كاظم الساهر يبحر بجمهور جدة والخبر على شواطئ الحب والغرام طرباً

كاظم الساهر خلال الحفل الغنائي الذي أحياه بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في جدة أول من أمس (الشرق الأوسط)
كاظم الساهر خلال الحفل الغنائي الذي أحياه بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في جدة أول من أمس (الشرق الأوسط)
TT

كاظم الساهر يبحر بجمهور جدة والخبر على شواطئ الحب والغرام طرباً

كاظم الساهر خلال الحفل الغنائي الذي أحياه بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في جدة أول من أمس (الشرق الأوسط)
كاظم الساهر خلال الحفل الغنائي الذي أحياه بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في جدة أول من أمس (الشرق الأوسط)

أبحر الفنان العراقي كاظم الساهر بجمهوره في جدة والخبر (غرب وشرق السعودية)، في حفلين متتاليين ضمن سلسلة حفلاته الجماهيرية التي تُقام بالمملكة، في دروب الحب والغرام صادحاً بأجمل أغانيه هياماً وطرباً وسط حشد جماهيري كبير امتلأ بهم جنبات المسرحين المخصصين بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في مدينة جدة، أول من أمس، ومسرح معرض «الظهران إكسبو» بمدينة الخبر، أمس.
ويختتم الفنان العراقي الملقب بـ«القيصر» سلسلة حفلاته الجماهيرية، اليوم، بالصالات الخضراء في العاصمة الرياض التي تقام بتنظيم من شركة «بنش مارك»، وبإشراف اللجنة الفنية بالهيئة العامة للثقافة، بعد النجاح الذي حققه في الحفلين اللذين أقامهما في جدة، أول من أمس، ومدينة الخبر، أمس.
وتغنى الساهر بباقية من أجمل أغانيه، ومنها تلك التي خط كلماتها الشاعر نزار قباني، الذي عُرف بشاعر الرومانسية والمرأة، وذلك خلال الحفلين اللذين أُقيما بالمدينتين الساحليتين وسط تفاعل جماهيري كبير مع كلمات الأغاني، ومشاركة القيصر بغنائها ومن بينها «علمني حبك»، و«زيديني عشقاً»، و«سألتك بالله لا تتركيني»، و«يا قمر يطلع كل مساء» و«أكرهها» و«أحبك جداً»، و«دلوعتي خاصمتها» و«قولي أحبك» وغيرها من الأغاني العاطفية، قبل أن يودع جمهوره في جدة على نغمات موسيقى لأجمل أغانيه، وسط مطالبات باستمراره بالغناء، وهو ما ثمنه لهم القيصر بمبادلتهم المحبة. وحرصت كثير من الجماهير السعودية على حضور الحفل مبكراً ليكونوا في استقبال كاظم الساهر، وبادلهم الفنان العراقي الحب على المسرح طرباً، حيث ظهر في إحدى الصور وهو يشكل بيديه إشارة «القلب»، ليؤكد لهم تقديره وامتنانه.
وكان حفل القيصر في جدة الإطلالة الأولى له بالمدينة الساحلية (غرب السعودية) والثالثة له بالمملكة، حيث أطل في أول حفل له في مهرجان سوق عكاظ بالطائف، في يوليو (تموز) من العام الماضي، والحفل الثاني في فبراير (شباط) العام الحالي، ضمن فعاليات مهرجان «شتاء طنطورة» بالعلا، وحقق أصداءً كبيرة.
ومن المنتَظر أن تشهد جولة قيصر الغناء كاظم الساهر (في السعودية) زخماً جماهيريّاً، لشعبيته العريضة التي يتمتع بها، ومكانته الفنية والموسيقية باعتباره واحداً من أهم نجوم الأغنية العربية. وكان آخر حفل جماهيري لكاظم الساهر في السعودية، في يوليو الماضي، ضمن فعاليات مهرجان «سوق عكاظ» بمدينة الطائف غرب المملكة، كما شارك في فبراير (شباط) من العام الحالي، في حفل آخر ضمن فعاليات مهرجان «شتاء طنطورة» الثقافي الذي أقيم في مدينة العلا شمال السعودية.
بينما شهدت مدينة الرياض، أول من أمس (الخميس)، حفلاً غنائياً للفنان المصري تامر حسني، هو الرابع من نوعه في السعودية، حضرته جموع غفيرة، محققاً بذلك رقماً قياسياً جديداً في عدد الحضور يُضاف إلى ما حققه في جدة والخبر، مقدماً خلال الحفل جملة من أغانيه التي شهدت تفاعل الجمهور معها طوال فقرة الحفل.
وأعرب الفنان المصري عن سعادته بالنجاح الذي حققه حفله بالرياض، وذلك عبر صفحته على «إنستغرام»، مقدماً شكره لجمهور الرياض والسعودية على الحضور المبهر والاستقبال الحافل، منوهاً: «كان النجاح استثنائياً، كل الشكر والتقدير للمملكة العربية السعودية».
وفي جدة، أشعل الفنان ماجد المهندس والفنانة اللبنانية إليسا الحفل الغنائي الذي أقيم بأحد الفنادق الكبرى، يوم أمس، وشهد حضوراً جماهيرياً كبيراً، حيث تغنى الثنائي بأجمل أغانيهما وسط تفاعل جماهيري مع وصلتهما الغنائية.
وفي الرياض تضرب الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب موعداً مع جمهورها في حفل استثنائي هو الأول لها بالعاصمة، يُنتظر أن يشهد حضوراً جماهيرياً كبيراً.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)