تباين روسي ـ عربي حول إعمار سوريا وعودة اللاجئين

موسكو تدعو بيدرسن إلى آستانة نهاية الشهر

TT

تباين روسي ـ عربي حول إعمار سوريا وعودة اللاجئين

أظهرت نتائج نقاشات المنتدى الوزاري العربي – الروسي الذي انعقد في موسكو، أمس، استمرار التباين بين الطرفين حول الملفات المتعلقة بالشأن السوري، خصوصاً في مسألة تقويم «مسار آستانة» والملف المتعلق بالدعوات الروسية المتكررة لدفع مسار عودة اللاجئين وإعادة الإعمار في سوريا.
ورغم أن البيان الختامي الصادر عن المنتدى أشار إلى العناصر المشتركة في الموقفين العربي والروسي خصوصاً في إطار التركيز على الحل السياسي للأزمة السورية على أساس القرار الدولي 2254، وتضمن إشارة حملت إقراراً عربياً بـ«أهمية الجهود التي تبذلها موسكو لتسوية الوضع في سوريا»، فإن النقاشات عكست عدم تحقيق تقارب في وجهات النظر حول عدد من القضايا المتعلقة بالشأن السوري، وهذا برز في اختيار عبارات عامة حول التسوية تم تضمينها في البيان الختامي وتجاهل الرغبة الروسية في التركيز على مسار آستانة، أو على مبادرات موسكو حول الدعوة إلى تسريع عملية إعادة اللاجئين وإطلاق مشروعات تأهيل وإعمار البنى التحتية لتوفير الظروف المناسبة لذلك.
وتعمّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عدم الخوض في التفاصيل الخلافية في مؤتمر صحافي موجز عقده في ختام جولة المباحثات مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الصومالي أحمد عيسى عوض، الذي كان يرأس المجموعة العربية.
وقال أبو الغيط في وقت لاحق للصحافيين إن المواقف العربية والروسية «ربما لا تصل إلى حال تلاقٍ كامل في الرؤية المتعلقة بالتسوية في سوريا»، لكنه شدد على أهمية الإشارة العربية إلى «جهود موسكو لدفع التسوية». وعندما سئل عن ملفي الإعمار وعودة اللاجئين أكد أنه «من أجل أن يعود المواطن السوري إلى بلاده يجب أن تتوافر له ظروف تسمح بالعيش الكريم». كما أشار إلى أن كثيراً من البلدان «مستعدة لتقديم مساهمات في ملف إعادة الإعمار لكنها ترى أن التسوية السياسية يجب أن تسبق أي تحرك في هذا الاتجاه».
وتطرق أبو الغيط إلى مسألة عودة سوريا إلى الجامعة، وقال إن المحادثات في موسكو أظهرت أنه لا يوجد وضع جديد في هذا الشأن، وأن البلدان العربية لديها انقسام بين موقفين، وهناك أطراف ترى أنه لا بد من توفير اشتراطات يجب توافرها لعودة سوريا لشغل مقعدها.
ورداً على سؤال عن الخطط التركية في الشمال السوري، شدد أبو الغيط على موقف الجامعة الرافض للتحركات التركية في سوريا والعراق، وأشار إلى قرارات صادرة عن الجامعة العربية وعن القمم العربية تؤكد على الموقف في هذا الشأن.
وكان لافتاً أن الوزير الروسي تجنب، في حديث مع الصحافيين بعد الجلسات، الإشارة إلى دعوة أطراف عربية للمشاركة في «مسار آستانة» على الرغم من أن الخارجية الروسية كانت قد أكدت قبل يومين أنها تعمل لضم أطراف إقليمية جديدة إلى المسار. وعكس هذا الموقف تبايناً آخر في المواقف بين الطرفين.
في المقابل، أعلن لافروف أنه تمت دعوة المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، لحضور المفاوضات الخاصة بسوريا التي ستجرى هذا الشهر في عاصمة كازاخستان، نور سلطان. وأشار لافروف في المؤتمر الصحافي المشترك إلى أن الجانب الروسي أبلغ المشاركين في عملية آستانة بدعوة بيدرسن، وأنه أطلع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على ذلك ودعاه للإسهام في دفع هذه المفاوضات.
وفي وقت سابق، ذكرت وزارة الخارجية الكازاخية، أن المفاوضات المقبلة ستُعقد في نور سلطان يومي 25 و26 أبريل (نيسان) الجاري. وكانت الخارجية الروسية قد أعلنت أن لافروف بحث الملف السوري في اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وأوضحت أن الطرفين «تناولا مسائل تسوية النزاعات والأزمات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع التركيز على سوريا». وأضاف البيان أن «الجانب الروسي أكد سعيه لمواصلة التعامل الفعال مع الأمم المتحدة حول الملفات المطروحة».
إلى ذلك قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، إن عدداً من البلدان مهتمة بالانضمام إلى محادثات آستانة، من دون أن يوضح ما إذا كان بينها بلدان عربية.
وأضاف فيرشينين أن البلدان الضامنة لمحادثات آستانة، تركيا وروسيا وإيران، «يجب أن تتخذ قراراً بشأن انضمام بلدان أخرى».
وكان من المقرر عقد جولة جديدة من مفاوضات آستانة في 14 من فبراير (شباط) الماضي، لكن تم تأجيلها بسبب تعارضها مع قمة سوتشي التي جمعت رؤساء البلدان الضامنة: الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، والإيراني حسن روحاني. في حين قالت مصادر روسية في حينها إن الأطراف لم تكن توصلت في ذلك الوقت إلى توافق على أجندة جولة المفاوضات بسبب بروز تباينات حول الأولويات فيما بينها.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».