مجلس الأمن يعبر عن «قلق بالغ» من عدم تنفيذ اتفاق استوكهولم

أشاد بالمساهمات الإنسانية للسعودية والإمارات

مجلس الأمن يعبر عن «قلق بالغ» من عدم تنفيذ اتفاق استوكهولم
TT

مجلس الأمن يعبر عن «قلق بالغ» من عدم تنفيذ اتفاق استوكهولم

مجلس الأمن يعبر عن «قلق بالغ» من عدم تنفيذ اتفاق استوكهولم

عبر مجلس الأمن عن «القلق البالغ» من عدم تنفيذ اتفاقات استوكهولم حتى الآن رغم مضي أكثر من 4 أشهر على توصل الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي إليها في العاصمة السويدية، محذراً من أعمال العنف التي «تهدد بتقويض وقف النار» في الحديدة، في إشارة إلى الانتهاكات المتواصلة إلى ترتكبها ميليشيات الحوثيين. ورحب بمساهمة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بمبلغ 200 مليون دولار لوكالات الأمم المتحدة في اليمن من أجل الإغاثة الإنسانية خلال شهر رمضان المبارك.
وبعد مفاوضات تولت فيها البعثة الكويتية الدائمة لدى الأمم المتحدة دوراً رئيسياً مع الجانب البريطاني من أجل إدخال بعض التعديلات الجوهرية على النص المقترح، وافق الأعضاء الـ15 بالإجماع على البيان الذي عبر فيه أعضاء مجلس الأمن عن «قلقهم البالغ» من أنه بعد 4 أشهر من الاتفاقات التي توصلت إليها الحكومة اليمنية مع الحوثيين في استوكهولم «لم يجر تنفيذ هذه الاتفاقات بعد»، مكررين تأييدهم هذه الاتفاقات ومطالبين بـ«تنفيذها من دون تأخير». وأكدوا «دعمهم الكامل» للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى اليمن مارتن غريفيث ورئيس «لجنة تنسيق إعادة انتشار القوات في الحديدة» الجنرال مايكل لوليسغارد، مرحبين بـ«جهودهم الدؤوبة» لدعم تنفيذ الاتفاق، وكذلك بتوافق الحكومة اليمنية والحوثيين على «مفهوم العمليات» للمرحلة الأولى من إعادة الانتشار بموجب اتفاق الحديدة. ودعوا الطرفين إلى «الانخراط بشكل بناء» مع غريفيث ولوليسغارد بغية «التوافق سريعاً» على ترتيبات قوى الأمن المحلية و«مفهوم العمليات» للمرحلة الثانية من إعادة الانتشار، مطالبين بتنفيذ خطط إعادة الانتشار «في أسرع وقت ممكن، وعدم السعي إلى استغلال عملية إعادة الانتشار». وأكدوا التزامهم بـ«رصد امتثال الأطراف» لهذه الخطط. ولاحظوا أن «العوائق البيروقراطية، بما في ذلك على المستوى المحلي، لا تزال تعوق قدرة الأمم المتحدة على العمل بفعالية في الحديدة»، مطالبين الأطراف بـ«اتخاذ كل الخطوات الضرورية لتسهيل حركة موظفي الأمم المتحدة والمعدات والإمدادات واللوازم الأساسية داخل اليمن، بما في ذلك عن طريق توفير الترتيبات المناسبة للسفينة التابعة لبعثة الأمم المتحدة لدعم تنفيذ اتفاق الحديدة، ومواصلة ضمان الأمن وسلامة موظفي الأمم المتحدة، وفقاً للقرار (2452)».
ولاحظ أعضاء مجلس الأمن «بقلق» أعمال العنف التي «تهدد بتقويض وقف النار في الحديدة» مطالبين الأطراف بـ«مضاعفة الجهود لوضع اللمسات الأخيرة على ترتيبات اتفاق تبادل السجناء وتأليف لجنة التنسيق المشتركة في تعز».
وعبروا عن «قلقهم من التصاعد الأخير للعنف في أماكن أخرى من اليمن، لا سيما في حجة وعلى الحدود اليمنية - السعودية». وجددوا التعبير عن «قلقهم من استمرار تدهور الوضع الإنساني في كل أنحاء اليمن»، مشجعين المجتمع الدولي على «تقديم الدعم الكامل» لـ«خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لعام 2019».
ورحبوا بـ«التعهدات السخية» التي جرت في الاجتماع رفيع المستوى لجمع التبرعات للأزمة الإنسانية في اليمن، داعين كل المانحين إلى «تسديد أموالهم المعلنة بشكل عاجل»، مرحبين بإعلان المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المساهمة بـ200 مليون دولار لوكالات الأمم المتحدة في اليمن من أجل الإغاثة الإنسانية خلال شهر رمضان، وكرروا دعوتهم الأطراف إلى «تسهيل الوصول السريع والآمن ومن دون عوائق» للعاملين في المجال الإنساني والإمدادات إلى كل مناطق اليمن، وكذلك «الوصول السريع والمستدام إلى المرافق الإنسانية، بما في ذلك مرافق تخزين الأغذية والمستشفيات»، مشددين على «الحاجة الملحة إلى الوصول المستمر للأمم المتحدة إلى مطاحن البحر الأحمر».
ودعوا إلى «تسهيل تدفق الإمدادات التجارية والإنسانية من دون عوائق»، طالبين من الأطراف «الوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك ضمان حماية المدنيين». وعبروا عن «قلقهم العميق من التأثير المدمر الذي خلفه هذا النزاع على المدنيين، خصوصاً الأطفال اليمنيين»، مذكرين الأطراف بـ«التزاماتهم تجاه الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح» وداعين إياهم إلى «الانخراط بشكل بنّاء مع الممثل الخاص المعني بالأطفال والنزاع المسلح (فيرجينيا غامبا) في هذا الصدد وتنفيذ التزاماتهم».
وذكر أعضاء مجلس الأمن بطلبهم من الأمين العام تقديم تقرير شهري عن التقدم المحرز فيما يتعلق بتنفيذ القرار «2452»، بما في ذلك «أي عوائق من أي طرف تحول دون العمل الفعال» لبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة والقرار «2451»، بما في ذلك «أي عدم امتثال من أي طرف»، مشددين على «الحاجة إلى تسوية سياسية شاملة باعتبارها السبيل الوحيد لإنهاء النزاع». وأشاروا إلى «الدور الحاسم لبناء السلام الذي تضطلع به المرأة في اليمن»، معبرين عن «إيمانهم بأنه لا يمكن الوصول إلى حل دائم إلا بمشاركة كاملة من النساء وانخراط الشباب بشكل حقيقي في العملية السياسية».
ولاحظوا أن اتفاقات استوكهولم «خطوة مهمة في عملية إنهاء النزاع في اليمن»، مكررين مطالبة الأطراف بـ«تجديد التزامها بهذه العملية للوصول إلى تسوية سياسية شاملة بقيادة يمنية على النحو المنصوص عليه في القرار (2216) وغيره من قرارات وبيانات رئاسية من مجلس الأمن، وكذلك في مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليات تنفيذها ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني». وأكدوا «التزامهم القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟