فاس تعيش على إيقاع تأهيل مدينتها العتيقة وتثمينها تحت إشراف ملكي

انطلاق أعمال ترميم متحف «البطحاء» وبناء متحف للثقافة اليهودية

العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال زيارته لمشاريع إعادة تأهيل المدينة العتيقة لفاس وتثمينها (ماب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال زيارته لمشاريع إعادة تأهيل المدينة العتيقة لفاس وتثمينها (ماب)
TT

فاس تعيش على إيقاع تأهيل مدينتها العتيقة وتثمينها تحت إشراف ملكي

العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال زيارته لمشاريع إعادة تأهيل المدينة العتيقة لفاس وتثمينها (ماب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال زيارته لمشاريع إعادة تأهيل المدينة العتيقة لفاس وتثمينها (ماب)

تعيش مدينة فاس المغربية حالياً على إيقاع تأهيل مدينتها العتيقة وتثمينها. وذلك في سياق دينامية التنمية التي تعرفها المدن العتيقة في المملكة، وتدعيم جاذبيتها السياحية والثقافية، وإنعاش تراثها الحضاري والإنساني، فضلاً عن تحسين مداخيل الصناع التقليديين وتنمية الاقتصاد الاجتماعي.
في غضون ذلك، زار العاهل المغربي الملك محمد السادس، أول من أمس، مجموعة من المشاريع المنجزة في إطار برامج إعادة تأهيل المدينة العتيقة لفاس وتثمينها، وإعطاء انطلاقة أشغال ترميم متحف «البطحاء» وبناء متحف للثقافة اليهودية.
وتنسجم هذه المشاريع التي زارها أو أطلقها ملك المغرب مع رؤيته الرامية إلى المحافظة على التراث الوطني بجميع أشكاله التعبيرية وحمايته لفائدة الأجيال الصاعدة، وكذا في إطار الجهود المبذولة قصد النهوض بإشعاع الحاضرة الألفية لفاس التي شكلت عبر العصور نموذجاً للتعايش بين الحضارات والثّقافات، كما تترجم إرادة ملكية راسخة، لضمان تنمية مستدامة ومسؤولة لسياحة ذات جودة وقيمة مضافة بشرية وثقافية، وكذا تحسين جودة حياة الساكنة، والمحافظة على الطّابع الحضري والمعماري، وتثمين التراث المادي واللا مادي للعاصمة الروحية للمملكة.
ومن بين المشاريع التي زارها الملك محمد السادس «حمام الصفارين»، الذي رممته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتكلفة مالية ناهزت مليون دولار، و«فندق السطاونيين» الذي تطلبت أشغال إعادة تأهيله استثمارات بقيمة تناهز 5.3 مليون دولار، أسهم في تمويلها حساب تحدي الألفية الأميركي بنسبة 50%، ومكّنت هذه العملية من تحويل الفندق العريق إلى مركز للابتكار وتبادل الأفكار المرتبطة بمهن الحياكة.
في سياق الجولة التفقدية نفسها لمشاريع ترميم وتأهيل مدينة فاس العتيقة، زار العاهل المغربي مشروع تهيئة مركب الصناعة التقليدية والتنشيط بساحة «لالة يدونة»، بتكلفة مالية تناهز 35 مليون دولار، أسهم حساب تحدي الألفية الأميركي في تمويلها بنحو 11 مليون دولار. وتضمّن هذا المشروع إعادة تأهيل 11 بناية تقليدية، وبناء 7 بنايات جديدة، وتهيئة وادي الجواهر والفضاءات الخارجية، بالإضافة إلى ترميم قنطرة بين المدن التاريخية. ومن بين 18 بناية، يتضمنها المركب، تأخر استكمال بناية واحدة بسبب استكشافات أثرية.
وزار الملك محمد السادس أيضاً مركز التراث والمعلومات «لالة يدونة»، الذي يعدّ فضاء للتّواصل وتحسيس العموم بالأهمية والقيمة التراثية للمدينة العتيقة لفاس، وكذا بمختلف العمليات والمبادرات التي تم القيام بها للحفاظ عليها.
وأشرف العاهل المغربي على إعطاء انطلاقة أشغال ترميم متحف «البطحاء»، باستثمار يناهز 1.64 مليون دولار، وبناء متحف للثقافة اليهودية في حي «فاس الجديد» بتكلفة تناهز 11 مليون دولار. ويندرج هذان المشروعان في إطار البرنامج التكميلي لتثمين المدينة العتيقة لفاس (2018 - 2023)، الذي خصصت له استثمارات بقيمة تناهز 61.2 مليون دولار.
ويهم البرنامج التكميلي ترميم 11 معلماً وموقعاً تاريخياً، و10 أماكن للعبادة، تشمل مساجد وكتاتيب قرآنية، و37 مكاناً للاستجمام، بين حمامات وسقايات ومرافق صحية، وإعادة تأهيل 39 موقعاً للتجارة والصناعة التقليدية، وتحسين المشهد الحضري والإطار المبني، من خلال 15 موقعاً، وكذا ترميم وتأهيل دار المكينة.
ويعد مركز التراث والمعلومات «لالة يدونة»، ومركز باب المحروق أول مشروعين يتم استكمالهما في إطار هذا البرنامج. ويوجد 32 مشروعاً قيد الإنجاز، من ضمنها 12 مشروعاً تهم سقايات تقليدية باستثمار مالي يناهز 10.2 مليون دولار. كما يتضمن البرنامج التكميلي استثماراً يناهز 42.1 مليون دولار في تحسين ولوجيات المدينة العتيقة، من خلال تهيئة 8 مواقف للسيارات، تشمل باب الحمرة وباب الجديد وسيدي بونافع وباب بوجلود وعين أزليتن وباب الكيسة وواد الزحون وبين المدن، تتسع لنحو 3200 سيارة، وترصيف الشّوارع والأزقة على مسافة 23 كلم، وعنونة الشّوارع والأزقة والسّاحات في المدينة العتيقة لفاس، ووضع نظام تعريفي لفائدة السّكان والزّوار والسّياح. وفي هذا الإطار، أُطلقت أشغال تهيئة مرآبي باب الكيسة وبين المدن، بينما توجد مشاريع تهيئة مواقف السيارات في باب بوجلود وسيدي بونافع وباب الجديد وعين أزليطن في طور إرساء الصّفقات، فيما توجد ملفات طلبات العروض الخاصة بتهيئة مرآبي باب الحمرة وواد الزحون في طور الإعداد.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».