«معرض ما بعد الحداثة»... أنقاض خلفتها الحروب من أفغانستان إلى العراق وسوريا

العاصمة السويدية تحتفي بفنانيَن بريطانيَين

من المعرض
من المعرض
TT

«معرض ما بعد الحداثة»... أنقاض خلفتها الحروب من أفغانستان إلى العراق وسوريا

من المعرض
من المعرض

تشهد صالة «متحف الفنون المعاصرة» في مدينة استوكهولم السويدية، مظاهرة فنية كبيرة، تستمر حتى نهاية الشهر المقبل، تشكل حدثاً فنياً ذا أهمية بالغة، إذ يعتبرها النقاد «شمولية توثيقية وموسوعية تتغلغل في معظم تيارات المعاصرة والحداثة وما بعد الحداثة». وهذه المظاهرة عبارة عن معرض فني كبير لاثنين من الفنانين البريطانيين، يمثل لنا خلاصة وعي شكلي جديد، لما يطرحه من تجربة حسية في حياتي الفنانين؛ وهما كيلبرت بروسكي الذي ولد في إحدى مدن الجنوب الإيطالي عام 1943، وجورج باسمورا الذي ولد في إنجلترا عام 1942. وبدأت المغامرة من غرفة صغيرة في قبو مظلم في أحد أحياء لندن الفقيرة ليصنعا من عملهما الفني لعبة بصرية، بحيث تبدو كل لوحة للوهلة الأولى مصاحبة للعشوائية، أشبه بأعمال سريالية تعكس أحلاماً تلقائية، تجمعت فيها التناقضات، أو أشياء لا تجتمع في بوتقة واحدة. ولكن لأننا هنا أمام لوحات تعبيرية، نصبح في يقين من أن هذين الرسامين لم يتوخيا سوى التعبير عن ذات الفنان نفسه من دون ضغط خارجي، أو تمشيا مع نموذج مطلق، وتخليص الفن من قواعد السرد المجسد، أي قلب علاقة الأشياء باللوحة وجعله تابعاً لها بصورة جلية، باعتبار الحداثة هي تركيب الأشياء والارتقاء بها إلى عالم الأشكال والأصوات والمعاني الحرة.
إذا نظرنا إلى هذه اللوحات العملاقة ستبدو غريبة ليس فقط في سياق فن من أبدعها، بل في سياق الموضوعات، ومحاولة دمج الهزلي بالجاد، وعلى تدمير مبادئ وقوالب التفكير والتجارب الجاهزة، وإعادة اختراق اليومي في اختيار الموضوعات، والبعد الشكلي التشكيلي الذي تتخذه كل لوحة من هذه اللوحات الفخمة. إنها أشبه بما يسمى «استراحة المحارب» التي حرص أصحابها على ردم التقليد السائد والقضاء على ثقافة النخبة واستبدال قوالب وثقافة شعبية عامة بها، ما دام أنها تصور شخصيات مشوهة ومخلوقات سياسية معروفة في عصرنا الراهن. إن هذه اللوحات تحتاج في الحقيقة تأملاً إضافياً، وتوليفاً فكرياً وبصرياً فيما بينها كي يصل المرء إلى استنتاجات أكثر جدية ومنطقية تتعلق بالغاية التي كان الفنانان يتوخيان تحقيقها. هي تعيدنا إلى السؤال الذي لم يبرح أذهان المهتمين بالفن طوال القرن العشرين على الأقل: هل على اللوحة أن تقول خطابها في ذاتها من دون أي تدخلات تفسيرية أو نظرية، من لدن الرسام على الأقل؟ أم أن على اللوحة أن تقدم «خريطة طريق» أو «طريقة استخدام»؟ الفنانان رسما هذه اللوحات الفخمة التي تنم عن إصرار واعٍ على تنوع المجال التشكيلي العالمي وإثرائه برؤية مغايرة، وبلمسة حداثية، نابعة من متخيل غني، وبمجال بصري مختلف، فقد قدما أعمالاً نالت إعجاب المهتمين، وأبانت عن تجربة تكشف عن سرد مكثف لتوثيق لحظات عصيّة ومارقة وسريالية، في العمل المبني على استثمار فضاء داخل اللوحة يجعل المتلقي لا ينبهر فقط بالإنجاز، بل يتجاوب ويتفاعل مع تلك الألوان والرموز، معيداً تركيبها، وجاعلاً منها مرآة يرى من خلالها العالم، وبها يستحضر ذاته ويعيد التفكير في علاقته بها.
المعرض هو الأول من نوعه بسبب حجم لوحاته الكبيرة الحجم، وبسبب شمولية توثيقية وموسوعية الأفكار والموضوعات، فكل شيء يبدو مرئياً؛ أجساد مطوية، وبروفات مختلفة للعشاء الأخير، وأنقاض خلفتها الحروب الأخيرة، من أفغانستان إلى العراق وسوريا، حيث تبدو هذه اللوحات العملاقة كأنها صور شعاعية للأجساد البشرية المعطوبة، أو متاحف للخردة.
ولعل أبرز ما يمثل فكر جورج وكيلبرت الغثياني التدميري هو «الحروب»، باعتبارها مثالاً فاضحاً للطبيعة الإنسانية، حيث رسما نتائج هذه الحروب التي ما زالت مشتعلة في أكثر من 40 موقعاً في العالم، بعرض المستهلكات المدمرة للبشرية وبيئتها وجمالياتها الطبيعية، وذلك من خلال إعادة تأملها. الحدس ضد العقل، ومع الوعي واللاشعور والتداعي بطريقة فرويدية ساخرة، تم إخراج الثابت من سكونه الذي يقود إلى الهلاك البشري بردود أفعال تحريضية تدميرية انتحارية تعتمد على الصدفة والغريزة والفوضى وفضح عالم العسكريين وتجار السلاح.
هذه التجربة الجديدة التي لا تحتاج إلى أي تأويل، لأن تأويل الرسام لمقاصده من لوحاته، سيفقدها ذلك السحر الذي تبدو وحدها كفيلة بإيصاله إلى المشاهد. إن حدة الخط الأسود واللون الساخن، مع الموضوع، لعبا دائماً دوراً أساسياً في كل لوحة، خالقين المفاجأة البصرية التي توصل الخطاب إلى روح المشاهد، ما يذكرنا بالمدرسة الدادئية وبملصقات الفنان الألماني كورت شويترز، وبالفنان ماكس إرنست الذي أصبح بعد الدائية ملكاً منصبّاً على عرش السريالية، والإيطالي دي كريكو على الميتافيزيقية، وجورج غروز الذي أصبح مع الفنان أوتو ديكس وفرانز مارك وماكس بكمان من أشهر التعبيريين الألمان، إلى جانب أوغست ماكي وكير شنر وماكس بشتاين.



دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
TT

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

أعربت الفنانة اللبنانية دياموند بو عبود عن سعادتها لفوز فيلم «أرزة» بجائزتين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مؤكدةً أنّ سعادتها تظلّ ناقصة جرّاء ما يشهده لبنان، ولافتةً إلى أنّ الفيلم عبَّر بصدق عن المرأة اللبنانية، وحين قرأته تفاعلت مع شخصية البطلة المتسلّحة بالإصرار في مواجهة الصعوبات والهزائم.

وقالت، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الوضع في لبنان يتفاقم سوءاً، والحياة شبه متوقّفة جراء تواصُل القصف. كما توقّف تصوير بعض الأعمال الفنية»، وذكرت أنها انتقلت للإقامة في مصر بناء على رغبة زوجها الفنان هاني عادل، وقلبها يتمزّق لصعوبة ظروف بلدها.

وفازت بو عبود بجائزة أفضل ممثلة، كما فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، وتشارك في بطولته بيتي توتل، والممثل السوري بلال الحموي، وهو يُعدّ أول الأفلام الطويلة لمخرجته ميرا شعيب، وإنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية، وقد اختاره لبنان ليمثّله في منافسات «الأوسكار» لعام 2025.

في الفيلم، تتحوّل البطلة «أرزة» رمزاً للبنان، وتؤدّي بو عبود شخصية امرأة مكافحة تصنع فطائر السبانخ بمهارة ليتولّى نجلها الشاب توصيلها إلى الزبائن. وضمن الأحداث، تشتري دراجة نارية لزيادة دخلها في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، لكنها تُسرق، فتبدأ رحلة البحث عنها، لتكتشف خلالها كثيراً من الصراعات الطائفية والمجتمعية.

دياموند بو عبود والمؤلّف لؤي خريش مع جائزتَي «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم في فخّ «الميلودراما»، وإنما تغلُب عليه روح الفكاهة في مواقف عدة.

تصف بو عبود السيناريو الذي جذبها من اللحظة الأولى بأنه «ذكي وحساس»، مضيفة: «حين عرض عليَّ المنتج المصري علي العربي الفيلم، وقرأت السيناريو، وجدت أنّ كاتبيه لؤي خريش وفيصل شعيب قد قدّماه بشكل مبسَّط. فالفيلم يطرح قضايا عن لبنان، من خلال (أرزة) التي تناضل ضدّ قسوة ظروفها، وتصرّ على الحياة». وتتابع: «شعرت بأنني أعرفها جيداً، فهي تشبه كثيرات من اللبنانيات، وفي الوقت عينه تحاكي أي امرأة في العالم. أحببتها، وأشكر صنّاع الفيلم على ثقتهم بي».

عملت بو عبود طويلاً على شخصية «أرزة» قبل الوقوف أمام الكاميرا، فقد شغلتها تفاصيلها الخاصة: «قرأتُ بين سطور السيناريو لأكتشف من أين خرجت، وما تقوله، وكيف تتحرّك وتفكر. فهي ابنة الواقع اللبناني الذي تعانيه، وقد حوّلت ظروفها نوعاً من المقاومة وحبّ الحياة».

واستطاعت المخرجة الشابة ميرا شعيب قيادة فريق عملها بنجاح في أول أفلامها الطويلة، وهو ما تؤكده بو عبود قائلة: «تقابلنا للمرّة الأولى عبر (زووم)، وتحدّثنا طويلاً عن الفيلم. وُلد بيننا تفاهم وتوافق في الرؤية، فنحن نرى القصص بالطريقة عينها. تناقشتُ معها ومع كاتبَي السيناريو حول الشخصية، وقد اجتمعنا قبل التصوير بأسبوع لنراجع المَشاهد في موقع التصوير المُفترض أن يكون (بيت أرزة). وعلى الرغم من أنه أول أفلام ميرا، فقد تحمّستُ له لإدراكي موهبتها. فهي تعمل بشغف، وتتحمّل المسؤولية، وتتمتع بذكاء يجعلها تدرك جيداً ما تريده».

دياموند بو عبود على السجادة الحمراء في عرض فيلم «أرزة» في القاهرة (إدارة المهرجان)

صُوِّر فيلم «أرزة» قبل عامين عقب الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت و«كوفيد-19»، وشارك في مهرجانات، ولقي ردود فعل واسعة: «عُرض أولاً في مهرجان (بكين السينمائي)، ثم مهرجان (ترايبكا) في نيويورك، ثم سيدني وفرنسا وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكذلك في إسبانيا. وقد رافقتُه في بعض العروض وشهدتُ تفاعل الجمهور الكبير، ولمحتُ نساء وجدن فيه أنفسهنّ. فـ(أرزة)، وإنْ كانت لبنانية، فهي تعبّر عن نساء في أنحاء العالم يعانين ظروف الحرب والاضطرابات. وقد مسَّ الجميع على اختلاف ثقافتهم، فطلبوا عروضاً إضافية له. وأسعدني استقبال الجمهور المصري له خلال عرضه في (القاهرة السينمائي)».

كما عُرض «أرزة» في صالات السينما لدى لبنان قبل الحرب، وتلقّت بطلته رسائل من نساء لبنانيات يُخبرنها أنهن يشاهدنه ويبكين بعد كل ما يجري في وطنهنّ.

تتابع بتأثر: «الحياة توقّفت، والقصف في كل الأماكن. أن نعيش تحت التهديد والقصف المستمر، في فزع وخوف، فهذا صعب جداً. بقيتُ في لبنان، وارتبطتُ بتدريس المسرح في الجامعة والإشراف على مشروعات التخرّج لطلابه، كما أدرّس مادة إدارة الممثل لطلاب السينما. حين بدأ القصف، أصررتُ على البقاء مع عائلتي، لكن زوجي فضَّل المغادرة إلى مصر مع اشتداده».

وشاركت بو عبود العام الماضي في بطولة فيلم «حسن المصري» مع الفنان أحمد حاتم، وقد صُوّرت معظم المَشاهد في لبنان؛ وهو إنتاج مصري لبناني. كما تكشف عن ترقّبها عرض مسلسل «سراب» مع خالد النبوي ويسرا اللوزي، وبمشاركة زوجها هاني عادل، وإخراج أحمد خالد. وتلفت إلى أنه لم تجمعها مشاهد مشتركة مع زوجها بعد مسلسل «السهام المارقة»، وتتطلّع إلى التمثيل معه في أعمال مقبلة.