مواهب سعودية تقدم حلولاً إبداعية مبتكرة لـ«نيوم»

تبنتهم «مسك الخيرية»... ونظمي النصر يؤكد: «إعلان استراتيجية المدينة نهاية العام الحالي»

الرئيس التنفيذي لمشروع نيوم خلال تكريمه احدى الفرق الفائزة بالمراكز الثلاثة للمسابقة (تصوير: احمد فتحي)
الرئيس التنفيذي لمشروع نيوم خلال تكريمه احدى الفرق الفائزة بالمراكز الثلاثة للمسابقة (تصوير: احمد فتحي)
TT

مواهب سعودية تقدم حلولاً إبداعية مبتكرة لـ«نيوم»

الرئيس التنفيذي لمشروع نيوم خلال تكريمه احدى الفرق الفائزة بالمراكز الثلاثة للمسابقة (تصوير: احمد فتحي)
الرئيس التنفيذي لمشروع نيوم خلال تكريمه احدى الفرق الفائزة بالمراكز الثلاثة للمسابقة (تصوير: احمد فتحي)

قدمت مواهب سعودية تبنتهم مؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز (مسك الخيرية)، خلال الأعوام الماضية، من خلال برامج تعليمية التحقوا بها في أفضل 10 جامعات في العالم، حلولاً إبداعية لمشروع «نيوم» (شمال غربي السعودية)، استهدفت مجالات عدة، مستخدمين الذكاء الاصطناعي والأنظمة الذكية.
وكشفت «مؤسسة مسك الخيرية» و«نيوم» عن مشاريع لـ12 فريقاً سعودياً تضع حلولاً إبداعية لمشروع «نيوم» الذي يربط بين 3 دول، حيث تستهدف 16 مجالاً منها الاستدامة والبيئة والطاقة والمياه المتجددة والصحة وغيرها، مستخدمين بها الذكاء الاصطناعي والأنظمة الذكية، وذلك خلال الحفل الختامي لمسابقة «احلم نيوم»، أمس، في منطقة شرما على أرض مدينة نيوم.
وقال المهندس نظمي النصر الرئيس التنفيذي لـ«نيوم» إنه سيتم الإعلان عن الاستراتيجية الشاملة لـ«نيوم» في أواخر شهور العام الحالي، مضيفاً أن مشروع «نيوم» عبارة عن بناء منطقة متكاملة، وأنه منذ إعلان انطلاقها من قبل الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، قبل عامين، كان العمل مستمراً بوضع الاستراتيجيات والخطط، مشيراً إلى أن وضع الاستراتيجيات والخطط يتطلب مزيداً من الوقت لوضعها بشكل مكتمل التفاصيل، معلناً أنه سيتم خلال الشهور القليلة المقبلة البدء في عملية الإنشاء.
وأشار إلى أن المبادرات التي تم الإعلان عنها هي الأولى من نوعها، حيث كانت بشراكة بين مؤسسة «مسك الخيرية» و«نيوم».
وحصل الفريق الفائز بالمركز الأول عن مشروع «SUBMERDGED FLOATING TUNNEL BRIDGE»، وهو عبارة عن مشروع لنفق يمتد بين «نيوم» ومصر، على 250 ألف ريال (66.6 ألف دولار)، بينما حصل على المركز الثاني فريق «Magna Storedge park» وهو مشروع لتخزين الطاقة المتجددة، على 100 ألف ريال (26.6 ألف دولار)، وكان المركز الثالث لفريق «نيوم أسيست» وهو مركز لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة بتقنيات حديثة، وحصل على 50 ألف ريال (13.3 ألف دولار)، مع فرصة لتبنّي أفكارهم وإقامتها في مشروع «نيوم»، بعد رحلة طويلة من المنافسة استمرت أكثر من 6 أشهر للبحث عن أفضل الأفكار والمواهب، بدأت في الرياض مروراً بالولايات المتحدة، ثم وصلت إلى المحطة الأخيرة في منطقة شرما في مدينة نيوم التي ستكون أرض الحالمين والمبدعين من كل أنحاء العالم.
وفي الوقت الذي كان فيه 12 فريقاً يقدمون عروضهم التجريبية، كان لفريق «محطة ماقنا التخزينية» الفائز بالمركز الثاني، فكرة مشروع يستفيد من الطاقة المتجددة عبر تخزين مياه البحر في مواقع مرتفعة عن فوق سطح البحر عن طريق فائض الطاقة المتجددة ويتم عند الحاجة لتوليد الطاقة إنزال الماء على «توربينات» مولدة للطاقة.
وكانت المنافسة بين 74 شاباً وشابة سعوديين، يشكلون 12 فريقاً للعمل على إيجاد حلول إبداعية للتحديات التي تواجه مدينة نيوم، وذلك في مسابقة بدأت من 200 شخص، استثمرت فيهم مؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز (مسك الخيرية) خلال الأعوام الماضية، من خلال برامج تعليمية التحقوا بها في أفضل 10 جامعات في العالم عبر شراكات مبادرة «مسك الزمالة والتدريب».
وقدم الـ200 شخص في بداية انطلاق المنافسة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 200 فكرة مبدئية تقدم حلولاً إبداعية للإسهام في بناء مدينة نيوم بمعايير حياة المستقبل، وصل منهم إلى المرحلة النهائية 74 مشاركاً، مستهدفين وضع حلول إبداعية في 16 مجالاً منها الاستدامة والبيئة والطاقة والمياه المتجددة والصحة والتقنية والتعليم والتنقل وجسر الملك سلمان (يربط بين السعودية ومصر).
والتحق المشاركون في المسابقة بجامعات عالمية مثل هارفارد، وستانفورد، وأكسفورد، وإم آي تي، وغيرها، للوصول إلى مستوى عالٍ من التأهيل عبر البرامج التعليمية التي تطلقها مبادرة «مسك الزمالة والتدريب» مع هذه الجامعات والمؤسسات التعليمية.
وتلتقي رؤية مؤسسة «مسك الخيرية» مع رؤية «نيوم» في تمكين الشباب والفتيات وتوفير المنصات الإبداعية لهم، ودعم مشاريعهم وتبنيها، إذ يتيح مشروع «نيوم» عبر هذا التحدي الفرصة لإقامة مشاريع على أرض الواقع تتماشى مع رؤيتها للمستقبل في تبني الحلول الذكية، إذ تعد «نيوم» وجهة عالمية فريدة تسعى السعودية من خلالها لبناء مستقبل جديد قائم على الإبداع ويضم نخبة العقول والمواهب.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)