مصر تودع محمود الجندي بعد مشوار فني حافل

وزيرة الثقافة نعته... ونجوم الفن يشاركون في جنازته

الفنان الراحل محمود الجندي
الفنان الراحل محمود الجندي
TT

مصر تودع محمود الجندي بعد مشوار فني حافل

الفنان الراحل محمود الجندي
الفنان الراحل محمود الجندي

بملامحه المصرية الأصيلة، وأحلامه الكبيرة، وإصراره الصلب، راهن محمود الجندي، خريج قسم «النسيج» بالمدرسة الثانوية الصناعية بمحافظة البحيرة (شمالي القاهرة) على موهبته وحسب، فترك عمله بأحد مصانع النسيج، ليدرس بالمعهد العالي للسينما بالقاهرة، ليتخرج فيه عام 1967، ويبدأ مشواره الطويل في السينما والمسرح والتلفزيون، قبل أن يغيّبه الموت فجر أمس، عن عمر يناهز 74 عاما إثر إصابته بوعكة صحية. ليسدل الستار أخيراً على قصة نجاح فنية وقودها الكفاح والمثابرة أثرت الوسط الفني، بمصر والعالم العربي.
اتخذ الجندي من اسمه دافعاً له لمواصلة تحقيق حلمه، فمثلما كان جندياً في صفوف القوات المسلحة المصرية أثناء حرب أكتوبر (تشرين الأول) في عام 1973، كان جندياً لامعاً في كل الأعمال الدرامية التي شارك فيها، رغم عدم إسناد البطولة المطلقة إليه على مدار مشواره الفني، باستثناء أعمال نادرة، قد لا يتذكرها الجمهور، بينما تركت أدواره الثانية بصمة قوية، حتى صارت أسماء أدواره علامة بارزة في تاريخ الدراما فمن «الأسطى موافي» بالمسلسل الإذاعي «أحلام روبابيكيا» في بداية سبعينات القرن الماضي، و«أحمد الشاعر» بمسرحية «مدرسة المشاغبين» (العرض الثاني)، و«حلاوة» في فيلم «دعاء المظلومين»، مروراً بـ«نور الدين أبو الفضل» بمسرحية «إنها حقاً عائلة محترمة» 1979، مع الفنان الكبير الراحل فؤاد المهندس»، و«محمود» في مسلسل «أبنائي الأعزاء شكراً» 1979 مع الفنان الكبير الراحل عبد المنعم مدبولي، برز اسم محمود الجندي وكان من الممثلين المطلوبين في معظم الأعمال الفنية، لدرجة أن الفنان الراحل شارك في أكثر من 300 عمل سينمائي وإذاعي ومسرحي وتلفزيوني.
وقدم الجندي أيضاً أدوار «مصطفى محمود الشوان» بمسلسل «دموع في عيون وقحة» 1980، مع الفنان عادل إمام، و«شوقي رضوان» بمسلسل «الشهد والدموع» عام 1983.
ولمع الفنان الراحل في دور «ضيا الناجي» في فيلم «التوت والنبوت» عام 1986، و«محمود شكرون» في فيلم «قلب الليل» عام 1989، و«بشير أبو السعد» في «أنا وأنت وبابا في المشمش» عام 1989، و«محمود» في «عائلة الأستاذ شلش» عام 1990، و«علي الزهار» في فيلم «اللعب مع الكبار» عام 1991، و«صلاح» في «المطلقات والذئاب». و«سلامة الطفشان» في فيلم «شمس الزناتي» عام 1991، و«عبد الرحمن» في فيلم «حكايات الغريب»، 1992، و«عادل» في فيلم «موعد مع الذئاب»، و«حسونة» في فيلم «غريب في الميناء».
أدى الجندي أيضاً دور «معاوية القليوبي» في مسلسل «حديث الصباح والمساء». و«حسنين مدندش» في مسلسل «الناس في كفر عسكر». ووالد الفنان كريم عبد العزيز في فيلم «واحد من الناس» في عام 2006، و«علي الوكيل» في فيلم «خارج على القانون»، و«حامد» في مسلسل «باب الخلق»، مع الفنان الكبير الراحل محمود عبد العزيز، و«كمال» في مسلسل «الخواجة عبد القادر»، و«عم زكريا» في مسلسل «شارع عبد العزيز» 2014.
كما لعب دور الأب البخيل والشرير بنجاح عبر دور «رشدي» في مسلسل «ابن حلال» مع الفنان محمد رمضان عام 2014، و«حسن المندوه» في مسلسل «الطوفان» عام 2017، وأمير الجماعة الإرهابية في فيلم «سوق الجمعة» 2018.
أما مسلسل «حكايتي» وفيلم «الطيارة» فلم يمهله القدر ليظهر بهما. ومات أثناء إعدادهما.
ونعى الفنان الراحل عدد كبير من نجوم الفن في مصر، واهتم متابعو مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً بخبر وفاته، وقاموا بنشر صور أدواره المميزة بمسيرته الفنية، وودعوه وداعاً يليق باسمه وتاريخه الفني.
في حين قال عنه الناقد الفني المصري محمود عبد الشكور عبر صفحته الشخصية على موقع «فيسبوك» أمس: «أحد أكثر أبناء جيله موهبة وكفاحاً لتحقيق أحلامه... ربما يمكننا الحديث تحديداً عن ثلاثة ممثلين انطلقوا في السبعينات، وعبّروا عن شخصية الإنسان العادي، وتميزوا بموهبة عظيمة، وأداء شديد البساطة، وأبعد ما يكون عن المبالغة: أحمد زكي ويحيى الفخراني، ومحمود الجندي، ورسخّوا أقدامهم فيما بعد».
وأضاف: «محمود الجندي أكثر من ممثل مهم وكبير، إنه عنوان جيل بأكمله: بموهبته، وبحفره طريقه بالمثابرة والصبر، جيل لم يسقط بعد هزيمة يونيو (حزيران)، لكنه حارب وانتصر في الحرب والفن معاً... ربنا يرحمه».
ونعته الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة المصرية، أمس، بقولها: إن «الراحل صنع جزءاً من تاريخ الدراما المصرية مجسداً الكثير من القيم الإيجابية في المجتمع». وتم تشييع جثمان الفنان الكبير محمود الجندي بمسقط رأسه بمركز أبو المطامير بمحافظة البحيرة، وتم دفنه بمقابر الأسرة هناك بعد أداء صلاة الجنازة ظهر أمس بمسجد الشيخ عبد الحكم بالبحيرة.
وحرص بعض نجوم الفن على تشييع جثمان الفنان الراحل محمود الجندي بمسقط رأسه، من بينهم الدكتور أشرف زكى، نقيب المهن التمثيلية رئيس أكاديمية الفنون، والنجمان أحمد السقا، وأحمد فهمي، والفنان الكبير فاروق الفيشاوي، وبيومي فؤاد، وممثل «مسرح مصر» محمد عبد الرحمن، والفنان أيمن عزب.
وجدير بالذكر أن زوجته الأولى ضحى حسن قد توفيت عام 2001 إثر اندلاع حريق في منزلهما، بعدما أنجب منها 3 بنات وولدا، هو المخرج أحمد الجندي. وفي عام 2003 تزوج الفنان الراحل الفنانة عبلة كامل، ولكن انتهى زواجهما بالانفصال في عام 2005، ليتزوج بعد ذلك هيام ابنة الفنان جمال إسماعيل.
وقال الجندي في لقاء تلفزيوني أنه «راجع نفسه من الناحية الدينية والإيمانية، عقب وفاة زوجته الأولى، بالإضافة إلى وفاة صديقة مصطفى متولي». ولفت إلى أنه «حزن بشدة بعد فقدانهما».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».