موسكو تراهن على حسم اللجنة الدستورية السورية في اجتماع آستانة

تسعى إلى تضييق التباينات مع أنقرة وطهران

TT

موسكو تراهن على حسم اللجنة الدستورية السورية في اجتماع آستانة

قبل أسبوع على انعقاد الجولة الجديدة من المفاوضات في إطار «مسار آستانة» تواجه موسكو تعقيدات جدية، على صعيد ترتيب الأولويات مع الحليفين التركي والإيراني، وبدا أنها تعزز الجهود في اتجاه الخروج بقرارات حاسمة في ملف تشكيل اللجنة الدستورية على الأقل، في ظل فشلها في حشد تأييد إقليمي ودولي حول ملفي عودة اللاجئين وإعادة الإعمار.
والجولة التي تنعقد يومي 25 و26 أبريل (نيسان) ستكون الأولى التي تحمل عنوان «نور سلطان» وهو الاسم الجديد للمدينة التي منحت اسمها السابق إلى مسار المفاوضات بين روسيا وتركيا وإيران، وهي الأطراف الحاضرة عسكرياً بشكل مباشر على الأرض السورية. لكن هذا التغيير لن يكون له تأثير على المسار السياسي، وثمة تغييرات أكثر جدية منه لعبت أدواراً في تعقيد المهمة الروسية، بينها اتضاح التضارب في المواقف والأولويات بين الشركاء الثلاثة في المسار، واتخاذ التباينات أشكالاً علنية خلال الفترة الأخيرة بعدما ظلت مخفية في السنتين الماضيتين.
ومع «عقدة إدلب» التي ما زالت تشكل نقطة خلافية حادة بين موسكو وأنقرة، فإن تطلعات تركيا في الشمال السوري زادت من تعقيد الموقف أمام موسكو خصوصاً أن أنقرة تجاهلت حتى الآن الدعوة الروسية لفتح اتصالات مباشرة أو غير مباشرة مع النظام، ومناقشة آليات مشتركة لتحديث اتفاق أضنة الموقّع في عام 1998، والصعوبات الروسية مع الجانب الإيراني لا تقل أهمية على خلفية التنافس المحتدم بين الطرفين للفوز بعقود تجارية أو صناعية أو استثمارية كبرى، وفي إطار سعي كل طرف إلى فرض أمر واقع لتعزيز مواقعه في أي تسوية سياسية مقبلة.
هذه القضايا تظل محور نقاشات تدور خلف أبواب مغلقة بين الأطراف الثلاثة، وفقاً لتأكيد مصادر روسية تحدثت عن «خطة باء» وضعتها موسكو للتعامل مع الطموحات الإيرانية والتركية من دون أن تخسر التحالف القائم حالياً.
على هذه الخلفية تنعقد جولة المفاوضات، وسط توقعات محدودة في الخروج بتسويات تقرِّب وجهات النظر في الملفات الأساسية العالقة، لكن في المقابل يبرز السعي «الثلاثي» للحفاظ على المسار الذي «لا يوجد بديل عنه للأطراف الثلاثة حالياً».
مع مشكلات موسكو مع حليفيها، برز فتور مع النظام في الفترة الأخيرة، وتكاد الصحف الفيدرالية الروسية تذكّر كل يوم بأن الرئيس بشار الأسد «يميل أكثر إلى الارتماء في أحضان طهران، ما يزيد من قلق موسكو». هنا أيضاً لا تبدو موسكو متسرعة في تغيير قواعد اللعبة، وهي ما زالت تعمل بجهد على إعادة تعويم النظام عربياً رغم أن جهودها حتى الآن ما زالت محدودة النتائج.
يبدو دفع ملف اللجنة الدستورية «الإنجاز الوحيد الممكن» في جولة آستانة المقبلة، إذ لا توافقات حول إدلب ولا حول الوضع في الشمال، ولا حيال التعامل مع التحركات الأميركية، ولا حتى حول ملف بسيط ومطلبي ظل يراوح طوال جولات التفاوض السابقة، يتعلق بتسوية ملف المعتقلين والسجناء.
في هذه الأجواء، تحمِّل موسكو أطرافاً أخرى المسؤولية عن احتمال فشل «مسار آستانة»، وجاءت كلمات الوزير سيرغي لافروف أمس، لتكرر اتهامات سابقة بـ«وقوف أطراف غربية خلف محاولات تقويض المسار» وحذر لافروف الأمم المتحدة «من الانجرار وراء هذه المحاولات».
لم يوضح الوزير الروسي ما المقصود بـ«الانجرار» المحتمل للأمم المتحدة ضد مسار آستانة، وبدت العبارة غريبة، خصوصاً أنها قيلت بعد مرور يومين على اتصال هاتفي أجراه الوزير مع الأمين العام للأمم المتحدة وتبعته دعوة رسمية وجّهتها موسكو إلى المبعوث الدولي بيدرسن للمشاركة في الجولة المقبلة.
تخشى موسكو كما يبدو من قيام الأمم المتحدة بربط مسار تشكيل الدستورية بتحسن الوضع على الأرض وتثبيت عملية وقف النار، لذلك قال لافروف إن «الوضع في سوريا لا يعيق تشكيل اللجنة الدستورية في المستقبل القريب». وأوضح أنه «سيتعين علينا حل مشكلة القضاء على الإرهاب في إدلب على أساس الاتفاقات الروسية التركية، وعلى أساس أن الإرهابيين لا يمكنهم البقاء هناك إلى الأبد».
كما تحدث عن ضرورة حل مشكلة شمال شرقي سوريا والضفة اليسرى للفرات، من أجل استعادة الحكومة السورية لتلك المناطق وإقامة حوار مع الأكراد وفي الوقت نفسه ضمان المصالح الأمنية لتركيا.
هكذا لا يرى لافروف سبباً لإرجاء إعلان الأمم المتحدة عن إنجاز تشكيل «الدستورية» خصوصاً أن موسكو تعمل مع شريكيها على حسم الخلاف حول بعض الأسماء المرشحة قبل موعد انعقاد آستانة.
وهنا كان على لافروف أن يذكّر الأمم المتحدة بوجهة النظر الروسية حول أن «دور الأمم المتحدة هو مجرد وسيط وليس صاحب قرار» وهو انطلق في موقفه من «مخرجات مؤتمر سوتشي للحوار» الذي نظمته موسكو ورعته بنفسها وكان حضور الأمم المتحدة فيه هامشياً.
هكذا يبدو أن متاعب روسيا في سوريا أُضيفت إليها السجالات مع الأمم المتحدة.
وفي الطريق إلى جولة آستانة المقبلة فشلت موسكو في الترويج عربياً لهذا المسار، وهو ما أظهرته نتائج جولات الحوار في منتدى التعاون العربي الروسي على المستوى الوزاري، ويكفي أن الجانب العربي أصر على شطب كل إشارة إلى دورَي تركيا وإيران من الوثيقة الختامية للمنتدى، ما عكس موقف الجانب العربي من مسار آستانة عموماً، الذي رغم أنه ذُكر في البيان المشترك أكثر من مرة لكن لم تُظهر الأطراف العربية اهتماماً بالمشاركة فيه خلافاً للدعوات الروسية المتكررة.



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».