ترقب عراقي لتداعيات تصنيف «الحرس» الإيراني منظمة إرهابية

القرار الأميركي يضع بغداد أمام خيارين لا ثالث لهما

TT

ترقب عراقي لتداعيات تصنيف «الحرس» الإيراني منظمة إرهابية

في حين لم تنتظر طهران سوى دقائق معدودات للرد على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب تصنيف «الحرس الثوري» الإيراني منظمة إرهابية، فإن العراق الذي تتشابك علاقاته مع أميركا وإيران التزم جانب الحذر في التعامل مع هذا التطور.
«الخارجية» العراقية، وعلى لسان وزيرها محمد علي الحكيم، أعلنت أنها «سوف تدرس الأمر». وفي تصريح متلفز اكتفى الحكيم بالقول: «إننا نرفض العقوبات الأحادية»، وهو ما يعني أن العراق يريد إبقاء الباب مفتوحاً لجهة التصعيد بين واشنطن وطهران مثلما حدث على صعيد العقوبات الاقتصادية؛ حيث بقي الموقف في المنتصف مع طلب مزيد من الاستثناءات التي استجابت الإدارة الأميركية لبعضها.
في العراق غير الرسمي، لا سيما أصدقاء إيران في العراق خصوصاً الفصائل المسلحة، جرى التزام الصمت، أو لم تتخذ هذه الفصائل مواقف حادة حيال هذا التصعيد الأميركي. ويقول الخبير الاستراتيجي الدكتور هشام الهاشمي لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار الإدارة الأميركية غير ملزم لمؤسسات الدولة العراقية، لكنه ربما يشير إلى أن العراق، الذي أخذ قراره بالحياد (لا صدام ولا مسايرة) مع العقوبات الأميركية على إيران، سيواجه تحديات لا تبدو هينة على البعدين الاقتصادي والدبلوماسي خلال المرحلة المقبلة». ويضيف الهاشمي أنه «بسبب ملف العقوبات والتصعيد الأميركي المحرج للعراق، فإن العراق قد يواجه نوعين من التهديدات الساخنة: تهديدات مرتبطة بالجانب العملياتي العسكري، وردود فعل ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في العراق، من قبل بعض الفصائل المسلحة العراقية، مثل عمليات خطف واغتيالات وعمليات نوعية مباشرة تشبه تلك التي وقعت بين عامي 2003 و2011»، مبينا أنه «يمكن أن تتحدد التهديدات الساخنة للعراق في أزمة ملف العقوبات الأميركية بالضد من إيران، باستهداف السفارة والقنصليات الأميركية ورعايا الولايات المتحدة في العراق من العسكريين والمدنيين، وبالتالي سيكون العراق جزءاً من تلك التوترات والصراعات الكامنة بين إيران وأميركا».
من جهته، قال السياسي العراقي حيدر الملا، القيادي في «كتلة الإصلاح والإعمار»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر إذا نظرنا إليه من الناحية القانونية، فإن العراق اليوم هو جزء من تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، ولذلك فعندما يصنف (الحرس الثوري) الإيراني منظمةً إرهابية، فإنه تصبح هناك مسؤولية أمام هذا التحالف والعراق جزء منه في أن يحارب كل من يوصف بالإرهاب، وبالتالي فإنه حين تنفذ القوات الأميركية عمليات تحت هذا الغطاء، فإنها لا تحتاج إلى إذن من أحد؛ لأنها جزء من عمليات التحالف الدولي». وتابع الملا: «من جانب آخر؛ وبمفهوم القانون، فإن أي شخص يستضيف أبو بكر البغدادي مثلاً سوف يعدّ راعياً للإرهاب ويحاسب طبقاً لذلك، ومن هنا، فإن أي شخص من (الحرس الثوري) الإيراني يتم التعامل معه من قبل أي جهة عراقية فسيكون أيضاً حاله حال البغدادي حين يتعامل معه، لأنه في مفهوم لائحة الإرهاب، هذا الشخص مصنف إرهابياً، وبالتالي، فإن قائد (الحرس الثوري) الإيراني أو أي جنرال إيراني سيصنف على هذا الأساس».
وبشأن ما إذا كان العراق سيلتزم بالقرار، يقول الملا: «كون العراق جزءاً من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، فإنه لا بد من أن يلتزم بهذا التحالف، والأهم أن الولايات المتحدة الأميركية، أو التحالف الدولي، لم تعد بحاجة إلى موافقة عراقية لتنفيذ أي عملية تخص هذا التحالف، وهو ما يعني أن أي أجهزة مسلحة تتعامل مع (الحرس الثوري) سوف تعامل بالمعيار نفسه».
ويختتم الملا حديثه بالقول إن «هذا القرار الأميركي أنهى في الواقع سياسة الميوعة أو المرونة التي تتبعها حكومة عادل عبد المهدي في الوقوف على مسافة واحدة من المحور الإيراني والمحور الأميركي، وقطع الطريق أمام سياسة التوازن، ولم يعد أمام الحكومة العراقية سوى خيارين لا ثالث لهما؛ إما الالتزام بالقرار في حال أراد العراق البقاء جزءاً من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وإما يرى أن علاقاته مع إيران أكبر، فإنه يتعين عليه الانسحاب من التحالف الدولي، لأن هذا القرار لم يُبقِ للعراق أي مساحة للمناورة بين المعسكرين المتصارعين».
أما أستاذ العلوم السياسية وعميد «كلية النهرين» الدكتور عامر حسن فياض، فيقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية هو القرار رقم (22) من سلسلة قراراتها منذ انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران، وبالتالي فإنها في الوقت الذي اتخذت في مزيدا من القرارات العقابية ضد إيران، فإن العبرة تبقى في طريقة تنفيذها على أرض الواقع». ويضيف فياض أن «الأبعاد الحقيقية لهذا القرار سوف تكون خارج الأراضي الأميركية والإيرانية معاً؛ حيث إن لدى الأميركيين قوات وحلفاء هنا وهناك؛ ومنها العراق، ولدى إيران حلفاء ومجموعات مسلحة ومستشارون في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهو ما يعني أن الصدام بين الطرفين سوف يكون خارج أراضيهما؛ بل في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان. وطبقاً لذلك، فإن المتضرر الأساسي ستكون هذه الدول الأربع».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».