مشروع سعودي يزف مريضات «البهاق» إلى عش الزوجية

«فرحتي» يهدف إلى مساعدة المصابات للتغلب على العزل الاجتماعي وتداعياته النفسية

حلم ارتداء فستان الزفاف الأبيض يبدو مستحيلا في أعين كثير من المصابات بالبهاق («الشرق الأوسط»)
حلم ارتداء فستان الزفاف الأبيض يبدو مستحيلا في أعين كثير من المصابات بالبهاق («الشرق الأوسط»)
TT

مشروع سعودي يزف مريضات «البهاق» إلى عش الزوجية

حلم ارتداء فستان الزفاف الأبيض يبدو مستحيلا في أعين كثير من المصابات بالبهاق («الشرق الأوسط»)
حلم ارتداء فستان الزفاف الأبيض يبدو مستحيلا في أعين كثير من المصابات بالبهاق («الشرق الأوسط»)

حلم ليلة العمر وارتداء فستان الزفاف للانتقال إلى عش الزوجية، يداعب الكثير من الفتيات، لكنه بعيد عن أحلام معظم المصابات بمرض البهاق، اللاتي يعتبرن هذا الأمر أشبه بالمستحيل، بسبب البقع البيضاء التي تغزو أجسادهن، وهو ما دفع جمعية البهاق الخيرية في السعودية إلى إطلاق مشروع أول من نوعه لدعم تزويج المصابات بالبهاق يحمل مسمى «فرحتي»، ويشمل كل المناطق السعودية.
ويتحدث عن قصة بداية هذا المشروع ومبررات إطلاقه، مسفر القحطاني، المدير التنفيذي للجمعية، قائلا «لما لمسناه من معاناة الفتيات المصابات بالبهاق، خصوصا اللاتي في سن الزواج، سواء معاناتهن العلاجية أو النفسية أو الاجتماعية، حيث إن مرض البهاق قد يكون عائقا لهن عن الزواج؛ بادرت الجمعية لمساعدتهن على تجاوز هذه العقبة».
ويتابع القحطاني حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالقول «الجمعية ولدت من رحم الحاجة ومن معاناة المصابين، فقد أعدت دراسة عن وضع المصابات النفسي والاجتماعي والعلاجي ومدى تأثير ذلك على تأخرهن في الزواج أو حرمانهن منه، وهذا دون شك واقع معاش، حيث لا يتقدم العريس للمصابة بالبهاق إلا إن كان يحمل نفس المرض أو على ثقافة عالية جدا من أنه غير معد وأن الجانب الوراثي فيه متدن».
وعن نتائج هذه الدراسة يقول «تبين أن الكثير من المصابات يسعين إلى التبييض وتوحيد اللون إذا كن قادرات على ذلك ماديا، ولهذا جرى إطلاق البرنامج وتخصيصه للمقبلات على الزواج وممن هن في متوسط أعمار خاصة بهذا البرنامج، ونهدف من خلاله إلى أن نزيل هذه المعاناة عن كل مصابة كي تكون سببا مباشرا في رفع روحها المعنوية ورفع درجة ثقتها بنفسها ومن ثم جعل ذلك سببا بعد توفيق الله في زواجها».
وبالسؤال عن عدد الفتيات اللاتي سجلن في برنامج «فرحتي»، يقول القحطاني «نظرا لأن البرنامج جديد وتجريبي ومحدود العدد، لم نكثف الإعلانات، خصوصا أن الداعم لهذا المشروع قد حدد المبلغ، وكلفة العلاج مرتفعة، وعدد اللاتي سجلن في المشروع 30 فتاة من كل أنحاء السعودية، وما زالت طلبات التسجيل مستمرة، إلا أن المرحلة الأولى للمشروع انتهى التسجيل فيها، وهذا سيدفعنا إلى أن يزداد العدد في المرحلة الثانية»، مشيرا إلى نية الجمعية جعل هذا البرنامج سنويا، بحيث يجري طرحه مع بداية كل عام.
من جهة أخرى، تبدو معاناة الفتيات المصابات بالبهاق مادة خصبة للكتابة، حيث تناولت ذلك السعودية هيفاء السهلي، وهي كاتبة وإخصائية نفسية، فقد أصدرت مطلع هذا العام كتابها الذي حمل عنوان (حلمي ألبس صندل)، وتناولت فيه تجربتها مع الإصابة التي كانت تمنعها من ارتداء الملابس أو الأحذية المكشوفة، وكانت تعتقد أن ذلك سيمثل عائقا يمنعها من الزواج.
وتحدثت السهلي لـ«الشرق الأوسط» عن عملها قائلة «حاولت من خلال كتابي أن أساعد المرضى المصابين بالبهاق، وأن أشجع المريض على أن يساعدني في تثقيف المجتمع إزاء ذلك، فأنا لا أستطيع إيصال صوتي ورسالتي لوحدي». وعن قسوة شعور الإصابة لدى الفتيات تحديدا واللائي تحرمهن أحيانا من الزواج، تقول «حتى الرجال يعانون مثلنا، وأنا صدمت حين رأيت رجالا من كبار السن سبب لهم البهاق إعاقة اجتماعية».
وبسؤالها عن الآلية التي استطاعت من خلالها تخطي هذه العقبات وإكمال التعليم والعمل والزواج، قدمت السهلي نصيحة للمصابات بمرض البهاق وذويهن بألا يخبروا المتقدم للزواج عن إصابة ابنتهم، مرجعة ذلك لاعتقادات البعض الخاطئة عن البهاق، قائلة «أخبروه بعد أن يراها للمرة الأولى، وليس قبل ذلك»، مؤكدة أن المصابات بالبهاق قادرات على إكمال حياتهن والاستقرار الاجتماعي والمهني، بشرط أن يكن متصالحات مع أنفسهن، حسب قولها.
وعودة إلى مشروع برنامج «فرحتي» الأول الذي يهدف لزف العرائس من المصابات بالبهاق، يتحدث المدير التنفيذي للجمعية الخيرية للبهاق عن الآلية التي سيعمل عليها هذا البرنامج لتحقيق أهدافه، قائلا «البرنامج يعمل على 3 مراحل بعد الترشيح: مرحلة الاستشارة ومرحلة التدريب ومرحلة العلاج، وكل هذه المراحل تمر عبر فريق عمل متخصص ومتطوع ويحمل السرية الكاملة في عمله».
يأتي ذلك في حين تقدر أحدث الإحصاءات أن نسبة المصابين بالبهاق من سكان السعودية تمثل نحو ثلاثة في المائة، أي أنهم يتجاوزن 500 ألف مصاب ومصابة، ويعلق القحطاني على ذلك بالقول «هذا رقم عالمي وتقع المملكة ضمن هذا الرقم من خلال الدراسات والبحوث التي قامت بها مؤسسات متخصصة بالتنسيق مع الجهات الصحية العامة والخاصة، والعدد يتزايد ولا يتناقص، ولهذا فنحن نسعى إلى خلق ثقافة فكرية ومجتمعية مع أطراف المرض (المريض ومجتمعه الصغير ومجتمعه الكبير)، ونتطلع إلى التفاعل من الجهات المعنية ومن القطاع الخاص».
وعن المشاريع الأخرى الجديدة التي تعمل عليها الجمعية حاليا، يوجزها القحطاني بالقول «مشروع طفلي الجميل ويستهدف فئة الأطفال المصابين بالبهاق، ومشروع سفراء وسفيرات البهاق وهو مشروع توعوي سنطلقه في جميع مناطق السعودية، ومشروع الدواء المجاني الذي نسعى من خلاله للتفاهم مع وزارة الصحة في توفير الأدوية الخاصة بالبهاق غير الموجودة في المستشفيات الحكومية».
ويضيف قائلا «المشروع الأبرز لدينا هو العمل على إدخال مرض البهاق ضمن برامج التأمين الصحي، ونعمل كذلك على التنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية لإعادة الإعانة التي كانت تمنح للمصابين بالبهاق لمساعدتهم في العلاج، ولدينا مشروع وقف البهاق الخيري الذي أطلق في شهر رمضان الماضي ونتطلع إلى إنجازه، وقيمته 6.5 مليون ريال، حيث سنضمن معه موردا ثابتا يكفي الحد الأدنى من كلفة البرامج والمشاريع التي تطلقها الجمعية».
يشار إلى أن البهاق أحد الأمراض الجلدية المنتشرة في العالم، ويعرف تحديدا بزوال اللون الطبيعي للجلد على شكل بقع لونية واضحة في الجلد، وقد يكون شاملا للجسم كله، كما قد يكون في مكان واحد فقط، وتتكون البقع التي تشكل مرض البهاق بسبب فقدان الخلايا الملونة التي تنتج مادة الميلانين، والتي توجد بشكل أساسي طبيعي في الجلد وفي حويصلات الشعر والفم والعيون وبعض من الأجزاء العصبية المركزية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».