«غاندي» استقبل جيدا ولكن حضوره ذبل سريعا

برّاق الصورة أكثر منه عميق البحث

لقطة من فيلم «غاندي».. وفي الاطار ريتشارد أتنبره مع الممثل بن كينغزلي والاحتفال بثماني جوائز أوسكار عن الفيلم
لقطة من فيلم «غاندي».. وفي الاطار ريتشارد أتنبره مع الممثل بن كينغزلي والاحتفال بثماني جوائز أوسكار عن الفيلم
TT

«غاندي» استقبل جيدا ولكن حضوره ذبل سريعا

لقطة من فيلم «غاندي».. وفي الاطار ريتشارد أتنبره مع الممثل بن كينغزلي والاحتفال بثماني جوائز أوسكار عن الفيلم
لقطة من فيلم «غاندي».. وفي الاطار ريتشارد أتنبره مع الممثل بن كينغزلي والاحتفال بثماني جوائز أوسكار عن الفيلم

أخرج ريتشارد أتنبره 13 فيلما كان «غاندي» (1982) خامسها وبقي أشهرها أيضا. صحيح أنه قبل هذا الفيلم أخرج ثلاثة أعمال حربيه هي «يا لها من حرب محببة» (1969) و«ونستون الشاب» (1972) و«جسر بعيد جدّا» (1977)، وصحيح أنه أنجز بعده فيلمين استقبلا باستحسان ملحوظ هما «صرخة الحريّة» (1987) و«تشابلن» (1992)، إلا أن «غاندي» هو الفيلم الذي التصق به اسم أتنبره أكثر من سواه من أعماله.‬
حمل الفيلم وعدا كبيرا أيضا. تحت كلمة «غاندي»، عنوان الفيلم، حمل الملصق الإعلاني عبارة «انتصاره غير العالم للأبد». حتى على اعتبار أن العالم حتى عام 1982 لم يشهد إلا قليلا مما شهده العالم بعد ذلك التاريخ، فإن العبارة أبعد من أن تكون صحيحة. غاندي الرجل كان مؤثرا بلا ريب واحتل في زمنه وبعد زمنه تقديرا واسعا وصيتا رائعا كرجل ذهب إلى أقصى ما يمكن أن يذهب إليه قائد روحي وسياسي في نبذ العنف، إلا أن العالم لم يتغيّر لا حين كان حيا ولا بعد موته.
على أن هذه ليست مسؤولية الفيلم بالتأكيد، لكن اللافت جدّا أن كل هذا الاهتمام بـ«غاندي» - الفيلم آنذاك (ومنه وبسببه بغاندي الشخص) والذي نتج عنه أوسكار وإعجاب نقدي حافل ونجاح تجاري لم يحصده أي فيلم آخر للمخرج، ذبل بعد سنوات ليست بعيدة. في مطلع التسعينات كان لا يزال فيلم «لورنس العرب» الذي حققه ديفيد لين قبل عشرين سنة من «غاندي» أكثر حضورا بين الجمهور والنقاد من «غاندي». وهذا الحضور استمر إلى اليوم.‬
يشترك فيلم رتشارد أتنبره‬ وفيلم لين في الكثير من الخصائص: كلاهما من أفلام السير الذاتية، وكلاهما تاريخي، وكلاهما منح رطلا من الجوائز. يسجل لفيلم أتنبره أنه هجم على موضوعه بكل ما لديه من طموح: إنتاج كبير، عشرات الألوف الكومبارس، عناية بالتفاصيل، إعادة تركيب الحياة وعناصرها البصرية في الأربعينات وما بعد.
ربما حقيقة أن الفيلم يتعامل مع الشخصية كواقع من دون أن يكترث كثيرا للتعاليم ذاتها، وحقيقة أن الفيلم مصنوع بقدر كبير من اللمعان الإنتاجي (برّاق الصورة أكثر منه عميق البحث) حجبتا عن الفيلم المستوى النوعي الكلي الذي كان يمكن أن ينجزه. هذا وحقيقة أن الفيلم إذ يغطّي الصراع بين المسلمين والهندوس الذي نتجت عنه حرب أهلية مباشرة بعد الاستقلال عن بريطانيا سنة 1947، من وجهة نظر تُدين المسلمين في فيلم كان عليه الاقتداء برسالة الشخصية التي يتحدّث عنها، تجعله العمل الأكثر التصاقا بمحيط ضيّق ورؤية تاريخية محددة من وجهة نظر تمشي في اتجاه واحد.
يعترف الفيلم في بدايته بأنه من الصعب الوصول إلى تقديم حكاية شخصية ما كاملة وأن كل ما يستطيع الفيلم، أو صانعه، فعله هو الوصول إلى «قلب الشخصية». هذا بالتحديد أكثر ما فشل فيه «غاندي» الفيلم. ما حققه المخرج هو رصد يكاد يكون ميكانيكيا. لا خطأ في ماهية المحطّات والأحداث التي توقّف عندها، لكن المعالجة لم تكن أكثر من سرد حكاية في أغلب نواحيه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».