لماذا يجب تغيير محرك البحث المعتمد؟

نتائج «غوغل» يشوبها الانحياز بعد تعقّبها السلوك الشخصي للمستخدم

لماذا يجب تغيير محرك البحث المعتمد؟
TT

لماذا يجب تغيير محرك البحث المعتمد؟

لماذا يجب تغيير محرك البحث المعتمد؟

يبدو أن «غوغل» تعيق تطور تجربة مستخدميها على الشبكة الإلكترونية. واليوم، يشهد محرك البحث الأكثر شعبية في العالم 75 في المائة من عمليات البحث التي تتم على أجهزة الكومبيوتر واللابتوبات، بينما يشهد منافسه الصيني «بايدو» نحو 12 في المائة منها فقط.
- أداة بحث «شخصية»
تُعتبر محركات البحث أدوات فعالة جداً، كما البوصلة، لأنها تتولى إرشاد مستخدميها في محيطات المعلومات الإلكترونية. ولكن على عكس البوصلة، غالباً ما يتسم محرك البحث بالديناميكية ويحمل بعضاً من شخصية مستخدمه بفضل جمع البيانات والتعلُّم من كل مشاركة. صحيح أن هذا النمط الشخصي قد يزيد من فعالية أبحاث المستخدمين، إلا أنه يمكن ببساطة أن يقضي على استقلاليتهم.
كتب غبريال وينبرغ، مؤسس «داك داك غو»، محرك البحث الذي يُعنى بمراعاة الخصوصية، في موقع «كورا» قائلاً: «عندما تبحثون، فإنكم تتوقعون الحصول على نتائج غير منحازة، ولكن هذا ليس ما تحصلون عليه عبر (غوغل)، إذ يقدم لكم هذا الأخير نتائج مفصلة وفقاً لما يعتقد أنكم ستُسرون بقراءته، وبناء على ملف البيانات الذي جمعه عنكم مع الوقت».
من الخارج، قد يبدو لكم هذا الأمر عادياً وغير مضرّ. ولكن انتقاء خياراتنا بطريقة خوارزمية يحرمنا من حرية الاختيار، ويقلّص فرص اطلاعنا على وجهات نظر مختلفة. يعتقد وينبرغ أن محركات البحث المفلترة كـ«غوغل» تبتكر «حجرات الصدى» (تعبير مستخدم في مجال الإعلام الجماهيري يشير إلى تضخيم الآراء أو المعتقدات مثلما يحدث في حجرات الصدى). وهذا ما يُسهِم في مزيد من الاستقطاب في المجتمع. وتُسهِم نقراتنا في بناء حدودنا الخاصة، وأخيراً، قد نصبح شديدي العمى إلى درجة عدم معرفتنا أنها موجودة حتى.
- الإعلانات والخصوصية
في المقابل، تزداد شعبية محركات بحث أخرى كـ«داك داك غو» (DuckDuckGo)، وكذلك «كوانت» (Qwant) التابع لشركة فرنسية. ولأن هذه الأدوات لا تتعقب مستخدميها، وتقدم نتائج أقل دقة من «غوغل»، فإنها تساعد مستخدميها على تفادي «فقاعات الفلتر» التي تحدّ من خياراتهم.
تخطى محرك «داك داك غو» أخيراً 35 مليون طلب بحث مباشر في اليوم، بينما يشهد محرك «غوغل» نحو 5.5 مليار عملية بحث في اليوم الواحد. لا شك في أن هذه الفجوة هائلة، ولكن سوق الحفاظ على الخصوصية تزداد نمواً في جميع أنحاء العالم.
آلة «غوغل» الإعلانية هي سبب آخر يدفعكم إلى التفكير بتغيير محرك بحثكم. فمن خلال دراسة سلوكنا البحثي، نتلقى ترويجات للمنتجات عن طريق المعلنين الأقرب إلى أفكارنا ورغباتنا. وتعتبر ملفاتنا الإلكترونية بمثابة رسوم كاريكاتيرية لحقيقتنا، ولكن بشكل شديد الواقعية، إذ إن أبحاثنا باتت قادرة على رسم الإنسان الذي سنصبح عليه. ومن جهتهم، يعمل المعلنون على إقحام أنفسهم، بشكل غير مرئي، في هذا التبادل المعلوماتي.
غالباً ما نتعامل مع «غوغل» وكأنه موسوعتنا الخاصة، فضلاً عن أن تصميمه الأنيق يمكن أن ينسينا أنه ليس منفذاً خاصاً أو حتى امتداداً لأنفسنا. قد لا تجد محركات البحث البديلة مكانتها بهذه السلاسة في حياتنا الرقمية، ولكن الوضوح الذي تمنحنا إياه منعش ويساعد في تذكيرنا بالفاصل القائم بين العالمين الحقيقي والرقمي.
أما في حال شعرتم بأن تغيير محرك بحثكم ليس خياراً مناسباً لكم، يمكنكم اللجوء لأدوات التخصيص من «غوغل»، التي تحجب تواريخ البحث، وتحديد الموقع، عن أي جهة ساعية إليها. قد تكون هذه الأدوات سبباً لبعض الإزعاج، إلا أنها ستُسهِم في إزاحة الغمامة التي أحدثها «غوغل» حول استفساراتنا.
قبل نحو ستة أشهر، فتحتُ حساباً جديداً على «غوغل»، ووضعت اسماً أكثر مهنية في خانة اسم المستخدم. عند استعمال الملف الجديد، تفاجأتُ بقلّة المعلومات التي تعرفها «غوغل» عن النسخة «الجديدة» مني. فقد نست منصة «يوتيوب» عشقي لكرة السلة والهوكي، لتقترح عليَّ عناوين أخرى كخدمة «فاين» للفيديو ومقاطع أخرى تعرض مقالب ساخرة، فضلاً عن أنني لم أعد أرى الإعلانات المرتبطة بمؤتمرات العملة المشفرة أثناء التصفُّح.
ساعدني إنشاء حساب جديد على اكتشاف إمكانية ابتكار نفسي من جديد للحصول على تجربة إلكترونية مختلفة كلياً. في البداية، شعرت بأن هذا الأمر مقلق بعض الشيء، ولكنه دون شك، أزال الغمامة عن عيني.
يتيح لكم تغيير إعدادات الخصوصية والإعلانات تسلُّق برج «غوغل» الرقمي لمواجهة العالم الحقيقي والخالي من الفلترات. قد تشعرون بأن العثور على النتائج التي تريدونها بات يتطلب وقتاً أطول، ولكنكم على الأقل، ستعرفون أنكم تقومون بالبحث وفقاً لشروطكم أنتم.

- «كوارتز»،
خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

«تعفن الدماغ»... ما علاقته باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل؟

صحتك قضاء ساعات طويلة في تصفح الإنترنت قد يصيبك بـ«تعفن الدماغ» (رويترز)

«تعفن الدماغ»... ما علاقته باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل؟

تُعرف «أكسفورد» تعفن الدماغ بأنه «التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص»

ماري وجدي (القاهرة)
يوميات الشرق التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص في العصر الحديث يحدث نتيجة الإفراط في استهلاك الإنترنت وفقاً لـ«أكسفورد» (أ.ب)

«تعفن الدماغ»... كلمة عام 2024 من جامعة أكسفورد

اختيرت كلمة «تعفن الدماغ» لتكون كلمة عام 2024 في «أكسفورد».

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا كابل الاتصالات البحري «سي ليون 1» أثناء وضعه في قاع بحر البلطيق عام 2015 (أ.ف.ب)

بدء إصلاح كابل بيانات متضرر في بحر البلطيق

 بدأ إصلاح كابل اتصالات بحري متضرر بين هلسنكي وميناء روستوك الألماني في بحر البلطيق، الاثنين.  

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
المشرق العربي أطفال انفصلوا عن شقيقهم بعد فراره من شمال غزة ينظرون إلى صورته على هاتف جوال (رويترز)

انقطاع كامل للإنترنت في شمال غزة

أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية (بالتل)، اليوم (السبت)، عن انقطاع كامل لخدمات الإنترنت في محافظة شمال قطاع غزة، بسبب «عدوان الاحتلال المتواصل».

«الشرق الأوسط» (غزة)
يوميات الشرق حبُّ براد بيت سهَّل الوقوع في الفخ (رويترز)

«براد بيت زائف» يحتال بـ325 ألف يورو على امرأتين «مكتئبتين»

أوقفت الشرطة الإسبانية 5 أشخاص لاستحصالهم على 325 ألف يورو من امرأتين «ضعيفتين ومكتئبتين»... إليكم التفاصيل.

«الشرق الأوسط» (مدريد)

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة «كوفيد»، يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، رغم الشكوك في منافعه.

وبدأت بلدان عدة توفير أدوات مساعَدة رقمية معززة بالذكاء الاصطناعي للمعلّمين في الفصول الدراسية. ففي المملكة المتحدة، بات الأطفال وأولياء الأمور معتادين على تطبيق «سباركس ماث» (Sparx Maths) الذي أُنشئ لمواكبة تقدُّم التلاميذ بواسطة خوارزميات، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية». لكنّ الحكومة تريد الذهاب إلى أبعد من ذلك. وفي أغسطس (آب)، أعلنت استثمار أربعة ملايين جنيه إسترليني (نحو خمسة ملايين دولار) لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي للمعلمين، لمساعدتهم في إعداد المحتوى الذي يدرّسونه.

وهذا التوجّه آخذ في الانتشار من ولاية كارولاينا الشمالية الأميركية إلى كوريا الجنوبية. ففي فرنسا، كان من المفترض اعتماد تطبيق «ميا سوكوند» (Mia Seconde) المعزز بالذكاء الاصطناعي، مطلع العام الدراسي 2024، لإتاحة تمارين خاصة بكل تلميذ في اللغة الفرنسية والرياضيات، لكنّ التغييرات الحكومية أدت إلى استبعاد هذه الخطة راهناً.

وتوسعت أعمال الشركة الفرنسية الناشئة «إيفيدانس بي» التي فازت بالعقد مع وزارة التعليم الوطني لتشمل أيضاً إسبانيا وإيطاليا. ويشكّل هذا التوسع نموذجاً يعكس التحوّل الذي تشهده «تكنولوجيا التعليم» المعروفة بـ«إدتِك» (edtech).

«حصان طروادة»

يبدو أن شركات التكنولوجيا العملاقة التي تستثمر بكثافة في الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي، ترى أيضاً في التعليم قطاعاً واعداً. وتعمل شركات «مايكروسوفت» و«ميتا» و«أوبن إيه آي» الأميركية على الترويج لأدواتها لدى المؤسسات التعليمية، وتعقد شراكات مع شركات ناشئة.

وقال مدير تقرير الرصد العالمي للتعليم في «اليونيسكو»، مانوس أنتونينيس، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أعتقد أن المؤسف هو أن التعليم يُستخدم كنوع من حصان طروادة للوصول إلى المستهلكين في المستقبل».

وأعرب كذلك عن قلقه من كون الشركات تستخدم لأغراض تجارية البيانات التي تستحصل عليها، وتنشر خوارزميات متحيزة، وتبدي عموماً اهتماماً بنتائجها المالية أكثر مما تكترث للنتائج التعليمية. إلاّ أن انتقادات المشككين في فاعلية الابتكارات التكنولوجية تعليمياً بدأت قبل ازدهار الذكاء الاصطناعي. ففي المملكة المتحدة، خيّب تطبيق «سباركس ماث» آمال كثير من أولياء أمور التلاميذ.

وكتب أحد المشاركين في منتدى «مامِز نِت» على الإنترنت تعليقاً جاء فيه: «لا أعرف طفلاً واحداً يحب» هذا التطبيق، في حين لاحظ مستخدم آخر أن التطبيق «يدمر أي اهتمام بالموضوع». ولا تبدو الابتكارات الجديدة أكثر إقناعاً.

«أشبه بالعزلة»

وفقاً للنتائج التي نشرها مركز «بيو ريسيرتش سنتر» للأبحاث في مايو (أيار) الماضي، يعتقد 6 في المائة فقط من معلمي المدارس الثانوية الأميركية أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم يعود بنتائج إيجابية تَفوق العواقب السلبية. وثمة شكوك أيضاً لدى بعض الخبراء.

وتَعِد غالبية حلول «تكنولوجيا التعليم» بالتعلّم «الشخصي»، وخصوصاً بفضل المتابعة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. وهذه الحجة تحظى بقبول من المسؤولين السياسيين في المملكة المتحدة والصين. ولكن وفقاً لمانوس أنتونينيس، فإن هذه الحجة لا تأخذ في الاعتبار أن «التعلّم في جانب كبير منه هو مسألة اجتماعية، وأن الأطفال يتعلمون من خلال تفاعل بعضهم مع بعض».

وثمة قلق أيضاً لدى ليون فورز، المدرّس السابق المقيم في أستراليا، وهو راهناً مستشار متخصص في الذكاء الاصطناعي التوليدي المطبّق على التعليم. وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «يُروَّج للذكاء الاصطناعي كحل يوفّر التعلّم الشخصي، لكنه (...) يبدو لي أشبه بالعزلة».

ومع أن التكنولوجيا يمكن أن تكون في رأيه مفيدة في حالات محددة، فإنها لا تستطيع محو العمل البشري الضروري.

وشدّد فورز على أن «الحلول التكنولوجية لن تحل التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الكبرى التي تواجه المعلمين والطلاب».