من المحتمل أن تواجه العملية الأميركية في سوريا ضد «داعش»، الذي قتل الصحافي الأميركي جيمس فولي، قيودا تتعلق بفجوات استخباراتية قائمة والتعثر في الاعتماد على أسراب طائرات دون طيار (درون) المسلحة، التي كانت أداة إدارة الرئيس باراك أوباما الخاصة ضد شبكات الإرهابيين في مناطق أخرى، وذلك وفقا لتصريحات مسؤولين أميركيين.
وتشن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) غارات يومية للتجسس على طول الحدود العراقية السورية في الأسابيع الأخيرة فيما أضاف المسؤولون أنها دفعة لتعزيز الاستخبارات الأميركية بشأن «داعش» دون العبور إلى المجال الجوي السوري والمخاطرة بفقدان الطائرة على يد الدفاع الجوي السوري.
كما تتوسع وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في إنشاء شبكة من المخبرين داخل سوريا من خلال تجنيد ومراقبة المقاتلين من الثوار الذين تلقوا تدريبهم وتجهيزهم في قواعد سرية تابعة للوكالة في الأردن على مدار العامين الماضيين.
ولكن مسؤولين عسكريين واستخباراتيين أميركيين رفيعي المستوى، اشترطوا عدم ذكر أسمائهم لمناقشتهم عمليات ذات حساسية، صرحوا بأن أجهزة الاستخبارات الأميركية لم تجمع حتى الآن الإمكانيات اللازمة لاستهداف قادة «داعش» ولم تحصل على استخبارات كافية لشن مجموعة الغارات.
وقال آدم بي شيف عضو مجلس النواب الأميركي (الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا) وهو عضو لجنة الاستخبارات في مجلس النواب: «تشهد معلوماتنا الاستخباراتية تحسنا حيث بدأنا في تخصيص موارد من أجل ذلك، ولكن ما زالت لدينا قدرة متواضعة على رؤية ما يحدث في سوريا».
بينما أوضح مسؤول استخباراتي أميركي رفيع المستوى أنه قد يستغرق الأمر عدة أشهر لجمع المعلومات الاستخباراتية اللازمة للتوسع في الحملة الجوية الأميركية التي تجري في العراق لتشمل مواقع «داعش» في سوريا، مضيفا: «لن ينتهي الأمر في فترة قريبة». يذكر أن إدارة أوباما تعتمد على طائرات «بريداتور» و«ريبر» في شن مئات الغارات ضد أهداف تابعة لتنظيم القاعدة في باكستان واليمن، حيث يوجد تصريح ضمني على الأقل في هاتين الدولتين يسمح لها بإرسال طائرات مسلحة دون طيار. وتنفذ الطائرات مهام مراقبة شبه دائمة على مساحة شاسعة في كلتا الدولتين وأحيانا تمضي أياما في تعقب الأهداف قبل إطلاق الصواريخ.
ولكن يتسم استخدام طائرات «درون» بخطورة أكبر كثيرا في سوريا، حيث تحرس قوات الرئيس بشار الأسد المجال الجوي للبلاد عن طريق بطاريات صواريخ وطائرات مقاتلة. ويسعى تنظيم الدولة الإسلامية إلى الإطاحة بالأسد، وسوف تصب الغارات التي تشن ضد التنظيم في مصلحته. بيد أنه من المحتمل أن يرى الأسد أن السماح للطائرات الأميركية بالوصول إلى مدن مثل الرقة، التي تعد معقلا لـ«داعش»، تهديدا له، وأحد أسباب ذلك هو أن مثل تلك الطائرات قد تجمع معلومات استخباراتية ثمينة عن قواته.
ومن جانبهم أكد مسؤولون أميركيون على أن أوباما لم يتخذ قرارا بشن غارات على سوريا – وهي خطوة تتجنبها الإدارة الأميركية منذ بداية الحرب الأهلية هناك. ولكن دفعت عملية قتل الصحافي الأميركي فولي إلى إعادة تقييم التهديد الذي يمثله «داعش».
وبعد نشر المقطع المفزع لمقتل فولي على شبكة الإنترنت، حذر أوباما من أن الولايات المتحدة لن تتهاون في ردها. ووصف الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، «داعش» بتنظيم لديه رؤية استراتيجية أقرب إلى «نهاية العالم» ولا يمكن هزيمته دون مهاجمته «على جانبي الحدود التي لم تعد موجودة».
وعلى الرغم من استغلال «داعش» للحدود، إلا أنها تعد عقبة أمام وكالات الاستخبارات الأميركية.
وذكر مسؤولو الولايات المتحدة فشل محاولة إنقاذ فولي ورهائن أميركيين آخرين في يوليو (تموز) كإشارة على محدودية المعلومات الأميركية. وفي ظل معلومات وردت من مصادر من بينها رهائن آخرين أفرج عنهم التنظيم، اعتقدت أجهزة الاستخبارات الأميركية أنها حددت بثقة كبيرة موقع احتجاز فولي. وفي اللحظة التي وصلت فيها قوات الكوماندوز التابعة للجيش الأميركي إلى الموقع، كان الرهائن وخاطفوهم رحلوا.
وذكر مسؤولون أميركيون أن أجهزة الاستخبارات استبعدت كذلك مواقع كان من المعتقد أن كبار أعضاء «داعش» متمركزون بها. ولكنه من الصعب استمرار مراقبة هذه الأهداف لفترة طويلة تكفي للتأكد من أن هؤلاء الأشخاص سيمكثون في مواقعهم عند شن الغارات.
وأعلن الخبراء أن البنتاغون قد تنشر طائرات دون طيار على ارتفاعات عالية – مثل «أر كيو - 4 غلوبال هوك» أو طائرات «درون» للتجسس التي طورتها «سي آي إيه»، والتي يمكنها التحليق على ارتفاعات تبعد عن نطاق بطاريات مضادات الطائرات السورية. ولكن لا تحمل «غلوبال هوك» صواريخ وكذلك لا تقدم الرصد المطلوب لمراقبة القيادات الإرهابية التي تتحرك باستمرار.
وفي اجتماع مع الصحافيين عقد مؤخرا، أقر مسؤولون استخباراتيون بأن لديهم معلومات شحيحة حول مكان وجود زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي. وقال مسؤول استخباراتي ساخرا: «لقد رأيناه في الموصل»، في إشارة إلى مقطع منتشر عبر الإنترنت لظهور البغدادي في مسجد في هذه المدينة العراقية حيث نصب نفسه قائدا لدولة الخلافة. وتابع المسؤول قائلا إنه «بعيدا عن ذلك من المعتقد أن البغدادي يتنقل ما بين العراق وسوريا باستمرار».
وأكد بعض المسؤولين الأميركيين أنه حتى لو لم نجد البغدادي، قد يلحق شن حملة جوية ضررا بالغا من خلال استهداف المقاتلين من الصفوف المتوسطة، وهي الطريقة ذاتها التي سعت من خلالها حملة الغارات التي شنتها «سي آي إيه» في باكستان إلى تقويض «القاعدة» بتخلصها من الصفوف الوسطى. وقد أسفرت ضربات الوكالة عن مقتل عملاء يحتلون المرتبة الثالثة والذين كانوا يتلقون التعليمات من أسامة بن لادن وينقلونها.
بالإضافة إلى غارات طائرات التجسس المستمرة في باكستان، اعتمدت تلك الحملة كثيرا على شبكة من المخبرين التابعين لـ«سي آي إيه» والتي استغرقت أعواما من أجل تكوينها. وأضاف مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون أن «جهود الوكالة في تدريب وتسليح المقاتلين المعتدلين في سوريا كان تأثيرها على نتيجة الحرب الأهلية أقل بكثير من تأثيرها على حجم قائمة العملاء الذين يتلقون أموالا في البلاد».
وصرح مسؤول استخباراتي أميركي قائلا: «نملك معرفة قوية بالاستراتيجية والتكتيكات والقيادة والتنظيم للجماعات الإرهابية في سوريا بما فيها (داعش)... وكما أظهرنا مرارا منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001، عند ظهور تهديدات جديدة، أو حدوث تغيير في محور التركيز – سواء في جنوب آسيا أو اليمن أو أي مكان آخر في العالم – يمكننا أن نتعامل مع تلك التغييرات. لا يجب أن يشكك شخص في براعة أفرادنا في جمع المعلومات الاستخباراتية، حتى لو كانت متعلقة بمناطق صعبة مثل سوريا».
وتحدث آخرون عن جهود وكالة الاستخبارات ولكنهم قالوا إنها لا تزال صغيرة النطاق نسبيا. وأفاد مسؤول الاستخبارات الأميركي رفيع المستوى: «في أفغانستان، تطلب النظر عبر الحدود مع باكستان الاستعانة بـ100 شخص في جمع المعلومات»، في إشارة إلى اجتماع عملاء الاستخبارات الأميركيين في القواعد النائية مع المخبرين، أما في شأن سوريا، أضاف المسؤول: «لن أقول إننا وصلنا إلى تلك المرحلة قطعا».
وأضاف مسؤولون سابقون وحاليون أن «هناك عدة سيناريوهات محدودة تستطيع فيها وزارة الدفاع أو وكالة الاستخبارات استخدام طائرات دون طيار في سوريا، بغرض شن غارات فردية أو دوريات على المناطق البعيدة عن المواقع العمرانية، حيث تتمركز أنظمة الدفاع الجوي التي يملكها الأسد».
* خدمة «واشنطن بوست»
* خاص بـ«الشرق الأوسط»