«الأحلام بعد الستين»... حملة مصرية تقاوم مشكلات تقدم العمر

مشروع تخرج طلابي يتحول إلى عمل ميداني

إحدى السيدات المشاركات في ورشة التشجير بالحملة
إحدى السيدات المشاركات في ورشة التشجير بالحملة
TT

«الأحلام بعد الستين»... حملة مصرية تقاوم مشكلات تقدم العمر

إحدى السيدات المشاركات في ورشة التشجير بالحملة
إحدى السيدات المشاركات في ورشة التشجير بالحملة

تُعد مرحلة التقاعد عن العمل عند سن الستين وما فوقها، كأنها نهاية رحلة الحياة لدى كثيرين في مصر. وفي محاولة لتغيير هذه الرؤية، وتبني فكر إيجابي يقوم على الاستمتاع بالحياة والمشاركة الفعالة في المجتمع، أطلق مجموعة من الشباب المصري حملة عنوانها «الـ60 فرصة»، في إطار مشروع تخرجهم في قسم «العلاقات العامة والإعلان»، بالمعهد الكندي العالي لتكنولوجيا الإعلام الحديث (CIC).
يتكون فريق العمل بالحملة من 11 طالباً وطالبة، اتفقوا جميعاً على أن مقولة «الحياة تبدأ بعد الستين» حقيقة ينبغي أن تتحول إلى جزء من ثقافة المصريين، سواء بالنسبة لهؤلاء الذين بلغوا هذه السن بالفعل، أو الذين لم يصلوا إليها بعد؛ لأن نظرة المجتمع بأسره لها تأثيرها البارز عليهم، إضافة إلى أن التخطيط لما بعد سن الستين من وجهة نظر منظمي الحملة، ينبغي أن يبدأ في وقت مبكر من العمر.
تستمر الحملة التي تحمل شعار «مشوار أحلامك لسه بيبتدي» حتى شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، معتمدة اسماً يحمل معنى مزدوجاً: «إذ إن اسم (الستين فرصة) يخاطب من تخطوا سن الستين وأسرهم من جهة، ومن جهة أخرى يرسخ داخلهم بشكل موازٍ الإحساس بالأمل والتعلق بالحياة؛ لأنه لا يزال أمامهم 60 فرصة، لا فرصة واحدة، للاستمتاع بالحياة، ومن هنا جاء اختيارنا لهذا الاسم»، بحسب الطالب يوسف شكري، أحد أعضاء الحملة، الذي أضاف لـ«الشرق الأوسط»: «كما أنها قد تكون ستين حلماً، أو فكرة، أو تجربة، أو هواية، أو حرفة، أو موهبة. فما على المرء عند الوصول إلى هذه السن أو ما بعدها سوى تحديد أهدافه، والعمل على تحقيقها، ونحن نساعده في اتخاذ خطوته الأولى».
ويتابع: «حملتنا ليست مجرد مشروع على الورق للتخرج في الجامعة، إنما هي حملة على أرض الواقع، ولذلك منذ البداية نزلنا إلى الشارع والنادي والمؤسسات المختلفة، في عمل ميداني يحاول تحقيق تغيير فعلي، وفوجئنا بأن جانباً كبيراً من الأشخاص الذين التقينا بهم لديهم ردود فعل سلبية للغاية»، ويوضح: «ثمة ثقافة خاطئة ورؤى متوارثة في المجتمع المصري تجاه التقاعد والوصول إلى سن الستين، حتى بالنسبة للسيدات اللاتي لا يعملن من الأصل».
وحول آليات الحملة، تقول الطالبة ندى خالد: «ما يتعلق ببعد التوعية، إنما يعتمد على ما نقدمه على الصفحة الرسمية للحملة على موقع (فيسبوك) عبر دراسات علمية وتجارب تحفيزية، مثل بث فيديو لسيدتين عادتا بعد الستين إلى هوايتهما الأثيرة، وهي ركوب الدراجات، وكيف يراهما المجتمع المصري. إضافة إلى عقد ندوات وفعاليات للتوعية، مثل الندوة التي تمت بالتعاون مع (روتاري هليوبوليس) و(روتاري كايرو هايتس)، في نادي (هليوبوليس) بمصر الجديدة، لاستشاري الطب النفسي الدكتور نبيل القط، وندوة إنجي شهاب، المتحدثة باسم (الروتاري)».
وعن البعد الآخر للحملة، وهو مساعدتهم على اتخاذ خطوة فعلية تجاه أحلامهم، فهو كما تضيف ندى: «يعتمد على إقامة فعاليات أثبتنا بها للمشاركين عملياً، إلى أي مدى يعد ما بعد الستين فرصة للتخلص من الروتين والتوتر والدوران في عجلة العمل، وفرصة للعيش بسعادة والإقبال على الحياة بصورة أكثر نشاطاً، من خلال ممارسة الهوايات المؤجلة، كالسفر والرحلات، والقراءة، والفن، والرياضة، وتعزيز صداقات قديمة».
في السياق نفسه، تساهم الحملة أيضاً بالتعاون مع بعض المراكز الثقافية والتعليمية، في حصول المشاركين على تخفيضات مميزة بالدورات التدريبية، لتنمية المهارات وصقل المواهب، في مجالات التصوير الفوتوغرافي، والرسم، والخياطة، والكروشيه، وكتابة السيناريو، والتمثيل، وغير ذلك، لتشجيعهم على الاستمرار، وفق أعضاء الحملة.
من جهتها تقول السيدة ليلى لطفي، إحدى المشاركات في فعاليات الحملة، لـ«الشرق الأوسط»: «حضرت أكثر من ورشة في إطار الحملة، وكانت أكثر من رائعة، وكانت إيجابية جداً؛ حيث استفدت منها كثيراً، ومنحتني طاقة إيجابية، وأملاً ورغبة في الحياة، كأنها كانت عملية إنعاش لي». وأضافت قائلة: «اكتشفت أنني أستطيع تنمية مهارات جديدة، وخوض تجارب حياتية مفيدة».
كما يقول أحمد الهواري، المشارك في الحملة: «عدت لهوايتي في التصوير الفوتوغرافي بعد توقف سنوات طويلة، واكتشفت بعد حضور الندوات العلمية، كم أن الأمر ليس مجرد شعارات وكلام إنشائي، فالحياة يمكن أن تبدأ بالفعل بعد الستين، وأن هناك أدواراً ومسؤوليات جديدة يمكنني القيام بها، مثل العمل التطوعي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».