«نوتردام»... أسلوب معماري يعود للأسلاف في الشرق الأوسط القديم

الكاتدرائية شبيهة بـ«قلب لوزة» في شمال غربي سوريا

واجهة كاتدرائية نوتردام في باريس (أ.ف.ب)
واجهة كاتدرائية نوتردام في باريس (أ.ف.ب)
TT

«نوتردام»... أسلوب معماري يعود للأسلاف في الشرق الأوسط القديم

واجهة كاتدرائية نوتردام في باريس (أ.ف.ب)
واجهة كاتدرائية نوتردام في باريس (أ.ف.ب)

كانت ليلة صادمة لنا جميعاً، فقد شهدنا بأم أعيننا اندلاع النيران في كاتدرائية نوتردام العتيقة في العاصمة الفرنسية باريس. وكيف يتبدى للقليلين منا معرفة أن تلك الكاتدرائية المهيبة، بنظامها المعماري البديع، وبرجيها التوأمين المرافقين للمدخل الكبير، ونوافذها الوردية الجميلة، وأقواس سقوفها المضلعة، وقمتها المستدقة المدببة، ترجع بأصول تصاميمها إلى الأسلاف في الشرق الأوسط القديم!
لقد توالت خطابات ورسائل التعازي، تعرب عن عميق الحزن لما ألمّ بالكاتدرائية من خسائر، وتُشيد بدورها الكبير كأبرز أيقونات التراث الأوروبي المشترك، وإحدى بواعث الهوية الأوروبية عبر العصور. وكان من بين كلمات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن قال: «كلنا نحترق لوعة وأسى على هذه الكاتدرائية المجيدة».
دعونا نبدأ بتصميم البرجين التوأمين. يأتي المثال الأقرب ممثلاً في أحد تلال شمال غربي سوريا الراهنة، في محافظة إدلب، وعلى وجه التحديد داخل كنيسة مشيّدة من الحجر الجيري المحلي في منتصف القرن الخامس الميلادي، ويُطلق عليها «قلب لوزة» باللغة العربية، وهي تستأهل كل مديح كيل لها، على اعتبار أنّها واحدة من أفضل الأمثلة الباقية والمُحافظ عليها للهندسة المعمارية الكنسية السورية حتى اليوم. وهي عبارة عن كنيسة عريضة الأضلاع الدّاخلية في تناسب بديع ورائع، مما جعلها رائدة ما عُرف بعد ذلك باسم «عصر العمارة الروماني».
وفيما يعد اعترافاً متأخراً بأهميتها المعمارية والتاريخية، أدرجت تلك الكنيسة العتيقة على موقع التراث العالمي لمنظمة «اليونيسكو»، اعتباراً من عام 2011، تحت تسمية «قرى الشمال السوري القديمة». ومن الناحية المحلية، فإن هذه القرى معروفة باسم «المدن الميتة»، وهي تجمعات تضم نحو 800 مستوطنة مبنية بالحجارة من العهد البيزنطي، مع ما يربو على أكثر من ألفي كنيسة ترجع بتاريخ إنشائها إلى القرنين الرابع والسادس الميلاديين. من ثمّ أعيدت التسمية لتكون «المدن المنسية» من قبل وزارة السياحة السورية، قبل اندلاع الحرب الأهلية الجارية.
ينقسم البهو الدّاخلي لكنيسة «قلب لوزة» إلى ثلاثة أجزاء، إضافة إلى صحن مركزي، وتشيع أصداء الثالوث في كافة أرجاء تصميم الكنسية، من الممرات الثلاثة، والأعمدة الثلاثة على كل جانب من جوانب صحن الكنيسة، وثلاث نوافذ للواجهة، إلى جانب نوافذ للمحراب الأوسط، وثلاثة أقواس تقسم الصّحن المركزي من الممرات الجانبية. وكان من المفترض بالصّحن المركزي أن يكون سقفه الأصلي من الخشب، ولكنّه انقضى أثره منذ فترة طويلة، فيما لا تزال القبة المدببة حول المحراب شبه الدائري موجودة حتى اليوم.
وشاهدت قوات «الفرنجة» (أو القوات الفرنسية بالمصطلح الحديث)، هذه الكنائس في القرن الثاني عشر الميلادي، وجلبوا أفكار تصميمها وتشييدها مع عودتهم إلى أوروبا؛ حيث عكفوا على مزيد من التطوير في تصاميمها هناك.
وتطور الفكر المعماري القوطي، على نحوه المعروف اليوم، المنتشر في كافة أرجاء كاتدرائية نوتردام وجميع الكاتدرائيات الأوروبية الكبرى، من فكرة القوس المدبب التي ترجع في أصلها الأول إلى تصميم مسجد أحمد بن طولون في القاهرة، لتجد طريقها انتقالاً إلى صقلية على أيدي تجّار بلدة «أمالفي» الملحقة بمقاطعة ساليرنو الإيطالية. وتمكن المسلمون، من خلال معرفتهم المتقدّمة بعلوم الهندسة وفنون العمارة وقوانين الإحصاء، من تطوير كل من «قوس حدوة الحصان» (المعروف أيضاً باسم قوس المغاربة) الذي شوهد للمرة الأولى في المسجد الأموي في دمشق، من ثمّ عكف الأمويون على مزيد من التطوير والابتكار في «مسجد قرطبة الكبير» في الأندلس، وكذلك القوس المدبب الذي منح المباني ارتفاعاً يفوق الأقواس الكلاسيكية.
وكان أول المباني الأوروبية استخداماً لفكرة القوس المدبب هو «دير مونتي كاسينو» المشيد في عام 1701، الذي كان مموّلاً من تجّار «أمالفي» سالفي الذكر. وانتقلت الفكرة نفسها شمالاً إلى كنيسة كلوني التي تفاخر غيرها من الكنائس بوجود 150 قوساً مدبباً في ممراتها الدّاخلية. ومن ثم شاعت تلك الموضة المعمارية وذاع صيتها في مختلف الكنائس الأوروبية، وذلك للقوة التي يحظى بها القوس القوطي المدبب على نظيره المستدير المستخدم بواسطة الرومان والنورمان من قبل، الأمر الذي أتاح تشييد المباني الأكبر مساحة، والأطول ارتفاعاً، والأكثر تعقيداً على شاكلة مختلف الكاتدرائيات الأوروبية العتيقة والحديثة.
ومن بين المقتبسات الأخرى التي استمدت من التصاميم الإسلامية القديمة، والتي نجدها واضحة في كاتدرائية نوتردام الفرنسية، هناك الأقبية المضلعة (يرجع تاريخها إلى القرن الثامن الميلادي للعصر العباسي في العراق)، والنوافذ الوردية (التي شوهدت للمرة الأولى في «قصر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك» إلى الشمال من مدينة أريحا الحالية)، والقمم المستدقة (التي انهارت بصورة مذهلة في كاتدرائية نوتردام مع تداعي السقف الخشبي الدّاعم لها من الأسفل). وكانت القمة المستدقة الأولى توجد في المسجد الأموي في دمشق، وقد شيدت في أوائل القرن الثامن الميلادي.
أمّا في إنجلترا، فكان أول وجود للقمم المستدقة على قمة «كاتدرائية القديس بولس» في عام 1221. ولقد دُمّرت تماماً في حريق لندن الكبير عام 1666، وأعيد بناؤها مجدداً في عام 1710 على يد السير كريستوفر ورين، الذي يعتبر من أكبر عشاق الهندسة المعمارية الإسلامية، والذي عكف على دراسة المساجد المغربية والعثمانية القديمة على نطاق واسع.
وقال السير ورين: «كان القوط مخربين مدمرين أكثر منهم بناة مشيدين. وأعتقد لعدة أسباب وجيهة أن نُطلق على أسلوبهم المعماري اسم (النمط المعماري العربي القديم)». ويظهر من تحفته الفنية في كاتدرائية القديس بولس مزيج راقٍ بين القبة والبرج، بالإضافة إلى بنية القباب في ممرات الكاتدرائية الدّاخلية، تلك التي تعكس في وضوح كبير البصمة المعمارية الإسلامية الرّاسخة، على النحو المشاهد بجلاء في كاتدرائية نوتردام الباريسية العتيقة.

- كاتبة بريطانية



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.