اللبنانيون يحيون ذكرى اندلاع الحرب اللبنانية

شباب شاركوا في إحياء الذكرى
شباب شاركوا في إحياء الذكرى
TT

اللبنانيون يحيون ذكرى اندلاع الحرب اللبنانية

شباب شاركوا في إحياء الذكرى
شباب شاركوا في إحياء الذكرى

منذ نحو 44 سنة حتى اليوم يحيي اللبنانيون ذكرى اندلاع الحرب في 13 أبريل (نيسان) من كل عام. ولأن هذا التاريخ يحمل لهم المرارة بكل معانيها فهم اعتادوا تمديد نشاطاتهم في هذا الإطار لأيام متتالية كي تترسخ العبرة منها في طياتها. وفي المناسبة انطلقت النشاطات في مختلف المناطق اللبنانية حاملة عناوين توعوية تنبّه إلى مخاطر انقسام أبناء الوطن الواحد. ومن خلال معارض فوتوغرافية تتضمن صورا من مشاهد الحرب وجولات في الباصات إشارة إلى «بوسطة عين الرمانة» التي أحدثت في عام 1975 الشرارة الأولى لحرب دامت سنوات طويلة، أحيا اللبنانيون ذكرى الحرب.
وتحت عنوان «لا يمكننا تغيير الماضي يمكننا تغيير المستقبل» و«لا للعنف نعم للمحبة والسلام» سارت أمس 8 باصات في شوارع بيروت بتنظيم من جمعية «محاربون من أجل السلام». وحملت على متنها مقاتلين قدامى وعددهم نحو 50 رجلا وامرأة، تطوعوا من أجل دفع اللبنانيين إلى الحوار بدل الحرب بعد أن تحولوا من محاربين إلى عاملين من أجل السلام. فنقلوا إلى الجيل الجديد من طلاب جامعات وتلامذة مدارس رافقوهم في هذه الجولات تجربتهم الشخصية مع الحرب. وتضمنت الجولات إلقاء كلمات وعروضا فنية وشهادات حية من قبل مقاتلين سابقين أمثال أسعد الشفتري وغابي جمال وزياد صعب وغيرهم.
وقبلها وفي منطقة عين الرمانة التي شهدت أول فصول الحرب اللبنانية وتحت عنوان «امسحها من قلبك ما بتنعاد»، نظم «مسرح إسطنبولي» و«جمعية تيرو للفنون» جولة في «باص الفن والسلام» تضمن مسيرة فنية وعروضاً مسرحية وموسيقية، وكذلك معرض رسم وأنشطة أخرى. «إنها المرة الأولى التي ننظم فيها حفلا في هذه المناسبة إذ أردنا أن نحول «بوسطة عين الرمانة» إلى باص سلام ينشر الفنون بدل الرصاص والقنابل». يقول قاسم إسطنبولي مؤسس المسرح والجمعية المنظمين للحدث. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بوسطة عين الرمانة هذه المرة قامت بمهمة مغايرة تماما عن تلك التي شكّلت طبيعتها في عام 1975. فجمعت الشباب اللبناني تحت راية الوطن على اختلاف مشاربهم وطوائفهم ومناطقهم. وأجرينا على متنها حوارات سلم مع ركابها الذين يستقلونها من الجنوب والشمال وبيروت». وعند نقطة التلاقي في عين الرمانة عزفت فرق فنية الموسيقى «لتبعث البهجة في القلوب بدل الانقسام والشرذمة» كما يشير إسطنبولي في سياق حديثه. وتميز الباص بشبه كبير مع «بوسطة عين الرمانة» بعد أن تم تصليحه وترميمه ودهنه ولصق صور فنانين لبنانيين على جوانبه. وحمل عبارة «باص السلام» بأحرف كبيرة. كما تزين برسوم لفنانين لبنانيين أمثال الراحل نصري شمس الدين وفيروز وغيرهما. أما مقاعده التي تتسع لنحو 30 راكبا فتم تجديدها بعد أن أبقي على الأخضر لونا لها تماما كمقاعد «بوسطة عين الرمانة» الشهيرة بها.
ومن المتوقع أن يتحول هذا الباص بعد هذه المناسبة إلى مسرح متجول يعرض لوحات غنائية وأخرى تمثيلية تعرف بمسرح الشارع بحيث يزور مدنا لبنانية كطرابلس وصيدا وصور وبيروت وزحلة والبقاع وغيرها. فيفاجئ الناس وهم على الطرقات ليستوقفهم ويتفاعلون مع عروضه المسرحية مباشرة على الأرض. وفي «بيت بيروت» أو «البيت الأصفر» الذي تحول من شاهد حرب على خطوط التماس في منطقة السوديكو إلى متحف فني يستضيف نشاطات ثقافية مختلفة، استقبل في هذه المناسبة معرض صور فوتوغرافية تحت عنوان «ذكرى وعبرة» الذي تنظمه نقابة المصورين الصحافيين في لبنان. وتضمن هذا المعرض صورا فوتوغرافية التقطت بعدسة مصورين استشهدوا خلال الحرب اللبنانية، أمثال جورج سمرجيان وخليل دهيني وميشال برزغل وعلي حسن سلمان. وآخرين لا يزالون على قيد الحياة يمارسون مهنهم في التصوير الصحافي حتى اليوم.
واطّلع زوّاره على نحو 100 صورة فوتوغرافية تنقل مشاهد إنسانية وأخرى من الحرب ومعاناة الناس خلالها وفي مراحل مختلفة منها وعلى مدى 15 سنة متتالية. «إننا نرغب في تعريف الجيل الجديد من الشباب اللبناني على بشاعة الحرب كي لا يستسهلوها يوما أو يتورطوا في اندلاعها مرة جديدة». يقول نقيب المصورين الفوتوغرافيين في لبنان عزيز طاهر. ويضيف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الصور المعروضة والتي تعبت عيوننا نحن كمصورين من جراء نقل مآسي الحرب فيها نريدها ذكرى وعبرة في آن. فنتذكر معها مواقف قاسية عايشناها في تلك المرحلة ونأخذ منها العبر كي لا ننقسم كأبناء وطن واحد مرة أخرى». وتتناول الصور المعروضة فترة الحرب اللبنانية منذ اندلاعها في 13 أبريل (نيسان) في عام 1975 لغاية توقيع اتفاق الطائف في عام 1998.
أما في دار النمر في بيروت فيقام معرض صور فوتوغرافية آخر بعنوان «من ذاكرة إلى الذاكرة» ينظمه اتحاد المصورين العرب في لبنان يستمر لغاية 24 الجاري في دار النمر في بيروت. ويتضمن 30 صورة فوتوغرافية سبق ونشرت في صحف النهار والسفير ولسان الحال وغيرها أثناء الحرب اللبنانية. «لقد اخترنا لكل مصور لوحة واحدة لنعرضها وتتناول مشاهد من تلك الحرب».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».