسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن

قال الجيش الإسرائيلي في ساعة مبكرة من صباح اليوم (السبت)، إن الدفاعات الجوية الإسرائيلية اعترضت صاروخاً أطلق من اليمن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الخليج جانب من مؤتمر صحافي عقده «فريق تقييم الحوادث المشترك» في الرياض الأربعاء (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

استعرض الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن عدداً من الادعاءات الموجهة ضد التحالف، وفنّد الحالات، كلٌّ على حدة، مع مرفقات إحداثية وصور.

غازي الحارثي (الرياض)

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.