عائلة لبنانية تهتم باللاجئين السوريين والعراقيين في شارتر الفرنسية

لا أحد يحلم بالعودة... وأكبر نسبة لجوء كانت بين 2015 و2017

نيلسون وجاكلين باحوط (الشرق الأوسط)
عبد القادر خوجة
نيلسون وجاكلين باحوط (الشرق الأوسط) عبد القادر خوجة
TT

عائلة لبنانية تهتم باللاجئين السوريين والعراقيين في شارتر الفرنسية

نيلسون وجاكلين باحوط (الشرق الأوسط)
عبد القادر خوجة
نيلسون وجاكلين باحوط (الشرق الأوسط) عبد القادر خوجة

عندما هاجرت اللبنانية جاكلين باحوط إلى فرنسا، في نهاية الثمانينات من القرن الماضي؛ هرباً من الحرب في منطقة الأشرفية في شرق بيروت، وسعياً إلى تأمين مستقبل أفضل لأولادها، وعندما وافق زوجها نيسلون على فكرة الهجرة، لم يصادفا صعوبة في ترتيب إقامة العائلة، ومن ثم حصولها على الجنسية الفرنسية والاستقرار في مدينة شارتر القريبة من باريس. وعندما بدأت مأساة هرب السوريين والعراقيين من بلادهم وبحثهم عن أوطان بديلة، لم تكن ترتيبات عملية اللجوء بالسهولة ذاتها؛ لذا بدأ نيلسون وجاكلين باحوط رحلة مساعدة اللاجئين العرب في شارتر، وذلك بالصدفة قبل سبع سنوات، كما يقول نيلسون لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «قابلت عراقياً لا يجيد الفرنسية طلب مساعدتي للتفاهم مع الجهات الرسمية والخيرية التي تتولى ملف قبول لجوئه إلى فرنسا. بعد ذلك تطورت الأمور. واعتمد علينا (المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين والمبعدين Ofpra) في المدينة لتولي أمور الترجمة ومساعدة اللاجئين على التأقلم والاستقرار».
ويشير إلى أن «مشكلة اللاجئين الأولى هي اللغة، وجهلهم بها يسبب لهم الإحباط. في البداية نساعدهم بترجمة الأوراق الرسمية التي يتلقونها، ونرافقهم إلى صندوق المساعدة العائلية وإلحاق الأولاد بالمدارس. ومن ثم مساعدتهم للعمل في المدينة».

- «M. moi travail» وعقدة اللغة
ويروي نيلسون، أن «ناجي وهو عراقي لا يجيد الفرنسية ما حال دون حصوله على عمل. فألحقته بمؤسسة تساعد على التأقلم، وأرسلت له طلبات العمل إلى الشركات. وكان يذهب يومياً ليراجع. ويردد كلمتين حفظهما، هما: «moi - travail» أي «أنا عمل»، حتى صار يلقبه من يراجعهم «M. moi travail» وفعلاً حصل على وظيفة عامل نفايات». ويضيف أن «اللاجئين ولدى وصولهم إلى فرنسا يحسبون أن الدولة بانتظارهم مع كل ما يسهل حياتهم. لكنهم يعجزون حيال الإجراءات وكمية الأوراق التي يتلقونها كل شهر لتجديد المعلومات اللازمة أو تتوقف المساعدات التي يحصلون عليها. وبما أن أكثرية اللاجئين يعتمدون على المساعدات، يهدد جهلهم اللغة بانقطاع هذه المساعدات».
ويشير نيلسون إلى أن «أكثرية العراقيين هاجروا من سهل نينوى والموصل. وهربوا إلى دهوك في كردستان، ومنها حصلوا على فرصة اللجوء. وبعض السوريين هارب من النظام، وبعضهم الآخر مع النظام السوري، لكنه يريد تأمين الجنسية. وهناك من يملك المال ولا يضعه في المصارف ليتمكن من الاستمرار في الحصول على المساعدات. ومع الأسف، المرتاحون مادياً يأخذون من درب المحتاجين فعلياً». وشدد على أن «الأغلبية لديهم ما يكفي حتى لا يجوعوا، ولديهم المأوى وأولادهم في المدارس».
وتقول جاكلين لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد يحلم بالعودة إلى سوريا أو العراق. فاللاجئون يعرفون مستقبل أولادهم في فرنسا». وتضيف أن «أكبر نسبة للجوء كانت بين 2015 و2017، لتتوقف عام 2018، واليوم نشهد حالات فردية، لم نعد ننتظر باصات تقودهم إلى المدينة، كما كان يحصل في السابق. كما أن الجهات الفرنسية المختصة بدأت تتشدد حيال قبول اللاجئين».
نيلسون باحوط يتكلم بدوره عن «رجل رفض إجراء المقابلة، وصل إلى شارتر قبل أشهر وهو يحمل آثار عنف، وذلك بعد اعتقاله ودفع أهله مبلغ عشرة آلاف دولار لإطلاق سراحه. وبعد قبول طلبه للجوء إلى فرنسا، تم تحويله إلى الطبيب الذي صدم لدى رؤية ما خلفه التعذيب الذي خضع له، وصرخ: هل يمكن أن يقوم إنسان بهذه البربرية».

- اللجوء هرباً من الخدمة العسكرية
في منزل جاكلين ونيلسون المفتوح لكل من يطلب المساعدة، تحدثت «الشرق الأوسط» إلى شاب أصرّ على عدم ذكر اسمه لحماية أهله في دمشق. هو هارب من الخدمة العسكرية. قال: «أنهيت دراستي الجامعية، والتحقت بالخدمة العسكرية عام 2012، وتحديداً في مطار الرقة العسكري، الذي كان محاصراً من (الجيش السوري الحر) ومن ثم (جبهة النصرة). وبقيت كالأسير مع رفاقي في المطار ثلاث سنوات. وإذا لم يأت الطيران ويرمي لنا المؤونة من الطعام نجوع. رفضوا أن يسرحوني. وعندما تمكنت من الحصول على إجازة لمدة شهر، هربت واختفيت عن الأنظار بضعة أشهر، حتى تدبرت على طريقة للهرب كلفتني ثلاثة آلاف دولار. المهرّب زودني بأوراق ثبوتية مزورة ساعدتني لمغادرة دمشق إلى المناطق المحررة من النظام، ومنها إلى تركيا. استغرقت الرحلة يوماً كاملاً. بقيت في تركيا نحو ثلاث سنوات، كانت الأغرب في حياتي. عملت في معامل أحذية وفي مطاعم، وأينما سنحت لي الفرصة. نسيت إجازتي الجامعية. قدمت طلب لجوء إلى القنصلية الفرنسية في إسطنبول. وبعد المقابلة تمت الموافقة على طلبي بعد شهرين؛ لأن شقيقي طبيب في فرنسا، وقد كفلني. فأنا لا أملك أوراقاً ثبوتية ولا جواز سفر. خرجت من تركيا برخصة القيادة وشهادتي الجامعية فقط».
الشاب المتحفظ عن ذكر اسمه يجيد بعض الفرنسية ويجد صعوبات في التعامل مع المستندات؛ لذا لجأ إلى جاكلين ونيلسون باحوط لمساعدته. وهو يرغب في العودة إلى الجامعة للتخصص في المعلوماتية أو في الإرشاد الاجتماعي. ويعتبر أن النظام السوري ظالم والمعارضة فوضوية. ويقول: «هربت في التوقيت المناسب قبل وصول (داعش) إلى المطار. رفاقي الذين بقوا في المكان قُتلوا جميعهم».

- مواجهة الموت غرقاً
عبد القادر خوجة من حلب، لا تحفُّظ لديه لذكر اسمه ونشر صورته. يقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «العد العكسي للحياة العادية التي كان يعيشها بدأ مع حصار حلب عام 2012. شهد فظائع كثيرة. عائلات لم تكن ضد النظام ما أن دخل جيشه مناطقها حتى تمت إبادتها. قرى بكاملها أُفرغت من سكانها». ويحكي عن «مندسين للنظام جنّدوا شباباً مقابل 500 دولار شهرياً للتجسس على (الجيش الحر) واللجان الشعبية واغتيال الكوادر».
يقول إنه «عاش ظروفاً حياتية صعبة، لكنه لم يكن يفكر في الهجرة من سوريا. اكتفى بالنزوح مع عائلته من منطقة إلى أخرى بين 2012 و2014. لكن بدأ (داعش) يقترب من المنطقة التي كان يقيم فيها في الريف الشمالي لحلب. اقتحم مقاتلو (داعش) القرية وقتلوا شقيقه واعتقلوا والده، حينها قرر النزوح إلى تركيا. لم يحسن دفن أخيه. كان يجب أن يهرب وإلا يموت. مسلحو (داعش) كانوا يتكلمون العربية الفصحى ويطاردون الرجال لقتلهم».
ويضيف: «أقمت في تركيا مع عائلتي لمدة سنتين. وكنت دائماً أخطط للرجوع إلى سوريا. عدت إلى أعزاز عام 2016؛ لأفتح سوبر ماركت. وبدأت العمل على المشروع. لكن (داعش) وصلت إلى المنطقة وبدأ الصراع بينها وبين الأكراد. خفت أن يتكرر السيناريو ذاته، عدت إلى تركيا مع عائلتي. عانيت صعوبات مالية. ولم أجد أمامي إلا الهجرة. لم يكن الأمر سهلاً عليّ لأهرب مع زوجتي وأولادي الثلاثة، كان عليّ تأمين نحو خمسة آلاف دولار للمهرّب، وأنا بالكاد أكسب رزقي. استدنت ما أستطيع واقترحت على المهرّب أن أقود القارب المطاطي لأخفف تكاليف السفر؛ على أساس أن من يقود القارب لا يدفع. كنّا 65 شخصاً في قارب طوله ثمانية أمتار وحالته متردية. صعدنا بُعيد منتصف الليل. وما أن ابتعدنا عن الشاطئ حتى تعطل القارب وثُقب وبدأت المياه تتسرب إلى داخله، وشرعت النساء بالصياح. كان علينا أن نصل إلى المياه الإقليمية اليونانية ليتولى خفر السواحل أمرنا. رأينا الموت بأعيننا، ولم نرَ خفر السواحل. لا أعرف كم بقينا نصارع الغرق، حتى تمكنّا من الوصول إلى البر. هناك تولت أمرنا السلطات المختصة ونقلتنا إلى مخيمات في ثكنة عسكرية مهجورة وسط غابة نائية مع الثعابين والعقارب. وبدأنا معاملات إعادة التوطين. وبعد ستة أشهر تم استدعائي إلى القنصلية الفرنسية في أثينا. وأجريت مقابلة مع المسؤول عن الهجرة، ثم أبلغت بقبول لجوئي مع عائلتي».
واليوم، بعد مضي عامين على وصوله إلى شارتر، يعمل عبد القادر في البناء. أولاده يتكلمون الفرنسية بطلاقة ويحسبون أنها لغتهم الأم ويستغربون كيف لا يفهم والدهم ما يقولون. يقول إنه لن يعود إلى سوريا إلا عندما يرحل بشار الأسد.


مقالات ذات صلة

اليونان تعلّق دراسة طلبات اللجوء للسوريين

المشرق العربي مهاجرون جرى إنقاذهم ينزلون من سفينة لخفر السواحل اليوناني بميناء ميتيليني (رويترز)

اليونان تعلّق دراسة طلبات اللجوء للسوريين

أعلنت اليونان التي تُعدّ منفذاً أساسياً لكثير من اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، أنها علّقت بشكل مؤقت دراسة طلبات اللجوء المقدَّمة من سوريين

«الشرق الأوسط» (أثينا)
العالم العربي دول أوروبية تعلق البت في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين (أ.ف.ب)

دول أوروبية تعلق طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد الإطاحة بالأسد

علقت دول أوروبية كثيرة التعامل مع طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد استيلاء المعارضة على دمشق وهروب الرئيس بشار الأسد إلى روسيا بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

جزر الباهاماس ترفض اقتراح ترمب باستقبال المهاجرين المرحّلين

قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية إن جزر الباهاماس رفضت اقتراحاً من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب المقبلة، باستقبال المهاجرين المرحَّلين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مهاجرون أفارقة خلال محاولتهم اقتحام معبر سبتة الحدودي مع إسبانيا (أ.ف.ب)

إسبانيا تشيد بتعاون المغرب في تدبير تدفقات الهجرة

أشادت كاتبة الدولة الإسبانية للهجرة، بيلار كانسيلا رودريغيز بـ«التعاون الوثيق» مع المغرب في مجال تدبير تدفقات الهجرة.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي مهاجرون يعبرون بحر المانش (القنال الإنجليزي) على متن قارب (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle 00:32

العراق وبريطانيا يوقعان اتفاقاً أمنياً لاستهداف عصابات تهريب البشر

قالت بريطانيا، الخميس، إنها وقعت اتفاقاً أمنياً مع العراق لاستهداف عصابات تهريب البشر، وتعزيز التعاون على الحدود.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.