معطيات متضاربة في موسكو حيال تسلم رفات كوهين من دمشق

أنباء عن توفير أميركا غطاء جوياً لغارات إسرائيل على موقع في مصياف

TT

معطيات متضاربة في موسكو حيال تسلم رفات كوهين من دمشق

تضاربت المعطيات الروسية حول احتمال أن تكون موسكو لعبت دوراً في تسليم تل أبيب رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي أُعدم في دمشق عام 1965، في وقت نشرت فيه شركة إسرائيلية صوراً للمواقع التي قُصفت في سوريا ليلة السبت – الأحد الأخيرة وكشفت مصادر في تل أبيب أن سلاح الجو الأميركي قام بتوفير غطاء جوي لحماية الطائرات الإسرائيلية خلال غاراتها الأخيرة في حماة، وأن هذه الخطوة اتُّخذت بأوامر مباشرة من الرئيس دونالد ترمب.
وإذ التزم المستوى الرسمي الروسي الصمت حيال أنباء تسربت حول احتمال أن تكون موسكو لعبت دوراً في تسليم تل أبيب رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، شككت أوساط إعلامية في صحة التسريبات التي تناقلتها مصادر إسرائيلية، ولفتت إلى أن الحكومة السورية كانت قد أكدت لموسكو أكثر من مرة خلال العامين الماضيين أنها لا تعرف مكان دفن الجاسوس الإسرائيلي.
وتجنبت الأوساط الرسمية الروسية، الرد على أسئلة الصحافيين حول هذا الملف، ولم يصدر حتى مساء أمس، تعليق رسمي من وزارة الدفاع أو الخارجية الروسية على الأنباء التي رددتها مصادر إسرائيلية، علماً بأن موسكو كانت قد تكتمت أيضاً في وقت سابق على عمليات مماثلة، ولم تعلن عنها إلا بعد صدور معطيات تفصيلية عن الجانب الإسرائيلي.
لكن الأوساط الإعلامية الروسية شككت في صحة الرواية الإسرائيلية حول قيام وفد روسي بنقل تابوت فيه رفات كوهين من دمشق إلى موسكو أخيراً، ولفتت إلى أن موسكو كانت قد مارست ضغوطاً خلال العامين الأخيرين على دمشق من أجل تسليمها رفات كوهين، لكن الحكومة السورية كانت ترد دائماً بأنها «لا تملك معلومات عن مكان دفنه».
وأفادت المعطيات الإعلامية بأن تل أبيب حضّت أكثر من مرة خلال العامين الماضيين الجانب الروسي على «ممارسة نفوذه» على حكومة الرئيس بشار الأسد، وأن الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء طلبا بشكل شخصي من الرئيس فلاديمير بوتين التدخل لحسم هذا الموضوع، كما أن إسرائيل عادت لطرح الملف خلال زيارة قام بها رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف إلى تل أبيب، لكن هذه المحاولات «باءت بالفشل» واصطدمت في كل مرة بتأكيد دمشق أنها لا تعرف مكان دفن كوهين.
ووفقاً للمعطيات فإن موسكو تعهدت، رغم ذلك، بمحاولة تقديم المساعدة. وطلبت من مسؤولين سوريين وضع احتمالات لدراستها وإطلاق حملة بحث.
وبرر السوريون صعوبة تحديد مكان دفن كوهين بأنه تم نقل رفات الجاسوس الإسرائيلي ثلاث مرات في ستينات وسبعينات القرن الماضي، خشية قيام إسرائيل بعملية خاصة لاستعادة رفاته، وأنه دُفن في المرة الأخيرة في منطقة مأهولة، تغيرت معالمها كثيراً منذ ذلك الحين.
وعلى الرغم من ذلك لم يستبعد بعض وسائل الإعلام أن تكون موسكو ودمشق أطلقتا حملة مشتركة خلال العامين الماضيين لمحاولة تحديد مكان دفنه، مع احتمال أن يكون البحث أسفر عن انتشال رفات عدد من الأشخاص لإجراء فحوص الحمض النووي عليهم، كما حصل عندما حدد الخبراء الروس والإسرائيليون موقع رفات الجندي الإسرائيلي زاخاريا باومل إثر عملية معقدة قام بها الجيش الروسي بالتعاون مع الجيش السوري، وفقاً لتأكيد الرئيس فلاديمير بوتين. وقامت موسكو بتسليمه للإسرائيليين أخيراً. وكان جهاز «الموساد» الإسرائيلي قد أعلن في وقت سابق أن موسكو ساعدت في تسليم تل أبيب بعض متعلقات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين وبينها ساعة يده، لكن موسكو لم تعلق في حينها على تلك الأنباء.
إلى ذلك، قالت مصادر إسرائيلية إن ترمب بعث برسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عبر قنوات سرية مباشرة وأبلغه بقراره توفير الغطاء للطائرات الإسرائيلية، قبل نحو أسبوعين. وعندما التقى بوتين في موسكو، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس الماضي، تعمد كلاهما تجاهل الموضوع. ولم يتطرقا إليه، مع أنهما تكلما حول تدوير التنسيق الأمني بين جيشيهما، حول النشاط الإسرائيلي في سوريا.
ومع أن الإسرائيليين لم يؤكدوا أو ينفوا أنهم هم الذين قصفوا في حماة، فإن مصادر غير رسمية قالت إن الغطاء استُخدم لأول مرة في هذا القصف. والدليل أن بطاريات الصواريخ المتطورة المضادة للصواريخ، واحدة خاضعة للجيش السوري لصواريخ «إس 300» وأخرى للجيش الروسي «إس 400»، لم تُستخدم للرد على القصف. وكان نتنياهو قد لمّح إلى القصف الإسرائيلي، خلال كلمة ألقاها مساء أول من أمس (الأحد)، فقال: «نحن نواصل العمل على جميع الجبهات بما في ذلك الجبهة الشمالية، لأننا لسنا على استعداد للسماح لأي شخص بالتأسيس لقوة عسكرية تعرِّض دولة إسرائيل للخطر، فالقوة هي ضمان وجودنا، وهي الشرط الأساسي والحيوي لتحقيق السلام مع جيراننا». وأضاف: «لن يردعنا رادع، خصوصاً أننا نحارب أولئك الذين يسعون للنيل من أرواحنا، نحن لا نتسرع في المعركة. مَن يعرف أكثر منا الثمن الباهظ للحرب؟ ولكن لا أحد سينجح في تضليلنا، عندما يكون أمن إسرائيل على المحكّ، نعمل بلا هوادة. من يعرّضنا للخطر يعرّض نفسه لخطر أكبر».
المعروف أن القصف نُفذ ضد مبانٍ قائمة داخل قاعدة عسكرية في سوريا، لم يُعرف إنْ كانت بإدارة جيش النظام السوري أو الإيراني، ولكن المؤكد أن جنوداً إيرانيين وسوريين كانوا داخلها ونحو عشرين منهم قُتلوا أو أُصيبوا. وقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، مساء الأحد، صوراً التُقطت عبر الأقمار الاصطناعية لشركة «ImageSat International» الإسرائيلية (isi)، رصدت من خلالها حجم الدمار في الموقع العسكري في مدينة مصياف في محافظة حماة السورية جراء القصف. وذكر الموقع الإلكتروني لصحيفة «يديعوت أحرونوت» (واي نت)، أن المنشآت في الموقع كانت جزءاً من المشروع الإيراني لتطوير صواريخ أرض - أرض دقيقة. وحسب تقرير الشركة الإسرائيلية المتخصصة في صور الأقمار الصناعية، فإنه «إذا افترضنا بالفعل أن الموقع المستهدف هو مصنع صواريخ، فيمكن استخدامه أيضاً لتصنيع وتجميع قطع مختلفة وتعديلات محسنة لصواريخ أرض - أرض أو لتحسين دقتها». واستبعدت الشركة أن يكون الموقع يستخدم لتصنيع محركات الصواريخ أو لإنتاج الرؤوس الحربية، «نظراً إلى عدم وجود هياكل ومستودعات محمية». وأضاف أنه «لم يتم العثور على صواريخ أو قاذفات في المنطقة».
وأضاف التقرير أن «المصنع» أُنشئ بين الأعوام 2014 و2016 في الجزء الغربي من قاعدة عسكرية لقوات النظام السوري، وأنه في مراحل لاحقة شُيّد جدار أحاط بالمصنع المزعوم لفصله عن باقي القاعدة العسكرية السورية، فيما ادّعى توثيق بعض الأضرار في منشآت إنتاج مجاورة. وقال التقرير إن المنشأة مكوّنة من مستودع كبير طوله 60 متراً وعرضه 25 متراً، بالإضافة إلى بنايات صناعية أصغر حجماً تحيط بها. وأن مدخل المصنع يمر عبر القاعدة العسكرية التابعة لقوات نظام الأسد في سوريا، «ولكن، لا يمكن تحديد هوية الجهة التي تسيطر على هذه المنشآت، القوات الإيرانية أو القوات الموالية لها أو قوات النظام السوري».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.