لوحات الفن الاستشراقي... الصحراء والمسجد

لوحة الفنان كارل هاغ وتمثل القبو أسفل الصخرة بمسجد قبة الصخرة
لوحة الفنان كارل هاغ وتمثل القبو أسفل الصخرة بمسجد قبة الصخرة
TT

لوحات الفن الاستشراقي... الصحراء والمسجد

لوحة الفنان كارل هاغ وتمثل القبو أسفل الصخرة بمسجد قبة الصخرة
لوحة الفنان كارل هاغ وتمثل القبو أسفل الصخرة بمسجد قبة الصخرة

> في 30 من أبريل الحالي، تقيم الدار مزادها الموسمي للفن الاستشراقي، الذي يضم مجموعة من أعمال الفنانين الأوروبيين، الذين سجلوا مشاهد بهرتهم من الشرق. وفي الدور الأرضي من الدار، يعرض لنا رئيس قسم الفن الاستشراقي كلود بيننغ مجموعة، من أهمها...
اللوحة الأهم بتقدير الخبير هي للرسام الفرنسي جان لوي جيروم، التي تتميز بحجمها الكبير، وأيضاً بموضوعها الذي يعده مختلفاً عن أعمال الفنان. اللوحة فوتوغرافية السمة، نرى في المقدمة وعلى اليسار رجلاً ينحني على حصانه الذي يبدو منهكاً، ربما من العطش بسبب الحرارة الشديدة في الصحراء، نحس بذلك الحر عبر ألوان الرمال ولمعان قطع الحصى في مقدمة اللوحة، وأيضاً من السماء الصافية جداً وانعكاس الشمس على التلال. اللوحة فوتوغرافية في التقاطها، فنرى الرجل والحصان بوضوح شديد جداً، نرى التفاصيل الدقيقة في يد الرجل التي تمر حانية على رأس الحصان، ونرى أيضاً التفاصيل في جلد الحصان وفي شعر الذيل. يقول بيننغ إن اللوحة تعبر عن حالة عاطفية، فالحنان والألفة بين الرجل والحصان تنتقل للمتفرج بسرعة.
من اللوحات المميزة مجموعة من 3، تبدو كأنها أجزاء سلسلة واحدة، وهي للفنان كارل هاج، وتتناول مسجد قبة الصخرة في 3 مشاهد. اللوحة الأولى تصور الصخرة وقد علقت فوقها ستارة، ويبدو شخصان على الجانب. المثير أن الفنان كتب في طرف اللوحة أنه رسم اللوحة بناء على رسم نفذه في البقعة المقدسة نفسها. أتساءل عن ذلك، فالفنان لم يكن مسلماً، ويقول الخبير إن هاج كانت له صلات وثيقة بالبلاط العثماني، وهو ما يفسر المعاملة الخاصة التي سمحت له بدخول المسجد. اللوحة الثانية لجانب من المسجد، ويبدو باب في الحائط يفضي إلى القبو تحت الصخرة، وهو موضوع اللوحة الثالثة.
في لوحة للفنان رافييل فون أمبروس، بعنوان «بائع الدخان»، نرى بائعاً على عربة خارج مقهى في القاهرة القديمة. التفاصيل في اللوحة ممتعة، فالرجل يعرض بضاعته من السجائر بشكل طريف، ويبدو أنه يحاول إقناع أحد الزبائن بالشراء. اللوحة وراءها قصة تاريخية طريفة، حسب ما يذكر لنا بيننغ، فالدولة العثمانية كانت تحتكر صناعة الدخان، والتجار الذين كانوا يريدون الشراء بأسعار منخفضة كانت القاهرة مقصدهم. فمصر كانت تحت الاحتلال البريطاني في تلك الفترة (1891)، ولهذا ازدهرت التجارة في ذلك الوقت، رغم أن نوعية الدخان لم تكن على مستوى عالٍ من الجودة. يضيف بيننغ: «الطريف أن هذا الأمر يوحي إلى شركة أميركية لصناعة السجائر باستخدام تلك الصلة مع القاهرة للترويج لسجائرها، رغم أنها تستخدم محصولاً أميركياً، وذلك باستخدام الجمل رمزاً واسماً لها».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».