صندوق النقد يخفض توقعات النمو العالمي في 2019

بفعل التوترات التجارية و«بريكست»

جانب من المؤتمر الصحافي لصندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن أمس (إ.ب.أ)
جانب من المؤتمر الصحافي لصندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن أمس (إ.ب.أ)
TT

صندوق النقد يخفض توقعات النمو العالمي في 2019

جانب من المؤتمر الصحافي لصندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن أمس (إ.ب.أ)
جانب من المؤتمر الصحافي لصندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن أمس (إ.ب.أ)

خفض صندوق النقد الدولي، أمس (الثلاثاء)، توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في 2019، محذراً من مزيد من التباطؤ بفعل التوترات التجارية، واحتمال خروج مضطرب لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفي ثالث خفض له منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال الصندوق إن بعض الاقتصادات الرئيسية، ومن بينها الصين وألمانيا، قد تحتاج لاتخاذ إجراءات على المدى القصير لدعم النمو، متوقعاً تباطؤاً حاداً في أوروبا وبعض الاقتصادات الناشئة يفسح المجال أمام تسارع واسع النطاق من جديد في النصف الثاني من العام الجاري.
وتوقع الصندوق أن يتراجع النمو الاقتصادي العالمي من 3.6 في المائة في عام 2018 إلى 3.3 في المائة العام الحالي، قبل أن يتعافى مرة أخري في عام 2020، حيث من المتوقع أن يحقق نمواً نسبته 3.6 في المائة. وقال الصندوق، في تقرير توقعات الاقتصاد العالمي الصادر لاجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن هذا الأسبوع: «رغم ذلك، فإن الفرص كبيرة لإجراء مزيد من المراجعات بالخفض، وما زال ميزان المخاطر يميل إلى جانب الهبوط».
غير أن الصندوق أشار إلى أن الانتعاش المتوقع في النصف الثاني من عام 2019 سيعتمد بشكل كبير على استمرار استخدام الحكومة الصينية لمحفزات النمو، واستمرار الارتفاع في معنويات الأسوق المالية العالمية، وتراجع التأثيرات المؤقتة على النمو في منطقة اليورو، وتحقيق الاستقرار التدريجي في اقتصاديات الأسواق الناشئة، بما في ذلك الأرجنتين وتركيا.
ومن المتوقع أن يستمر تحسن الوضع الاقتصادي للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية حتى عام 2020، مقارنة بالدول المتقدمة التي من المتوقع أن تشهد تراجعاً ملحوظاً في النشاط الاقتصادي، خصوصاً مع تلاشي مؤثرات التحفيز المالي الأميركي.
وأرجع الصندوق أسباب تعافي الاقتصاد العالمي في عام 2020 تحديداً إلى عدة عوامل، أهمها: الزيادة في الحجم النسبي لاقتصادات الصين والهند، التي من المتوقع أن تحقق نمواً قوياً، مقارنة بباقي الاقتصادات الناشئة، على الرغم من تراجع النمو الصيني نسبياً. ويري خبراء الصندوق أن النمو في الأسواق الناشئة النامية سيتراجع قليلاً عن مستوي 5 في المائة، حيث من المتوقع أن يتباطأ نمو الصين تدريجياً نحو مستويات مستدامة، مع تحقيق مستويات دخل أعلى للأفراد. أما بالنسبة للمناطق الأخرى، فإن التوقعات معقدة بسبب مجموعة من الاختناقات الهيكلية، وارتباط معظم الدول النامية باقتصادات الدول المتقدمة، التي من المتوقع أن تشهد تراجعاً خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن ارتفاع الدين العام في كثير من البلدان، والصراعات الإقليمية في مناطق الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. ومن المتوقع أن يتراجع دخل الفرد في هذه المناطق أكثر عن مثيله في الاقتصادات المتقدمة خلال السنوات الخمس المقبلة.
وأوضح التقرير أن النشاط الاقتصادي العالمي قد تباطأ بشكل ملحوظ في النصف الثاني من العام الماضي، وأرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل، أهمها: انخفاض النمو الصيني بسبب تشديد الإجراءات التنظيمية، وزيادة التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.
وأضاف أن اقتصاد منطقة اليورو فقد زخماً أكثر مما كان متوقعاً، حيث تراجعت ثقة المستهلك والأعمال، وتعطل إنتاج السيارات في ألمانيا بسبب تطبيق معايير جديدة للانبعاثات، وتراجع الاستثمار في إيطاليا، فضلاً عن تراجع الطلب الخارجي، خصوصاً من دول آسيا.
وأشار الصندوق إلى أن التوترات التجارية أثرت بشكل متزايد على ثقة الشركات، ومن ثم تراجعت معنويات الأسواق المالية، مما أثر على الطلب العالمي. وهو ما جعل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يعلن عن تبنيه موقف أكثر مرونة في السياسة النقدية، وساهم ذلك في خلق حالة من التفاؤل داخل السوق الأميركية.
وقال الصندوق إن النمو العالمي قد يفاجئنا بشكل إيجابي، إذا تم حل الخلافات التجارية بسرعة، إلا أن ميزان المخاطر على التوقعات ما زال في الاتجاه الهبوطي. وعلى النقيض، إذا تصاعدت التوترات التجارية، وما يرتبط بها من زيادات في سياسة عدم اليقين، فسيضعف ذلك النمو بصورة أكبر. ولا يزال هناك احتمال لتدهور حاد في معنويات السوق، مما يعني احتمالية إعادة تخصيص المحافظ المالية للمستثمرين بعيداً عن الأصول ذات المخاطر، خصوصاً في ظل التداعيات السلبية المحتملة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واستمرار تراجع النمو، وحالة عدم اليقين في إيطاليا.
وأوضح الصندوق أن إعادة التقييم السريع من جانب الأسواق لموقف السياسة النقدية في الولايات المتحدة قد تحسن من الظروف المالية العالمية في المدي القصير. أما على المدى المتوسط، فيعتبر تغير المناخ والخلاف السياسي من المخاطر الرئيسية التي يمكن أن تقلل من الناتج العالمي، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية كبيرة على بعض البلدان النامية. ودعا الصندوق إلى ضرورة أن تكون الأولوية في الفترة المقبلة للسياسيات التي تهدف إلى تفادي الأخطاء السياسية التي قد تضر بالنشاط الاقتصادي، ومنع المزيد من التباطؤ. أما على المستويات المحلية للدول، فإن تحقيق ذلك يتطلب اتباع سياسات نقدية قوية تضمن بقاء التضخم على المسار الصحيح، في إطار ما يستهدفه البنك المركزي لكل دولة، أو على الأقل الحفاظ على التضخم قريباً من المستويات التي يستهدفها البنك المركزي.
واختتم الصندوق تقريره بالدعوة إلى ضرورة تبني سياسة مالية جيدة تدعم الطلب المحلي، وفي الوقت نفسه تبقي على مستويات الدين الخارجي آمنة. وقال إنه إذا تبين أن التباطؤ الاقتصادي أكبر وأطول مما هو متوقع، فينبغي أن تصبح سياسات الاقتصاد الكلي أكثر ملاءمة، لا سيما في حالة تراجع مستويات الإنتاج.


مقالات ذات صلة

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )
الاقتصاد لافتة إلكترونية وملصق يعرضان الدين القومي الأميركي الحالي للفرد بالدولار في واشنطن (رويترز)

غوتيريش يعيّن مجموعة من الخبراء لوضع حلول لأزمة الديون

عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجموعة من الخبراء البارزين لإيجاد حلول لأزمة الديون المتفاقمة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الاجتماع السنوي الرابع والخمسون للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (رويترز)

المنتدى الاقتصادي العالمي: قادة الأعمال يخشون من الركود وارتفاع التضخم

أظهر استطلاع للرأي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي يوم الخميس أن قادة الأعمال على مستوى العالم يشعرون بالقلق من مخاطر الركود ونقص العمالة وارتفاع التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص مدير «مبادرة الأراضي العالمية» في «مجموعة العشرين» الدكتور مورالي ثوماروكودي (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 02:36

خاص مسؤول في «مجموعة الـ20»: التزام دولي باستعادة 1.1 مليار هكتار من الأراضي هذا العام

نبّه مدير «مبادرة الأراضي العالمية» في «مجموعة العشرين» الدكتور مورالي ثوماروكودي، إلى مدى خطورة تدهور الأراضي.

آيات نور (الرياض)

الصين تدرس خفض اليوان في 2025 لمواجهة رسوم ترمب الجمركية

ورقة نقدية صينية (رويترز)
ورقة نقدية صينية (رويترز)
TT

الصين تدرس خفض اليوان في 2025 لمواجهة رسوم ترمب الجمركية

ورقة نقدية صينية (رويترز)
ورقة نقدية صينية (رويترز)

يدرس القادة والمسؤولون الصينيون السماح بانخفاض قيمة اليوان في عام 2025، في وقت يستعدون فيه لفرض الولايات المتحدة رسوماً تجارية أعلى، في ظل رئاسة دونالد ترمب الثانية.

وتعكس هذه الخطوة إدراك الصين أنها بحاجة إلى تحفيز اقتصادي أكبر، لمواجهة تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية مرتفعة، وفقاً لمصادر مطلعة على المناقشات. وكان ترمب قد صرح سابقاً بأنه يخطط لفرض ضريبة استيراد عالمية بنسبة 10 في المائة، إضافة إلى رسوم بنسبة 60 في المائة على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة.

وسيسهم السماح لليوان بالضعف في جعل الصادرات الصينية أكثر تنافسية، مما يساعد على تقليص تأثير الرسوم الجمركية ويساهم في خلق بيئة نقدية أكثر مرونة في الصين.

وقد تحدثت «رويترز» مع 3 مصادر على دراية بالمناقشات المتعلقة بخفض قيمة اليوان؛ لكنهم طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لعدم تفويضهم بالحديث علناً حول هذه المسألة. وأكدت المصادر أن السماح لليوان بالضعف في العام المقبل سيكون خطوة بعيدة عن السياسة المعتادة التي تعتمدها الصين في الحفاظ على استقرار سعر الصرف.

وبينما من غير المتوقع أن يعلن البنك المركزي الصيني عن توقفه عن دعم العملة، فإنه من المتوقع أن يركز على منح الأسواق مزيداً من السلطة في تحديد قيمة اليوان.

وفي اجتماع للمكتب السياسي، الهيئة التي تتخذ القرارات بين مسؤولي الحزب الشيوعي، هذا الأسبوع، تعهدت الصين بتبني سياسة نقدية «ميسرة بشكل مناسب» في العام المقبل، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها الصين تخفيفاً في سياستها النقدية منذ نحو 14 عاماً. كما لم تتضمن تعليقات الاجتماع أي إشارة إلى ضرورة الحفاظ على «استقرار اليوان بشكل أساسي»، وهو ما تم ذكره آخر مرة في يوليو (تموز)؛ لكنه غاب عن البيان الصادر في سبتمبر (أيلول).

وكانت سياسة اليوان محوراً رئيسياً في ملاحظات المحللين الماليين ومناقشات مراكز الفكر هذا العام. وفي ورقة بحثية نشرتها مؤسسة «China Finance 40 Forum» الأسبوع الماضي، اقترح المحللون أن تتحول الصين مؤقتاً من ربط اليوان بالدولار الأميركي إلى ربطه بسلة من العملات غير الدولارية؛ خصوصاً اليورو، لضمان مرونة سعر الصرف في ظل التوترات التجارية المستمرة.

وقال مصدر ثالث مطلع على تفكير بنك الشعب الصيني لـ«رويترز»، إن البنك المركزي يدرس إمكانية خفض قيمة اليوان إلى 7.5 مقابل الدولار، لمواجهة أي صدمات تجارية محتملة، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 3.5 في المائة تقريباً عن المستويات الحالية البالغة 7.25.

وخلال ولاية ترمب الأولى، ضعُف اليوان بنسبة تزيد على 12 في المائة مقابل الدولار، خلال سلسلة من إعلانات الرسوم الجمركية المتبادلة بين مارس (آذار) 2018، ومايو (أيار) 2020.

اختيار صعب

قد يساعد ضعف اليوان ثاني أكبر اقتصاد في العالم على تحقيق هدف نمو اقتصادي صعب بنسبة 5 في المائة، وتخفيف الضغوط الانكماشية عبر تعزيز أرباح الصادرات، وجعل السلع المستوردة أكثر تكلفة. وفي حال تراجع الصادرات بشكل حاد، قد يكون لدى السلطات سبب إضافي لاستخدام العملة الضعيفة كأداة لحماية القطاع الوحيد في الاقتصاد الذي لا يزال يعمل بشكل جيد.

وقال فريد نيومان، كبير خبراء الاقتصاد في آسيا، في بنك «إتش إس بي سي»: «من الإنصاف القول إن هذا خيار سياسي. تعديلات العملة مطروحة على الطاولة كأداة يمكن استخدامها لتخفيف آثار الرسوم الجمركية». وأضاف أنه رغم ذلك، فإن هذا الخيار سيكون قصير النظر.

وأشار نيومان إلى أنه «إذا خفضت الصين قيمة عملتها بشكل عدواني، فإن هذا يزيد من خطر فرض سلسلة من الرسوم الجمركية، ويُحتمل أن تقول الدول الأخرى: إذا كانت العملة الصينية تضعف بشكل كبير، فقد لا يكون أمامنا خيار سوى فرض قيود على الواردات من الصين بأنفسنا». وبالتالي، هناك مخاطر واضحة من استخدام سياسة نقدية عدوانية للغاية؛ حيث قد يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف من الشركاء التجاريين الآخرين، وهو ما لا يصب في مصلحة الصين.

ويتوقع المحللون أن ينخفض اليوان إلى 7.37 مقابل الدولار بحلول نهاية العام المقبل. ومنذ نهاية سبتمبر، فقدت العملة نحو 4 في المائة من قيمتها مقابل الدولار.

وفي الماضي، تمكن البنك المركزي الصيني من احتواء التقلبات والتحركات غير المنظمة في اليوان، من خلال تحديد معدل التوجيه اليومي للأسواق، فضلاً عن تدخل البنوك الحكومية لشراء وبيع العملة في الأسواق.

وقد واجه اليوان -أو «الرنمينبي» كما يُسمَّى أحياناً- صعوبات منذ عام 2022؛ حيث تأثر بالاقتصاد الضعيف، وتراجع تدفقات رأس المال الأجنبي إلى الأسواق الصينية. كما أن أسعار الفائدة الأميركية المرتفعة، إلى جانب انخفاض أسعار الفائدة الصينية قد ضاعفت من الضغوط على العملة.

وفي الأيام القادمة، ستناقش السلطات الصينية التوقعات الاقتصادية لعام 2025، بما في ذلك النمو الاقتصادي والعجز في الموازنة، فضلاً عن الأهداف المالية الأخرى، ولكن دون تقديم استشرافات كبيرة في هذا السياق.

وفي ملخصات مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي CEWC)) لأعوام 2020 و2022 و2023، تم تضمين التعهد بـ«الحفاظ على الاستقرار الأساسي لسعر صرف الرنمينبي عند مستوى معقول ومتوازن». إلا أنه لم يُدرج في ملخصات المؤتمر لعامي 2019 و2021.

ويوم الثلاثاء، انخفضت العملة الصينية بنحو 0.3 في المائة إلى 7.2803 مقابل الدولار. كما انخفض الوون الكوري، وكذلك الدولار الأسترالي والنيوزيلندي الحساسان للصين، في حين لامس الدولار الأسترالي أدنى مستوى له في عام عند 0.6341 دولار.