«الهايكو الياباني» يصبح مغربياً... رسمياً

بين مؤيد ومعارض

سامح درويش
سامح درويش
TT

«الهايكو الياباني» يصبح مغربياً... رسمياً

سامح درويش
سامح درويش

«قانونيا، أصبح للهايكو في المغرب علامة خاصة وناد رسمي يحمل اسم (هايكو موروكو)»، هكذا علق الكاتب المغربي سامح درويش، قبل أسابيع، على لحظة تأسيس النادي، شاكراً، في ذات الوقت «بيت الشعر في المغرب» الذي «كان اليد الأولى التي مُدت للهايكو قبل تأسيس النادي وبعده»، في إشارة إلى احتضان «البيت» للملتقى الأول لشُعراء الهايكو في المغرب، قبل نحو سنة، بإيفران، تحت شعار «الهايكو... مغربي أيضاً». وهو الملتقى الذي تم تقديمه على أنه أول محفل شعري وثقافي ينظم بالمغرب «تقديراً لهذا اللون الشّعري الذي أضحى اليوم يُكتب بكل لغات العالم».
لكن لماذا الهايكو؟ ولم زاد «الإقبال» عليه في السنوات الأخيرة؟
الكاتب مصطفى لغتيري، الذي لم تغب عنه، ربما، كل تلك الأسئلة التي تحيط بهذه التجربة، مغربيا وعربيا، اختار أن يخرج إلى القراء، هذه الأيام، بمؤلف جديد أعطاه عنوان «لماذا الهايكو يا أبي؟».
بالنسبة لغتيري، فـ«الفن لا ينتمي إلى أي شعب محدد أو حضارة معينة، إنه فقط ينتمي إلى أفقه الإنساني الشاسع»، وبالتالي فكتابة الهايكو، هذا «الشعر، الذي ما فتئ يتسلل تدريجيا إلى الذائقة الشعرية العربية، ويظفر بقراء ومبدعين من شتى الأقطار العربية»، هو تعبير عن انتماء أصيل إلى الإنسانية، وهو انتماء، يقول لغتيري: «لا يتناقض أبدا مع خصوصيتنا الثقافية والفنية والأدبية والشعرية».
في واقع الأمر، يبدو شعراء المغرب، ممن استهوتهم تجربة الهايكو، مشغولين بسؤال «يابانية» الشكل و«عقدة النقص» المفترضة، لذلك تجد بينهم من يكتب الهايكو، مؤكدا أن النصوص «لا يفصلها جماليا عن الهايكو العالمي ذرة شاعرية أو صياغة أو رؤيا»، ومن يختار كتابة «على سبيل الهايكو».
في سؤال للشاعر عبد الرحيم الخصار عن علاقة بعض قصائد ديوانه «بيت بعيد» بـ«الهايكو»، مثلا، سيجيب بأن «الهايكو تجربة شعرية مهمة، لكنها قادمة من القرن السابع عشر»، وأنها تشكل بالنسبة له «تراثا شعريا فحسب»، قبل أن يستدرك: «الهايكو له خصائص شكلية وموضوعاتية مضبوطة لا يمكن تجاوزها. عموما أنا مولع بالكتابة الشذرية في الشعر. والهايكو أحد هذه الأشكال».
يميز الخصار بين ثلاث فئات تكتب الهايكو: فئة أولى «تحاول أن تبقى وفية لمختلف خصائص الهايكو، وبالتالي تبدو كتاباتها محاكاة لشكل أدبي ينتمي إلى تاريخ وجغرافيا بعيدتين، وهي محاكاة صعبة، لكنّ عدداً من الشعراء قدموا فيها نصوصا جيدة يبدو من قراءتها أنهم تمثلوا بشكل كبير روح الهايكو». وفئة ثانية «تؤمن بأن الهايكو يمكن أن تكون منطلقا لكتابة نص شبيه مستوحى منها، لكن في سياق التجديد والتطوير. وهذا أيضا خيار صعب، إذ كيف سيتم ضبط المسافة بين ما هو هايكو وما سواه؟ أي ما الذي سيبرر اختيار التسمية بغض الطرف عن الكثافة والقصر؟». أما الفئة الثالثة فـ«تكتب نصا قصيرا وتسميه هايكو دون وعي بخصائص هذا الجنس الأدبي، وبقواعد كتابته، التي تستلزم ضبطها واستيعابها، قبل التفكير في أي ثورة عليها».
في تعقيبه على الفئات الثلاث، حسب الخصار، يكتب الشاعر صلاح بوسريف: «كثير مما أقرأه اليوم، مما ينسب إلى شعر (الهايكو)، يشبه وضع بيض بطات تحت دجاجة».
أما الشاعر جمال الموساوي، فكتب تدوينة تحت عنوان «هايكو»، جاء فيها: «حسب (المؤرخين) يعود الهايكو إلى أربعينات القرن 17، أي إلى ما يقرب من أربعة قرون. بين ذلك الزمن وزمننا ظهرت الحداثة وما بعد الحداثة والعولمة ومناهضة العولمة وانتهت حضارات وسادت أخرى. سؤال ملح: أليس هذا الاهتمام، الذي شبّ مثل النار، بالهايكو في منطقتنا وفي المغرب نوعاً من الردة عن الحداثة ورجعية شعرية على غرار رجعيات أخرى تحاول شدنا إلى الماضي وجرنا إليه قسراً ورغماً، وعلى غرار الداعين إلى عمود الشعر الذين يتعرضون بسبب ذلك لهجومات وخصومات؟ ليس لي موقف عدائي من الهايكو ولا من العمود. لكنه سؤال».
وكتب الشاعر والباحث مصطفى الشليح رداً على الموساوي: «لا ردة في الشعر يا عزيزي، ولكن ما يكتب، مغربياً وعربياً، ليس من الهايكو في شيء».
الأسئلة التي يثيرها الهايكو، أو بعضها، حملناها إلى سامح درويش، الذي يقدم على أنه «علامة معروفة في تجربة الهايكو في المغرب كتابة وتنظيراً وتنظيماً».
يقول درويش، جوابا على سؤال دلالات أن يصبح للهايكو في المغرب علامة خاصة وناد رسمي يحمل اسم «هايكو موروكو» «أن يصبح للهايكو بالمغرب إطار قانوني وعلامة يعرف بها يعني أن تجربة الهايكو بالمغرب قد بدأت في هيكلة نفسها لتستطيع الارتقاء بحضورها في المشهد الثقافي الوطني وفي المحافل الدولية، حيث إن الهايكو اليوم قد أصبح يشكل جسرا للتواصل الشعري العالمي وأضحى يشكل سقفا جماليا إنسانيا. كما أنه بهذه الهيكلة القانونية يمكن لنادي «هايكو موروكو» أن يصبح مخاطبا ثقافيا وطنيا وعربيا ودوليا. والدلالة الأعمق لهذه الهيكلة تتمثل في كون تجربة الهايكو بالمغرب قد بدأت تغني ذاتها داخل المشهد الشعري المغربي وتسهم في طرح أسئلة عليه من أجل تطوير وإثراء ممكناته الجمالية وتقنياته وأدواته الفنية». وعن دلالات «اليد الأولى التي مُدت للهايكو قبل تأسيس النادي وبعده»، ممثلة في «بيت الشعر في المغرب»، واحتضانه أول ملتقى وطني لشاعرات وشعراء الهايكو بالمغرب تحت شعار «الهايكو... مغربي أيضا»، قال درويش إن «الشعار ينطوي على رسائل ثقافية مفادها أن الهايكو الذي يشكل مكونا في مختلف شعريات العالم وبمختلف لغات الأرض قد أصبح يشكل جزءا من الشعرية المغربية باللغة العربية وباقي اللغات واللهجات التي يستعملها المغاربة في الكتابة والتداول اليومي، كما ينطوي على كون المغرب يمتاز بحضور مشع على الصعيد العربي أي في الجغرافيا الناطقة باللغة العربية إلى جانب باقي التجارب العربية الأخرى في باقي الدول العربية، التي هي في طور هيكلة نفسها أيضا. إن شعار «الهايكو مغربي أيضا» يفيد بأن الفاعلين في تجربة الهايكو في المغرب قد تجاوزوا تلك الاعتبارات التي تعتبر الهايكو شكلا شعريا دخيلا، بل عكفوا على إعطاء الهايكو صبغيات فنية وثقافية مغربية يمكنها أن توصل الثقافة المغربية إلى درجة من التواصل والتفاعل العالمي».
وعن هذه العودة إلى كتابة الهايكو، بلغات أخرى غير اللغة اليابانية التي نشأ وترعرع فيها هذا الشكل الشعري، قال درويش: «رغم المنشأ الياباني لشعر الهايكو فإنه أصبح منذ أكثر من قرن من الزمن ينتقل إلى كل شعريات ولغات الأرض غربا وشرقا وجنوبا وشمالا. وقد بدأ تفاعل الشعرية العربية بشكل محتشم مع هذا اللون الشعري منذ النصف الثاني من القرن الماضي ليشهد هذا التفاعل فورة كبيرة مع بدايات القرن الحالي، حيث يمكنك أن تقرأ اليوم الهايكو في كل لغات الأرض من دون أي مركب نقص وبالاسم نفسه.
ولعل هذا الإقبال على الهايكو كانت له أسباب نذكر أهمها، وهي أن اليابان قد آمنت بثروتها اللامادية وإمكانياتها الرمزية وجعلت منها وجها لليابان من خلال الاستثمار في المجال الثقافي. أما السبب الثاني فيتمثل في كون هذا اللون الشعري المكثف يتناسب ووتيرة العصر، ويعتمد في بنائه على المشهدية التي تتيح التفاعل مع تقنيات العصر المرتبطة أساسا بالصورة. أما السبب الثالث فيتمثل في كون الهايكو يميل إلى روح الشعر في عمقه البيولوجي وبعده الجمالي المتخفف ما أمكن من أصباغ البيان وقعقعات البلاغة العتيقة في أفق البحث عن أفق لبلاغة جديدة تقوم على البساطة والاستنارة المستوحاة من تفاعل الإنسان مع محيطه من دون أي تكلف تماما كما تنمو زهرة وسط غابة تعج بالطفيليات والوحوش».
وعن سبل ضبط المسافة بين ما هو هايكو وما سواه، قال درويش: «صحيح أن الهايكو يبدو أنه يختلط بالأشكال الشعرية المجاورة له مثل الومضة والشذرة والحكمة وغيرها، مما يجعل الكثيرين يكتبون نصوصا جميلة تندرج في هذه الأشكال وهم يعتقدون أنهم يكتبون الهايكو. ومن أجل حفاظ الهايكو على نوعه لا بد أن تتوفر فيه مقوماته البنائية والجمالية التي تتوفر عادة فيما نسميه «الهايكو الكلاسيكي»، مثل المشهدية القائمة على التفاعل مع المحيط والآنية القائمة في الغالب على المضارعة في ذلك التفاعل، وعلى تحييد ذات الشاعر التي تعودنا على حضورها الطاغي في الشعر العربي، وعلى الاقتصاد الكبير في استعمال المجاز وباقي المكونات والأدوات البلاغية لصالح البساطة التي بإمكانها أن تصنع الاستنارة. هذا زيادة على استعمال المكونات الفنية للهايكو من قطع وعلامات تتم بناء الهايكو ذي المشهد الواحد أو ذي المشهدين».
وعن كيفية الرد على من يقول بأن «ما يكتب، مغربيا وعربيا، ليس من الهايكو في شيء» وأن «هذا التهافت على الهايكو لم يعط شيئا خارقا»، رد درويش: «من المؤكد أننا لسنا في حاجة إلى أي تراشق فارغ عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتقليل من شأن الهايكو المكتوب باللغة العربية بقدر ما نحن في حاجة إلى نقد رصين يستعمل أدوات نقد الهايكو من أجل فرز جوانب القوة وجوانب الضعف في تجربة الهايكو العربي. كما أننا لسنا في حاجة إلى استعادة واجترار ذلك السجال الفج الذي رافق ظهور قصيدة النثر في مشهدنا الشعري بقدر ما نحن في حاجة إلى استثمار الإمكانات الفنية التي يتيحها الهايكو من أجل بلورة أسئلة تهم الشعرية العربية برمتها. نعم هناك من يعتقد أن الهايكو هو ياباني فقط ولا يمكنه أن يكون غير ذلك فيما تؤكد كل شعريات العالم أن هذا اللون الشعري هو ممكن في كل اللغات بل إن تجارب الهايكو بلغات أخرى أضحت تغني الهايكو بلغته الأم. وفي نظري المتواضع، يمكن أن تقرأ اليوم هايكو عربياً بكل مواصفات الهايكو، ولكن بلغة لها حمولتها الحضارية الخاصة ولها ظلالها الفنية الثرية. وقد أضحى الهايكو العربي اليوم حاضرا إلى جانب نظرائه في باقي اللغات. ومن ينكر هذا فهو ينكر قدرة اللغة العربية على التفاعل الإنساني والعطاء الفني».



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.