غلاف مقلد لـ«التايم» يغضب صحافيين ومشجعين في مصر

مجلة حكومية وضعت صورة الخطيب غارقاً بدلاً من ترمب

غلاف مجلة «التايم» العام الماضي

غلاف مجلة «الأهرام الرياضي» التي أثارت انتقادات في مصر
غلاف مجلة «التايم» العام الماضي غلاف مجلة «الأهرام الرياضي» التي أثارت انتقادات في مصر
TT

غلاف مقلد لـ«التايم» يغضب صحافيين ومشجعين في مصر

غلاف مجلة «التايم» العام الماضي

غلاف مجلة «الأهرام الرياضي» التي أثارت انتقادات في مصر
غلاف مجلة «التايم» العام الماضي غلاف مجلة «الأهرام الرياضي» التي أثارت انتقادات في مصر

أثار تقليد مجلة «الأهرام الرياضي» المصرية، لغلاف مجلة «التايم» الأميركية الشهيرة، موجة غضب وانتقادات كبيرة، من قبل صحافيين وإعلاميين مصريين، وصفوا ما حدث بأنه «سقطة مهنية». ونشرت «الأهرام الرياضي» على غلافها صورة لمحمود الخطيب، رئيس النادي الأهلي المصري، وكتبت «غريق» في إشارة لهزيمة الفريق التاريخية من «صن داونز» الجنوب الأفريقي السبت الماضي بخماسية نظيفة، في بطولة أبطال أفريقيا للأندية، وهو غلاف عدد مجلة «التايم» نفسه، المنشور يوم 23 أبريل (نيسان) العام الماضي، دون إشارة «الأهرام الرياضي» لذلك.
يأتي ذلك بعد أسبوع واحد من إثارة غلاف مجلة «حريتي» المصرية الأسبوعية، التابعة لمؤسسة «دار التحرير» الحكومية، انتقادات واسعة، بعد نشرها صورة مسيئة للفنانين المصريين عمرو واكد، وخالد أبو النجا، اللذين تم وقف عضويتهما بنقابة المهن التمثيلية، بداعي الخيانة ونشر صورة سيئة عن البلاد، مؤخراً، تحت عنوان: «عملاء... وأشياء أخرى».
وبينما انتقد صحافيون وإعلاميون ومتابعون غلاف «الأهرام الرياضي» على مواقع التواصل الاجتماعي أمس، بسبب «قص ولصق» غلاف «التايم»، الذي رسمه الفنان الأميركي «تيم أوبراين»، وأعادت نشره الأهرام بتغييرات طفيفة، رد محمد شبانة، رئيس تحرير «الأهرام الرياضي»، وعضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين على الانتقادات، بقوله إن غلاف «الأهرام الرياضي» مقتبس من «التايم»، مضيفا في تصريحات صحافية أمس: «الاقتباس أحد الفنون الصحافية المهمة، وموجود في الصحافة منذ عقود طويلة».
وأوضح رئيس تحرير الأهرام الرياضي «اختيار الغلاف جاء مواكباً للظرف الحالي، لأن الأهلي بالفعل يغرق بهذه الهزيمة التاريخية من صن داونز، لكن الجماهير الرافضة للغلاف تنتقده بمشاعرها لعدم تقبلها فكرة انتقاد النادي، رغم أن النقد البناء هو دور الصحافة لإيقاظ المسؤولين من غفلتهم».
ولفت شبانة إلى أن «إعادة نشر غلاف المجلة الأميركية بتفاصيله نفسها لا يعد سرقة، خاصة أن كثيرين شاهدوا غلاف (التايم) من قبل، فمن ضمن آليات الاقتباس إمكانية تغيير وجه شخص فقط، مع استخدام التعبير نفسه عن حالة مشابهة».
وأسس مجلة «الأهرام الرياضي» الصحافي والإعلامي المصري إبراهيم حجازي، وصدر العدد الأول منها في يناير (كانون الثاني) عام 1990، وتتبع إدارياً مؤسسة الأهرام المملوكة للدولة.
من جهته، قال الخبير الإعلامي المصري خالد البرماوي لـ«الشرق الأوسط»: «غلاف عدد مجلة الأهرام الرياضي، لا يعد اقتباساً وإنما سرقة واضحة لحقوق الملكية الفكرية، لأن إدارة المجلة لم تستأذن المجلة الأميركية في إعادة نشر الغلاف، ولم تقم بعمل إضافات كبيرة عليه، ولم تُشر حتى إلى أنه مقتبس»، مضيفا: «كان من الأولى الاعتذار عما حدث، وليس بتبريره على أنه مقتبس».
وعن تكرار أخطاء المجلات المصرية الحكومية مؤخرا قال البرماوي إن «غلاف مجلة حريتي حمل أخطاء أخلاقية، بينما حمل المحتوى بداخل العدد أخطاء مهنية وموضوعية، بتوجيهه اتهامات صريحة للفنانين عمرو واكد وخالد أبو النجا دون إتاحة ردهما على تلك الاتهامات وفق ما تقول قواعد مهنة الصحافة».
وأوضح أن أزمة «حريتي» و«الأهرام الرياضي»، تداخلت مع موضوعات شعبية في الأساس، وهي الفن والرياضة، وبالتالي فإنها تخطت مرحلة النخبة إلى الشعبوية؛ ما سيكون له انعكاس سلبي على تلك الإصدارات، مشيراً إلى وجود تحولات في سياسات بعض الصحف الحكومية التي كانت في السابق مثالاً للالتزام والروتين، مرجعاً السبب إلى وجود تغيرات في الهيكل الإعلامي المصري.
في السياق نفسه، شن قطاع كبير من جمهور النادي الأهلي، هجوماً حاداً على إدارة المجلة، وطالبوا بمقاطعتها لـ«سخريتها من رئيس أكبر ناد في مصر» وفق تعبيرهم. ورد رئيس تحرير المجلة على منتقديه في برنامجه الإذاعي «من الآخر» على محطة «شعبي إف إم» أمس بأن «كلمة الحق تغضب البعض».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)